نشرت دورية فورين بوليسي الأمريكية مقالاً لمايكل كوهين في 24 مايو 2011 يشن فيها هجومًا ضاريًا على اليمين الأمريكي الموالي لإسرائيل داخل الكونجرس والذي رحب بنتنياهو وبمبادرته، وسمح بالهجوم على الرئيس الأمريكي من داخل الكونجرس ذاته، وذلك بسبب السياسات الحزبية لكل من الجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء من أجل حشد أصوات اليمين الأمريكي الذي يتكون من اليهود الأمريكيين والإنجليين وبعض الطوائف الأخرى الموالية لإسرائيل، ويقول كاتب المقال أن ذلك أعمى السياسيين عن رؤية المصالح العليا للولايات المتحدة، وأن ذلك الانحياز لإسرائيل سوف يضير بالمصالح طويلة الأمد لواشنطن في الشرق الأوسط، خاصة في ظل تشكل حكومات جديدة في الشرق الأوسط من غير المتوقع أن تكون موالية للولايات المتحدة، وكذلك في ظل نية الفلسطينيين لإعلان دولتهم المستقلة في الخريف القادم بالأمم المتحدة.
ويقول الكاتب أنه في عام 2003 بعدما انزعج الديموقراطيون في الولايات المتحدة من الرئيس جورج بوش الابن وخططه لغزو العراق، قاموا بدعوة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى الولايات المتحدة، حيث كان معروفًا عنه معارضته للحرب، وذلك من أجل إلقاء خطاب في اجتماع مشترك بالكونجرس الأمريكي، وكانت تلك مسرحية سياسية واضحة في محاولة من المعارضة للعمل مع زعيم أجنبي في عرض فكرة مضادة لخطط الرئيس الامريكي لغزو العراق ومن أجل الحد من قدرته على تنفيذ تلك الخطط بشن حرب في الشرق الأوسط، وقد استقبل شيراك بحفاوة في واشنطن من المراكز البحثية الليبرالية ومن جماعات الضغط الموالية لفرنسا في الوقت الذي تسابق فيه السياسيون الامريكيون والناشطون من الديموقراطيين ليؤكدوا معارضتهم للحرب على العراق والانحياز وراء جاك شيراك.
ولكن فكرة أن ينحاز الكونجرس صراحة وراء زعيم أجنبي ضد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بدا أنه أمر بعيد المنال ويصعب تصديقه، ولكن شيء مخالف حدث في واشنطن يوم الثلاثاء 24 مايو 2011 عندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة وتحدث أمام اجتماع مشترك في الكونجرس (بالرغم من أن خطبته تم مقاطعتها 25 مرة من متحمسين وقفوا للاعتراض عليه). وبينما ذلك النوع من الخطابات بالكونجرس يعد نادرًا، إلا أن ذلك الحدث على وجه الأخص كان غير عادي: فنوايا المخاطب لمعارضة رئيس الولايات المتحدة ـ بمساعدة كاملة ودعم من قيادة الحزب الجمهوري في الكونجرس وبدعم ضمني من الديموقراطيين ـ ، أعطى لنتنياهو مجالاً خصبًا لتقديم خطبة معارضة تمامًا لمقترحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخيرة الخاصة بالمضي قدمًا في عملية السلام العربية الإسرائيلية.
