غزوة الفيس بوك


بعد أن كانت مواقع التواصل الاجتماعي – "فيسبوك" و"تويتر" - سببًا رئيسًا في هبوب رياح الحرية على البلدان العربية، وكانت عاصفة أطاحت بالطغاة وأنظمتهم، كما أطاحت بحالات الطورائ وقوانينهم المجحفة التي ساموا بها بني جلدتهم سوء العذاب، ومع حالة الزخم التي حدثت لهذه المواقع والاهتمام الزائد بها من قِبل جميع طبقات وشرائح المجتمع في العالم لم يكن لشباب التيار الإسلامي بُدٌّ من سد هذا الثغر الذي قد يهمل البعض النظر إليه، وبالفعل تولى الشباب قيادة الدفة فأنشأوا الصفحات والائتلافات والجبهات والروابط، الأمر الذي أسماه البعض "غزوة الفيس بوك" على غرار ما عبر به الشيخ يعقوب عن فرحته يوم استفتاء مارس بـ"غزوة الصناديق".

حائط الصد:

وبعد أن عزز شباب التيار الإسلامي من وجوده على مواقع التواصل الاجتماعي بدأ بتدشين صفحات عليها لتساعده في نشر المفاهيم الصحيحية والدعوة إلى الله تعالى، وعرض قضاياه، والوقوف أمام الحملات الشرسة التي يواجهها التيار، فأُسِّست الصفحات الدعوية والتاريخية والثقافية والخيرية والسياسية.

وبالفعل كانت هذه الصفحات بمثابة حائط صد أمام الهجمات الإعلامية والافتراءات الكاذبة التي يتعرض لها التيار الإسلامي، وقد دشن شباب التيار السلفي صفحة "أنا سلفي ومابعضِّش ولا بضرب" والتي ظهرت عقب الحملة التي شنها الإعلام على السلفية بشأن تطبيق الحدود وهدم الأضرحة إلى غير ذلك من الاتهامات الباطلة، وقام هذا الشباب السلفي بعمل مسلسل مكتوب تحت عنوان (أنا سلفي ومابعضش حد) يناقش فيه حالة الخوف من التيار السلفي التي زرعها الإعلام بالاشتراك مع الأنظمة المخلوعة ومحاولة تبديدها، وصمموا أيضًا صورًا تناقش هذه المشكلة تحت مسمى "الحملة الحلزونية للتخويف من السلفية" ولاقت ترحيبًا كبيرًا وانتشارًا واسعًا نظرًا لسهولة أسلوبها وخفة ظلها.

وعلى غرار ما حدث للسلفيين من حملة إعلامية مسعورة، لم تسلم جماعة الإخوان المسلمين من الحملات الإعلامية التشويهية، فقابل شباب الإخوان التهكم بالتهكم وأسسوا صفحات القصد منها السخرية من الحملات الإعلامية المضللة، ومن أشهر هذه الصفحات "إنت عيل إخوانجي" والتي قال أحمد حسن - أحد مدرائها - لمفكرة الاسلام: إن الصفحة قامت بعمل فيديوهات تناولت فيها تكذيب الحملة الإعلامية المستمرة التي تتهم الجماعة بالتمويل الخارجي... إلى غير ذلك من الاتهامات.

تنسيق وروابط واتحادات:

ولم تكن هذه الصفحات وحدها هي من أنشأها شباب التيار، بل هناك الكثير والكثير، ولكن الشاهد أنه قد بدأ تأسيس التكتلات والروابط عن طريق تنسيق مدراء الصفحات الإسلامية مع بعضهم البعض لعدم تشتيت المجهود، ولتوحيد الفكر وتقليص المسافات... فقد أنشأ الشباب المنتمي للتيار السلفي رابطة شباب الدعوة السلفية، وبحسب ماقال "محمد عبد الرحيم" - أحد أعضاء الرابطة لمفكرة الإسلام -: إن "الرابطة أنشئت للتنسيق بين الصفحات الموجودة، إضافة لتبني المشاريع الدعوية والخيرية، وقد تبنت الرابطة مشروع تجميع التبرعات لمجاعة الصومال ودعم الثورة السورية وإرسال الإمدادات العينية والنقدية لهم".

وأضاف عبد الرحيم أن الرابطة لها مواقف سياسية، وقد أصدرت العديد من البيانات التي كان منها تأييد المليونيات التي تطالب بالقصاص، وتأييد الثورات العربية.

وتابع عبد الرحيم: "لنا أيضًا أطروحات دعوية جديدة تتناسب مع مناخ هذه المواقع".

