لماذا غيَّر الإخوان إستراتيجياتهم السياسية؟


كما كان متوقعًا، أعلن الرئيس المصري محمد مرسي عن موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في أواخر شهر أبريل من العام الجاري، في ظل معارضة العديد من قوى المعارضة الرافضة لعقد الانتخابات في وجود حكومة قنديل المرتعشة، والانفلات الأمني والتوتر السياسي والتمزق الاجتماعي الذي تشهده البلاد منذ عدة شهور، والذي ألقى بظلال من الشك على مدى القدرة على إنجاح هذه الانتخابات، وبعيدًا عن البحث والتكهن في إمكانية عقد الانتخابات من عدمه، فضلاً عن تمريرها وإنجاحها كما تخطط مؤسسة الرئاسة ومن ورائها جماعة الإخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، فإن الشهور القليلة الماضية قد كشفت عن تحول جوهري وكبير في إستراتيجية الإخوان في إدارة العملية السياسية في البلاد، هذا التحول ربما يؤدي إلى استمرار حالة التوتر السياسي في البلاد لفترة طويلة ربما تكون طوال مدة حكم الرئيس محمد مرسي.

فالإخوان قد بنوا إستراتيجيتهم السياسية في إدارة مرحلة ما بعد الثورة على أساس رئيس وهو "المشاركة لا المغالبة" وهو الشعار الذي رفعوه حتى قبل بداية الثورة، كضمانة لباقي القوى السياسية المعارضة للنظام السابق، بأن الجماعة لا تقدم نفسها بديلاً عن نظام مبارك، وكانت إستراتيجية "مشاركة لا مغالبة" نابعة عن إحساس حقيقي لدى الإخوان بأن مصر تركة ثقيلة، وأن أعباء المرحلة الانتقالية أكبر من إمكانات أي فصيل سياسي مهما كانت قوته وتنظيمه، وللتأكيد على ذلك أطلقوا حزمة من التطمينات للقوى السياسية والثورية في اليوم السابق لخلع المسجون مبارك، أعلنوا فيها عن عدم خوض انتخابات الرئاسة، مع الاحتفاظ في حقهم بدعم مرشح من خارج التيار الإسلامي، والترشح على نسبة معينة من المقاعد تضمن لهم السيطرة على الثلث المعطل في البرلمان، وعدم السعي للسيطرة على مفاصل الدولة، ولاقت هذه التطمينات قبولاً وارتياحًا داخليًّا وخارجيًّا، وللتأكيد على جدية الإخوان على التزامهم بهذا الشعار "مشاركة لا مغالبة" قاموا بفصل الدكتور أبو الفتوح من عضوية الجماعة لإصراره على الترشح لمنصب الرئاسة.

إذًا.. متى بدأ التغير؟ ولماذا؟

ومع بداية التحضير لأول انتخابات برلمانية في مصر بعد الثورة، ظهر للعيان أن جماعة الإخوان هي الأكثر تنظيمًا والأوسع انتشارًا والأقوى نفوذًا، وأن المنافسين من الضعف بمكان أغرى الإخوان كي ما يرفعوا شيئًا فشيئًا من سقف طموحاتهم، ثم جاءت أولى محطات التخلي عن هذا الشعار، بالترشح على كل المقاعد تقريبًا، ثم جاءت نتيجة الانتخابات لتؤكد على صحة هذه التوجهات، فقد استحوذ الإخوان على حوالي 47% من مقاعد البرلمان، وأصبح الإخوان الذين اضطروا للعب وفق قواعد كتبها خصومهم على مدى عقود، أصبحوا مستعدين لكتابة قواعدهم الجديدة.

ورغم فوز الإخوان بالأغلبية البرلمانية إلا أنهم ظلوا أوفياء لإستراتيجيتهم الأساسية "مشاركة لا مغالبة" بسبب عدم ثقتهم في الحكم العسكري من جانب، ومن جانب آخر بسبب استمرار التوتر السياسي والحراك الثوري من الشباب المعارض لاستمرار الحكم العسكري، فالمشهد السياسي حتى بعد الانتخابات كان ضبابيًّا، ومما زاد من ضبابيته التصريحات المثيرة التي أطلقها قادة المجلس العسكري عن كتابة الدستور والانتخابات الرئاسية وصلاحيات المجلس، وكان للحذر التاريخي عند الإخوان دور بارز في استمرار السير على هذه الإستراتيجية، وطرح الإخوان شعارهم الجديد "التوافق" وهو الشعار المنبثق من الإستراتيجية الأصلية "مشاركة لا مغالبة".

