إيران على رقعة المنافسة العالمية


تدخل إيران في المرحلة القادمة حقبة جديدة من التحدي لوجودها كدولة شيعية فارسية تحاول أن تصل إلى مصاف الدول المتقدمة، فالأيام القليلة القادمة قد تكون حاسمة إما في تخطيها العتبة النووية واللعب مع الكبار، أو الرجوع إلى حقبة ما قبل الدولة الشيعية بأن يتم تدمير برنامجها النووي ومن ثم تقليم أظافرها وأسنانها، وكذلك الكثير من قدراتها الدفاعية والهجومية، وإعادتها إلى سفح الجبل من جديد، والذي صعدته إيران في جنح الليل وفي ظل توليفة من المتغيرات الإقليمية والدولية جعلت العالم يغض الطرف عن التفوق الإيراني في الكثير من المجالات وتطوير خطة لنشر التشيع ومساعدة المليشيات التابعة لها حول العالم.

فإيران استفادت كثيرًا في العقود السابقة من تحطيم الولايات المتحدة لكل من العراق وأفغانستان، بالقضاء على حركة طالبان في الشرق وعلى نظام صدام حسين في الغرب، فيما استغلت طهران ذلك الانشغال بالقضاء على الدول السنية في أن تقيم دولتها الشيعية وتدخل في برامج تسليح دفاعية وهجومية وتصنيع لقطع بحرية هجومية خفيفة وثقيلة، وكذلك تصنيع منظومة من الصواريخ الباليستية والعابرة للقارات، كما وقفت على أعتاب دخول النادي النووي في ظل تلك التوليفة الدولية، وذلك من أجل أن تصبح قوة إقليمية تبسط نفوذها على المنطقة وتملي إرادتها وتصدر نموذجها الديني والثقافي لدول المنطقة.

ولكن بعدما تزايدت الضغوط على الدولة الفارسية من أجل تحجيم دورها المستقبلي وكذلك لمنع دخول الشرق الأوسط في حالة من السباق النووي والقلاقل الإقليمية في الخليج العربي، صعَّد الغرب ـ بدعم من بعض دول المنطقة ـ وتيرة تهديده للبرنامج النووي الإيراني وذلك بدءًا من العقوبات الاقتصادية وحتى التهديد بتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، وهو ما حدا بالدولة الفارسية إلى أن تحاول أن تستغل علاقاتها الدولية مع بعض القوى، بالإضافة إلى كونها دولة مصدرة للنفط وكذلك مستوردة للسلاح الروسي بأن تقوم بربط كل من روسيا والصين في منظومة من المصالح لتخفيف الضغوط الدولية عليها.

فإيران من أكبر المستوردين للسلاح الروسي وكذلك للتقنية في المجالات النووية وفي التصنيع العسكري، كما أن إيران من أكبر المصدرين للنفط للصين، وتلعب إيران بهاتين الورقتين في مجالي الاستيراد والتصدير من أجل التأكيد على أهميتها الدولية، وعلاقاتها المتبادلة مع القوى العظمى التي لها مقعد دائم في مجلس الأمن في مقابل المنافسة مع الغرب على النفوذ الإقليمي والحصول على السلاح النووي.

وقد نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريرًا لبراندون فيت يقول فيه بأن كلاًّ من الصين وروسيا يقفان في منطقة محورية من المنافسة الأمريكية الإيرانية، فبينما تميل الصين تجاه إيران فإن روسيا أصبحت تميل بصورة أكبر وتدريجيًّا تجاه الغرب، وسيحسم الدوران الروسي والصين بصورة كبيرة طموحات إيران الإقليمية في الفترة المقبلة، والعلاقات الصينية الروسية مع إيران متشابكة ومعقدة، وكلٌّ من روسيا والصين تهدفان إلى زيادة نفوذيهما الدولي أيضًا، والجميع يستخدم أوراق العلاقات مع الأطراف الأخرى من أجل تقديم مصلحته على الساحة الدولية.