وعلى غرار رابطة الصفحات السلفية، قام شباب جماعة الإخوان بتدشين رابطة بينهم للتنسيق بين صفحاتهم على الفيس بوك.

وشهدت مواقع التواصل أيضًا تكوين جبهات سياسية وإعلامية وفرق دعوية أخرى؛ كالجبهة السلفية، وائتلاف دعم المسلمين الجدد، وجبهة الإرادة الشعبية، ومنسقية العمل السياسي الإسلامي، وشباب الإصلاح.

مواقع التواصل في الميزان:

وقد رأى الدكتور محمد علي يوسف - الداعية والكاتب الإسلامي - أن من ظن أن مواقع التواصل الاجتماعي غير مؤثرة ومحركة للأحداث فهو واهم، وقال لمفكرة الاسلام: "لقد كانت هذه المواقع سببًا رئيسًا في العديد من الثورات العربية، وأصبح تأثيرها أكثر تغلغلاً من الإعلام التقليدي سواء المرئي أو المسموع، بل ومؤثرة في ذلك الإعلام نفسه، ومصدر ثري للمواد المعروضة فيه".

وأضاف الدكتور محمد: إن "كثيرًا من الشخصيات العامة أو الشخصيات ذات المناصب الهامة أقرَّت بهذه الأهمية من خلال تدشينهم لحسابات أو صفحات عبر "تويتر" أو "فيس بوك" للتواصل مع الجماهير مثل الدكتور سعد الكتاتني - رئيس مجلس الشعب المصري - والمتحدثين الإعلاميين باسم أكبر الأحزاب على الساحة، بل وحتى المجلس العسكري الحاكم بمصر له صفحة رسمية على تلك المواقع، إذًا فلا يختلف اثنان أن مواقع التواصل أصبحت ذات أهمية كبيرة ومؤثرة في غيرها".

وتابع الدكتور محمد: "إن لمواقع التواصل أهمية كبيرة في الدعوة والتوجيه الفكري، إلا أنه لا يمكن الاستعاضة بها عن الدعوة في المساجد، وعلى أرض الواقع التي هي الأصل والتي لا يقارن أثرها التغييري بالدعوة والتوجيه عبر تلك المواقع".

وختم حديثه بقوله: "إن مواقع التواصل الاجتماعي ثغر لا يترك، ولكن ينبغي أن يوظف في مكانه الصحيح بلا إفراط ولا تفريط".

من جانبه، قال شريف عبد العزيز - الباحث في التاريخ الإسلامي - على حائطه في الفيس بوك: "الفيس بوك سيكون في المستقبل القريب أكبر معول لهدم الدعوة الإسلامية، وهذه الجريمة للأسف سترتكب أيضًا باسم الدعوة، فالشباب قد هجروا المساجد وحلق العلم ودخلوا في العالم الافتراضي للفيس بوك بأعداد ضخمة بعد النجاح الكبير للفيس بوك في تحشيد الثورات ضد الطغيان في منطقتنا، حتى من لم يكن منهم مهتمًّا به من قبل دخله، ولا بأس بذلك وهو رافد من روافد الدعوة نفعه أكبر من ضرره، ولكن الإفراط في الجلوس على الفيس بوك والاعتماد عليه كليًّا في أمور كثيرة متعلقة بالدعوة وغيرها يورث ضياعًا ما بعده ضياع لدعوات أقيمت على أكتاف رجال حملوها لسنين طوال، وأنا أسمع أرقامًا مفزعة لعدد ساعات جلوس الشباب وربما الشيوخ أيضًا على الفيس بوك، فالبعض يجلس ساعات الليل كلها أمام حاسوبه يحادث هذا ويتجادل مع هذا ويمازح هذا حتى مطلع الفجر، فتهدر الأوقات الطوال، ولسان الحال: "أصبحنا وأصبح الفيس" و"أمسينا وأمسى الفيس" حتى أنك لو دخلت الفيس في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار لوجدت المرابطين الجدد على الفيس بوك، وهكذا حتى خلت الدروس وحلق العلم من طلابها، وتخلف الكثير من شباب الدعوة عن مهامهم الدعوية وواجباتهم تجاه إخوانهم.. - وتساءل في آخر كلامه -: فهل سيهدم الفيس بوك الدعوة إلى الله؟".

وسيلة وليست غاية:

وهذه همسة أخيرة في أذن شباب التيار الإسلامي: وهي أن يوازنوا بين الدعوة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وبين الدعوة على الأرض وفي المساجد، وأن يضعوها في مكانها الصحيح، فما هي إلا وسيلة ضمن الوسائل التي نخدم بها الغاية الكبرى.



كاتب المقالة : عبد الرحمن ضاحي
تاريخ النشر : 14/04/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com