وكما أوردت النيويورك تايمز الأسبوع الماضي فإن الدعوة لحضور نتنياهو كان قد طلبها قادة الحزب الجمهوري قبل أن يعلن الرئيس أوباما عن خطابه بشأن الشرق الأوسط، ولكن ذلك بدا واضحًا أنه محاولات للخروج على الرئيس أوباما بتقديم مقترح سلام إسرائيلي من شأنه إحراج الرئيس الأمريكي وبعيد تمامًا عما يطلبه الفلسطينيون. ولكن كانت تلك فرصة جيدة للجمهوريين لمعارضة موقف الرئيس الأمريكي من السلام العربي الإسرائيلي، فبعدما ألقى الرئيس أوباما خطبته بشأن سلام الشرق الاوسط قام معارضو الرئيس الأمريكي داخل الكونجرس من الجمهوريين أمثال تيم باولينتلي وميت رومني بقولهم أن الرئيس بخطابه ذلك قد ألقى إسرائيل تحت الحافلة لتدهسها، ومن المعتاد أن يعارض أعضاء الكونجرس أجندة أي رئيس أمريكي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولكن ما حدث هو خطة كاملة بالاتفاق مع زعيم دولة أجنبية لمحاولة وضع الرئيس الأمريكي موضع الدفاع، ومحاولة إحراز نقاط انتخابية مع الحزب الآخر أثناء تلك العملية، فمع انحيازهم إلى نتنياهو ضد اوباما وجعل السلام العربي الإسرائيلي قضية توافقية بين الحزبين، فإن الجمهوريين في الكونجرس يعرضون أنفسهم لمخاطرة واضحة لعبور خط الخطر وبالتالي تقويض المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
وهذا السلوك جاء في أعقاب حادثة مقلقة أخرى، ففي نوفمبر الماضي اقترح زعيم الأغلبية بالكونجرس إيريك كانتور بعد لقائه بنتنياهو أن الكونجرس ذي الغالبية الجمهورية سوف يعمل كمراقب لقرارات إدارة أوباما عندما يتعلق الأمر بالسياسات تجاه إسرائيل، وفي خريف 2009 انتقد كانتور إدارة أوباما بسبب توبيخها للحكومة الإسرائيلية بسبب إخلائها للعائلات الفلسطينية من القدس الشرقية من حي الشيخ جراح، ولكن الأكثر دهشة من كل ذلك هو أن ذلك الهجوم على سياسة اوباما خرج من القدس نفسها، عندما كان كانتور يرأس وفدًا جمهوريًا من 25 نائبًا، وهو انتهاك غير عادي لقواعد الكونجرس وهو أن النواب يجب أن يمتنعوا عن انتقاد الحكومة الأمريكية إذا كانوا في دولة أجنبية، كما اتخذ الحاكم السابق لولاية آركنساس مايك هوكابي موقفًا مشابهًا في فبراير الماضي عندما كان يزور إسرائيل، فقد وصف معارضة إدارة أوباما للمستوطنات الإسرائيلية بأنها مواقف طالما اعتبرها الجمهوريون والديموقراطيون على حد سواء بأنها مساوية للعنصرية والتمييز.
وفي الأسبوع الماضي عندما أعطى نتنياهو لأوباما محاضرة في المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض وتحدث عما كان يتوقع سماعه من الرئيس الامريكي فيما يتعلق بالمستوطنات والتزامه بأمن إسرائيل، فإن المشرعين من الجمهوريين قد غضوا الطرف عن ذلك السلوك من نتنياهو، والذي كان يجب أن يعتبر على أنه إهانة لرئيس الولايات المتحدة إذا كان جاء من أي زعيم أجنبي آخر وكان يمكن أن يشعل نوبة غضب عارمة، ولكنهم في المقابل لم يفعلوا أي من ذلك ووجهوا هجماتهم على أوباما.