ثم حدثت التداعيات الشهيرة من نزول عمر سليمان وأحمد شفيق واحتشاد مراكز القوى في الدولة القديمة خلف أحمد شفيق بعد استبعاد سليمان، والتلميحات المتتالية من جانب العسكر ورئيس الوزراء الجنزوري ورئيس نادي القضاة الزند بأن المحكمة الدستورية ستصدر حكمًا بحل مجلس الشعب، مما سيجعل كل مكاسب الإخوان تتبخر في حالة وصول أحمد شفيق الذي كان سيبث الروح في دولة مبارك، وبالتالي كانت المحطة الثانية للتنازل عن شعار "مشاركة لا مغالبة" بخوض انتخابات الرئاسة، وكان نزول الشاطر ثم محمد مرسي بعد استبعاد الشاطر، ويحشد الإخوان كل قوتهم خلفه ويستطيعون الفوز بالرئاسة، رغم كل التحديات والمعوقات.

الإخوان في مرحلة الدولة كانوا أكثر حذرًا ومواءمة من مرحلة الجماعة، وهم قد دخلوا الرئاسة بعد معركة انتخابية حامية الوطيس، دخلوها وتطاردهم تهم نكص العهود في مرتين سابقتين في الانتخابات البرلمانية الرئاسية؛ لذلك قرروا أن يواصلوا سياسة المشاركة لا المغالبة ولكن بلون جديد هو "التوافق"، فراح الرئيس مرسي والإخوان يطلقون عشرات التصريحات والوعود عن ضرورة التوافق على كل خطوة وقرار يتخذه الرئيس، وهذا لا يوجد له نظير في أي دول العالم، ولا في أي نظام سياسي، رئيس يقطع وعودًا وتعاهدات وضمانات، لمعارضيه وخصومه السياسيين حتى يرضوا عنه ويشاركوه العمل العام، وقدم الإخوان تنازلات مؤلمة، وصبروا على إهانات وافتراءات وهجمات إعلامية غير مسبوقة، وبلعوا كل الإساءات من باب الحفاظ على التوافق من أجل كتابة الدستور، وانتخاب البرلمان، والخروج من المرحلة الانتقالية لمرحلة الاستقرار، وتم تشكيل حكومة أغلبها من غير الإخوان، ولكن كان المقابل أن تعمدت القوى الليبرالية والعلمانية إحراج الرئيس، فبعد سلسلة من التنازلات في اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور، فوجئ الإخوان ومؤسسة الرئاسة بانسحابات متتالية من التأسيسية بهدف إسقاطها، ورفضت مفاصل الدولة ومؤسساتها الإدارية أن تتعاون مع الحكم الجديد، وبدا للعيان أن مخططًا محكمًا وشاملاً يستهدف إسقاط حكم الإخوان، والقضاء عليهم بالكلية، وهنا قرر الإخوان التنازل بالكلية عن شعارات "المشاركة" و"التوافق" التي لم تجر عليهم إلا المتاعب والمصاعب وهددت وجودهم بالكلية.

بدأ الإخوان في تنحية هذه السياسات جانبًا، والمضي قدمًا وبكل قوة نحو تنفيذ رؤيتهم ووضع سياساتهم الخاصة بهم، إدارة البلاد وفق إستراتيجيتهم، ووضعوا نصب أعينهم أهدافًا معينة، وصمموا على تحقيقها مهما كان الثمن، ودون الوقوف عند اعتراض القوى العلمانية والثورية، بشعار وداعًا للتوافق وأهلاً بالمغالبة، فأصدر مرسي الإعلان الدستوري، وبدأ في ملاحقة شاتميه الإعلاميين بقوة، وصمد الإخوان في وجه معارضيهم الكثر، وأنجزوا كتابة الدستور، واستفتوا الشعب عليه وسط أجواء عاصفة، وأبقوا على مجلس الشورى، ونقلوا إليه صلاحيات مجلس الشعب، ثم كان الهدف الثاني وهو عقد الانتخابات البرلمانية، وهو ما تم تحديد موعدها كما هو معروف؛ ليبرهن الإخوان على تغير كبير قد حدث في سياساتهم في المرحلة الحالية.

خطورة هذا الطرح السياسي الجديد الذي ينتهجه الإخوان أنه سيصل بالبلاد إلى مرحلة طويلة من عدم الاستقرار، فالقوى المعارضة للإخوان وإن كانت لا تستطيع أن تزيح مرسي عن الحكم لاعتبارات كثيرة، ولكنها تستطيع أن تعطله وتمنعه من تحقيق مشروعاته الاقتصادية والسياسية، خاصة وأن الدولة العميقة بقيادة الفلول في حالة تعاون كامل مع هذه القوى، ناهيك عن الضغوط الإقليمية والمساعدات القوية التي تأتي لهذه القوى من بعض دول الخليج الكارهة لحكم الإخوان، بعبارة أخرى ستصل البلاد لمرحلة الانسداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وليس ثمة دولة تستطيع أن تستمر طويلاً على هذا الحال المحتقن، لذلك فأغلب الظن أن هذه الإستراتيجية لن يستمر عليها الإخوان طويلاً، ولكن سيظلون عليها على الأقل إلى نهاية هذا العام أو ربما العام القادم أيضًا



كاتب المقالة : شريف عبد العزيز
تاريخ النشر : 02/03/2013
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com