فتعمل كل من إيران والولايات المتحدة على الحصول على الدعم الصيني، وتتمحور المنافسة هنا في مجال أمن الطاقة الذي يغلف في إطار المنافسة في الرؤى العالمية؛ فالولايات المتحدة تريد أن تدمج الصين في النظام العالمي الحالي، بينما ترفض إيران النظام القائم وتحث الصين، كصديقة من غير القوى الغربية، لإنشاء نظام جديد بعيدًا عن الغرب. والمنافسة تتمحور حول قضايا الانتشار النووي والعقوبات الاقتصادية والتجارة والاستثمارات في مجال الطاقة، وفي مجال مبيعات الأسلحة، والأهم من ذلك هو أن إيران ترغب في أن تحظى بالدعم الصيني بتصوير نفسها كمصدر مخلص وآمن لمصادر الطاقة لقرن النمو الصيني.

وقد استطاعت الصين أن تحافظ على علاقات إيجابية ـ بالرغم من أنها متوترة قليلاً ـ مع كل من الولايات المتحدة وإيران بالدعم الانتقائي لكل جانب، فالصين تستغل ذلك الدور المزدوج كداعم لإيران بصفتها عضو دائم في مجلس الأمن، وتعمل أيضًا كحارس بوابة فعلي على تطبيق عقوبات اقتصادية دولية معتبرة على الطموحات النووية الإيرانية. فالصين ترغب في أن تستخدم تنافس إيران مع الولايات المتحدة كفرصة لزيادة نفوذها وتختبر حدود النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. فخطواتها محسوبة لجني ثمار الصراع الأمريكي الإيراني بينما تقلل من النفقات المرتبطة بدعم كلا الجانبين.

وعلى عكس الصين والتي مصالحها الكبرى مع إيران تقع في مجال أمن الطاقة، فإن الصين لديها منظومة من المصالح، ولكن لا يوجد أي منها سائد وراجح. وكنتيجة لذلك فإن توجه روسيا تجاه إيران أكثر اتساعًا ومرونة مقارنة بموقف جمهورية الصين الشعبية، وتتنافس الولايات المتحدة وإيران من أجل الحصول على الدعم الروسي في كل قضية على حدة. والمناطق الأساسية للمنافسة هي انتشار الأسلحة النووية والعقوبات الاقتصادية والتجارة وصفقات الطاقة والتقنية النووية ومبيعات البنى التحتية ومبيعات الأسلحة والنفوذ في الخليج والشرق الأوسط.

فروسيا ظلت تاريخيًّا مساهم هام للبنية التحتية النووية الإيرانية ولتطوير قدراتها من الأسلحة التقليدية، ولكن العلاقات بين الجانبين تأثرت بسبب المنافسة الإيرانية مع الغرب والعلاقات الروسية الدافئة مع الولايات المتحدة في أعقاب سياسة "إعادة الضبط" التي انتهجتها إدارة أوباما. فقد بدأت روسيا في التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات ملموسة، ولكن تحركات موسكو بعيدًا عن إيران يجب ألا يتم ترجمتها على أنها نقلة كاملة في السياسة الروسية.

فاستراتيجية روسيا للحفاظ على علاقات مع كل من الولايات المتحدة وإيران كانت بأن ترسم نفسها كقوة وسيطة؛ فالتعاون في مجالات محدودة مع الغرب بينما تنصح بتخفيف حدة اللهجة مع إيران فإن روسيا بذلك تجني ثمار التعاون الانتقائي بدون تحمل نفقات التحالف الكامل مع أي طرف دون الآخر.

والروابط التي تربط كلاًّ من الصين وروسيا بإيران تعتمد بالأساس على تقييم نفعي واستغلالي للمكاسب والخسائر من تلك العلاقة، فالقادة في كل من موسكو وبكين يهتمون بصفة أساسية بالأمن والرخاء لدولهم، وسوف يسيرون في تلك العلاقات الدولية بناء على ذلك المنطلق. والضغوط الخارجية لا تزال غير قوية بصورة كافية على روسيا من أجل منعها من التمتع بتلك العلاقة الثنائية ذات المصلحة في الاتجاهين، وإيران هي المستفيدة في النهاية من تلك التوليفة من العلاقات الدولية والأوضاع الإقليمية والاقتصادية والتجارية، ولكن يمكن للولايات المتحدة أن تكسر هذا النمط بوسيلة واحدة، وهي الضغط على كل من روسيا والصين لإفساد تلك العلاقة النفعية من الاتجاهين، أو بالتحرك العسكري لضرب إيران، مع ما يحمله ذلك من تداعيات هائلة على النظامين الدولي والإقليمي.





كاتب المقالة : محمد سليمان الزواوي
تاريخ النشر : 12/12/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com