ولكن يبدو أن كل ذلك يتماشى تمامًا مع المواقف الأساسية للجمهوريين تجاه إسرائيل، ففي فبراير الماضي كتب رومني في إحدى الدوريات السياسية الأمريكية أن "إسرائيل يجب أن تفرح بأن مساندها الأساسي في العالم وهي الولايات المتحدة ساندت إسرائيل حتى بالرغم من أن ذلك جاء على حساب سمعتها وصورتها في العالم العربي"، ولكن كل ذلك يأتي معارضًا للغاية للمصالح الأمريكية العليا ويضير بها، كما أن الكتلة التصويتية اليهودية داخل الولايات المتحدة تلعب دورًا في رسم سياسات الولايات المتحدة ويتنافس عليها الحزبين، بالإضافة إلى أصوات الإنجيليين المساندين لإسرائيل، وقد حدث في السابق أن جورج بوش الأب خاض صراعًا مفتوحًا مع إسرائيل والمجتمع اليهودي داخل الولايات المتحدة عام 1991 بسبب ضمانات القروض لإنشاء المستوطنات الإسرائيلية، ولكن ذلك الموقف من جورج بوش الأب وموقفه من إسرائيل كلفه غاليًا في الانتخابات الرئاسية عام 1992، وأن ذلك بلا شك لا يزال يراود الحزب الجمهوري حتى اليوم وبمثابة الشبح المخيف له، ولأي سياسي أمريكي آخر يجنح إلى وضع ضغوط علنية على الزعماء الإسرائيليين.
وكل ذلك يضير بأمن الولايات المتحدة وليس فقط بالسياسات الداخلية، ففي لحظة هامة من التحولات السياسية داخل الشرق الأوسط فإن الدعم الراسخ والذي لا يلين لإسرائيل ـ والذي أكده كلا الحزبين داخل الكونجرس ـ فإنه يهدد بتقويض المصالح الأمريكية طويلة الأمد في المنطقة، ففي العام الماضي علق الجنرال ديفيد بيترايوس في شهادة أمام الكونجرس بأن "الغضب العربي بشأن القضية الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكة الأمريكية مع الحكومات والشعوب في المنطقة"، وقد أشعلت تصريحاته تلك حالة من الجدل داخل واشنطن، ولكنك إذا تحاورت مع أي مراقب أو محلل سياسي داخل الولايات المتحدة ستجده لن يستطيع معارضة ذلك التقييم الذي خلص إليه الجنرال بيترايوس، فليست قضايا العراق أو أفغانستان أو ليبيا هي التي سببت أكبر قدر من المعارضة للاتجاهات الأمريكية في العالم العربي، ولكنه غياب الحل الواضح للصراع العربي الإسرائيلي ورؤية الكثيرين من العرب في المنطقة للولايات المتحدة أنها دائمًا موالية لإسرائيل وموافقة على تحركاتها.
ويستمر الكاتب بقوله أنه لا يقول أن الولايات المتحدة يجب أن تدير ظهرها للدولة اليهودية، ولكن الوقت قد حان لكي تكون الولايات المتحدة منصفة ومتوازنة في موقفها من الصراع وهو الشيء الذي تحتاجه الولايات المتحدة بشدة الآن، وبخاصة عندما تحتاج الولايات المتحدة إلى التعامل مع الحكومة الجديدة في القاهرة التي من المتوقع أن تكون أقل دعمًا لإسرائيل، وعندما تحتاج واشنطن أيضًا إلى التعامل مع موجة الإصلاح الديموقراطي التي تجتاح الشرق الأوسط، وعندما تتعامل أمريكا مع الجمعية العامة للأمم المتحدة التي من المتوقع أن تتبنى إعلان إنشاء الدولة الفلسطينية في الخريف القادم. وتلك الأحداث سوف يكون لها تداعيات جسيمة ليس فقط على إسرائيل ولكن على السياسات الأمريكية في المنطقة ككل، ويبدو أن أوباما يدرك تلك الحقيقة ولذلك قرر مواجهة إسرائيل العنيدة والحرونة لكي تكون أكثر جدية بشأن السلام. ولكن يبدو أن الكونجرس يهدف إلى كبح جماحه وقدراته على فعل ذلك، وجعل السياسات والتحركات الأمريكية فعليًا رهينة لرغبات زعماء الحزبين، في الوقت الذي يعملان فيه بتناغم مع زعيم دولة أجنبية لفعل ذلك، وهو بنيامين نتنياهو. ويختتم الكاتب مقاله بطرح سؤال يراه مشروعًا، وهو: من الذي يبحث عن المصالح الأمريكية وليس الإسرائيلية داخل الكونجرس الأمريكي؟