السعادة في بيت الزوجية


السعادة رمانة الميزان في بيت الزوجين، لأنها فيها تعبير صادق عن رضا كل طرف منهما بالآخر، فالسعادة تعني أن يكون الزوج سعيدًا وراضيًا بزواجه، وأن تكون الزوجة سعيدة وراضية بزواجها.

ولو تأملنا أكثر البيوت المضطربة لوجدنا أن السبب الرئيسي في الاضطراب والشقاق والافتراق بين الزوجين هو عدم رضا كلاهما أو أحدهما عن الآخر.

ويترتب على عدم الرضا أن يصبح البيت شعلة من نار، لا تكاد تُطفَأ طرفها حتى يشتعل الطرف الآخر.

ذلك لأن كلا الزوجين في حالة عدم الرضا يتربص بالآخر ويتصيد له الأخطاء ولا يعرف المسامحة أو التساهل حتى مع الأمور التافهة والدقيقة.

أما عندما يكون الزوج سعيدًا بزوجته راضيًا بها والزوجة كذلك تبادله نفس المشاعر، فسوف يتحملها ويصبر على أذاها، ويتغاضى عن عيوبها ويحفظ لها الجميل، وهي الأخرى سوف تبادله نفس السلوك الإيجابي.

إن البيوت التي تظللها قيمة السعادة تقل فيها الخلافات وتندر فيها النزاعات، لأن الرضا يولد التضحية والسعادة تولد التنازل والتغاضي والتغافل.

ولقد روي أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وأرضاه ليشكو سوء خلق زوجته فوقف على بابه ينتظر خروجه فسمع هذا الرجل امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها.

فانصرف الرجل راجعًا وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي؟

وخرج عمر فرآه موليًا عن بابه فناداه وقال: ما حاجتك أيها الرجل؟

فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها عَلَيّ فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟

قال عمر: يا أخي إني أحتملها لحقوق لها عليّ إنها لطباخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي، مرضعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أحتملها لذلك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] [عشرة النساء للنسائي، (1/28)].

هكذا صبر عمر رضي الله عنه وأرضاه على زوجته وتحملها لأنه كان يحفظ لها الجميل ويشعر بالسعادة والرضا بالعيش معها.

والسؤال يطرح نفسه الآن، لماذا لا نملأ بيوتنا بالسعادة، لماذا لا ننشر رياحين السعادة والفرحة في كل ركن من أركان البيت؟!

لماذا يدخل الرجل كثيرًا إلى بيته بوجه عبوس فيحرم أهله وأولاده طعم السعادة، ولماذا تمنع الزوجة بسمتها من البيت فتظلله سحب الكآبة.

كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابة؟!

ولكي يستطيع الزوجان أن يحصدا ثمرة السعادة في بيتهما وأن يكون كل طرف منهما راضٍ عن الطرف الآخر فعلى كل واحد منهما أن يؤدي حق الطرف الآخر بدون انتقاص.

فعلى الزوج أن يؤدي حق زوجته من النفقة والسكن وحسن المعاشرة وتعليمها أمور دينها والغيرة عليها والموازنة بين حق نفسه وبدنه وأهله.

وعلى الزوجة كذلك أن تؤدي حق الزوج من احترام قوامته عليها وطاعته بالمعروف فيما لا يغضب الله، وأن تكون راعية في بيت زوجها، فتحفظه في نفسها وماله وأولاده كما أمرها نبيها صلى الله عليه وسلم.

ولو أدى كل طرف من أطراف الحياة الزوجية حق الطرف الآخر لتحققت منظومة السعادة في بيت الزوجية.

ولكن الخلافات تبدأ دائمًا عندما يطلب أحد الطرفين من الآخر حقه دون أن يؤدي هو واجبه، فتكون النتيجة الحتمية امتناع الطرف الآخر.

فإن أراد الزوج من زوجته أن تتزين له وأن تهتم بنفسها وبيتها وأولادها، لابد أن يقدم هو أولًا اهتمامه بها وإعطائها حقها.

وإن أرادت الزوجة أن يجلس زوجها في بيته ويداعب أولاده ويضحك معهم ويبادلها كلمات الحب والمغازلة، لابد أن تبدي هي أيضًا زينتها ورعايتها لأولادها واهتمامها بشئون بيتها وهكذا.

إن السلوك السلبي من أحد الطرفين ما هو إلا ردة فعل عن السلوك السلبي من الطرف الآخر ولعل هذه القصة التي حدثت في عهد النبوة خير دليل وشاهد على هذه الحقيقة العلمية.

حدثنا محمد بن بشار حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو العميس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة [أي أنها تاركة للبس ثياب الزينة] فقال لها: ما شأنك؟ قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل.

فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال: نم، فنام ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان) [رواه البخاري].

لقد تركت أم الدرداء رضي الله عنها زينتها لزوجها لأنها وجدت أن هذا الأمر لا يشغل زوجها ولا يهمه بسبب انهماكه في العبادة والتبتل، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يحقق الزوج التوازن المطلوب في حياته بين حق ربه وبدنه وأهله، وأن الإخلال بهذا التوازن الفطري بأي صورة من الصور يؤدي إلى غياب السعادة عن بيت الزوجين، والتأثير بالسلب على العلاقة بينهما.

دراسة علمية: مقارنة بين الزيجات السعيدة والمضطربة:

قارنت بعض الدراسات سلوك السعداء في الزواج بسلوك التعساء فيه، وأشارت النتائج إلى كثرة ظهور الاستجابات اللفظية الأكثر استثارة للسرور وقلة الاستجابات اللفظية السلبية وخصوصًا النقد في الزيجات السعيدة.

كما أشارت الدراسات إلى أن صدور سلوك سلبي من أحد الأزواج يزيد من احتمالات صدور فعل مماثل من الزوج الآخر في الزيجات المضطربة.

ولاحظت أيضًا غلبة السلوك الأكثر استثارة للسعادة في الزيجات السعيدة، كتبادل القبل والهدايا، والاستعداد للمساعدة العملية، وقلة السلوك السلبي، واستمتاع أكثر بالحياة الجنسية، وكثرة الوقت الذي يقضيه الزوجان معًا، والاتفاق على الأمور المادية، وتبني اتجاه إيجابي يقوم على التركيز على البحث عن حلول المشكلات التي تعرض.

كما لاحظت أن التدعيم المتبادل من أهم سمات الزيجات السعيدة كذلك الاشتراك في الأنشطة المختلفة وأن كلا الطرفين له دور ايجابي في تحقيق الشعور بالرضا للآخر [سيكولوجية السعادة، د.مايكل أرجايل، ص (28)، (بتصرف يسير)].

مشاعر نبوية: السعادة في بيت النبوة:

لقد كان للسعادة في بيت النبوة طعم آخر ومذاق مختلف، لم تكن تزينها كثرة الأموال ولا العيال، لم يكن يسببها جمال المسكن ولا طيب المطعم، بل كان السبب الأول للسعادة في بيت النبوة هو طاعة الله تعالى، هو رضاء الله سبحانه وتعالى، لقد كان سبب السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة.

ولذلك كانت سعادته في وقت الشدة والبلاء لا تقل عن سعادته في وقت البحبوحة والرخاء.

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعيش في قصر شامخ ولا يلبس الحرير والديباج بل كان يلبس الصوف وينام على الحصير ولكنه كان سعيدًا وكان أزاوجه سعداء.

كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي دخلت فيه أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها حجرة واحدة من الطوب اللبِن النَّيِّئ والطين، ملحق بها حجرة من جريد مستورة بالطين، وكان باب حجرة السيدة عائشة مواجهًا للشام، وكان بمصراع واحد من خشب، سقفه منخفض وأثاثه بسيط: سرير من خشبات مشدودة بحبال من ليف، عليه وسادة من جلد حَشْوُها ليف، وقربة للماء، وآنية من فخارٍ للطعام والوضوء [عشرة النساء للنسائي، (1/11)].

ولكن بطاعة الزوجين لله تعالى كانت السعادة الحقيقية، كان النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة يعيشان في سعادة دائمة، حتى في أشد لحظات البلاء التي تعصف بأحدهما أو كليهما كانا يتحليان بالصبر والثبات ويثبِّت بعضهما الآخر لأنهما كانا يحملان في صدرهما قدرًا عظيمًا من الإيمان، ولعل من أصعب المواقف التي مرت بهما هو موقف حادثة الإفك، الذي كان كفيلًا بأن يهدم ميثاق السعادة والرضا في أي بيت ولكنه كان بإيمانها الكبير ريشة هشة تدفعها الرياح.



كاتب المقالة : أم عبد الرحمن
تاريخ النشر : 26/09/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com