تقول إحدى الزوجات:
أعاني من عدم رضائي عن زوجي، ومن جفاف العلاقة بيننا حتى أن زوجي سلّم بهذا واقتنع أن الذي بيننا فقط 'زواج' بالاسم، وعلى الرغم من أننا نؤدي مهام الزوجية كاملة لكن هذا أيضًا لم يشفع أن اقترب منه....
...أنا لا أكره زوجي لكني لا أحبه.
يمكننا القول أن هناك مراحل حرجة في عمر الزواج تزيد فيها فرص التباعد بين الزوجين مثل: قدوم الأطفال، وتزايد أعباء الزوجة وإرهاقها مع الصغار ساعات بالليل والنهار. وهنا أوجه حديثي إلى كل زوجة بعدم الانهماك في خدمة الأطفال بشكل جائر على حق الزوج، وأنه من الأفضل إشراك الزوج في بعض الشؤون الأسرية، وعدم الاعتقاد بأن إبعاده تمامًا عن هذا المجال يُعد تفانيًا من جانبها لخدمة أسرتها؛ لأن ذلك من شأنه أن يُبعد الزوج عن جو الأسرة.
ومرحلة حرجة أخرى تأتي مع تقدم سنوات الزواج عندما يبلغ الأبناء سن المراهقة وتنغمس الأم في مشاكل أبنائها.
وقد يؤدي تقدمها في العمل وتحقيقها لمركز مرموق أن يشعر الزوج أنها ليست في حاجة إليه أو أن هناك شيئًا آخر يشغلها عنه.
فإذا اكتفت الزوجة بأولادها وبعملها ـ إن كانت تعمل ـ فإن هذا يساعد على التباعد بينهما.
وهنا أقول إنه يجب على كل زوجة أن تغدق على زوجها بكلمات المجاملة الرقيقة التي تشعره باهتمامها البالغ مهما بلغ عمره أو عمر زواجهما، فالمرأة بحكم طبيعتها أكثر قدرة على العطاء وهذا العطاء يُعد الحافظ لقيام الزواج بدوره وبالعطاء المستمر لزوجته.
وهنا يأتي السؤال ماذا يفعل الزوجان حتى يرضى كل واحد بالشريك الآخر ولا يتمنى غيره؟
إن الزواج علاقة مستمرة وعلاقة سامية جدًا ولابد من النظر إليها بنظرة ذات بُعد، وإبعاد كل ما يجول من أفكار قد تكون السبب الحقيقي في إيجاد فجوة في الحياة الزوجية. فإلى الزوجين أهدي هذه الباقة من الزهور لرسم لوحة زوجية جميلة ونجيب فيها عن السؤال الذي طرحناه لاحقًا:
[1] وهو الهدف الأساسي:
على الزوجين وضع العلاقة الزوجية واستمرارها، بل أقول السعادة الزوجية هدفًا حتميًا يريدان الوصول إليه وهو الهدف الأساسي.
[2] ما عند الآخرين عندكما:
أرجو أن يعرف كل من الزوجين أن ما عند المرأة وما عند الرجل الآخر هو أيضًا عندهما، ولكن قد ينقصهما التفكير في أنه كيف يبدو كل واحد منهما رائعًا أمام الآخر.
فليرضَ كل واحد بما عند الآخر ورددا معي قول ابن حزم:
لا تتبع النفس الهوىودع التعرض للمحن
إبليس حي لم يمتوالعين باب للفتن
وهنا أقف وأتساءل هل الجمال قضية تهم المرأة والرجل على السواء؟
والحقيقة أن الجمال فعلاً قضية أساسية تهم كل من الرجل والمرأة، ولكن الجمال عند المرأة يختلف عنه عند الرجل.
فبالنسبة للمرأة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'تُنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك'.
ونلاحظ هنا كيف ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم صفة الجمال وأنها مرغوبة لدى الناس ولكن لماذا ذكر من صفات طلب المرأة الجمال، ولم يذكر هذه الصفة في الرجال؟
فبالنسبة للرجل فقد قال عنه صلى الله عليه وسلم : 'إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه'.
فلماذا جعل صلى الله عليه وسلم الصفة المرغوبة في الرجل هي الدين والخلق؟
لأن الدين والخلق بحد ذاته جمال لدى الرجل في عين المرأة، ونجد ذلك واضحًا عندما نرى رجلاً يتزوج من امرأة ونحن نرى بالبصر عدم تناسب هذين الزوجين، وذلك لأننا نظرنا إلى الشكل فقط، والبصر لا يدرك جمال الروح، ولا يعرف أن هذين الزوجين بينهما قناعة روحية وجمال روحي طغى على الشكل.
الحب لا يكون بالنظر فقط بل للحب وسائل ثلاث هي:
1ـ حب البصر.
2ـ حب العقل.
3ـ حب الروح.
وهذا لا ينفي أن جمال الشكل مرغوب، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما يقول: 'إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي' ولكن أن نجعله يأخذ كل اهتمامنا فهذا الخطأ، وكذا أن ننشغل بالشكل وننسى جمال النفس والروح والخلق والدين.
فعلى المرأة والرجل أيضًا أن يوازنا بين جمال الشكل وبين جمال الخلق والدين.
[3] المجاملة ثم المجاملة:
الحياة الزوجية الناجحة تقوم على المجاملة، فالفتاة قبل الزواج قد لا تهتم بمشاعر الصديقات وتقول ما تريد وقت ما تريد، أما مع الزوج فإن الحال يختلف.
فعلى الزوجة أن تجامل، وإليكم هذه القصة العجيبة التي حدثت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
'دخل أبو غرزة على امرأته ـ وكان معه ابن الأرقم ـ فقال: أتبغضينني؟ قالت: نعم , فأتى ابن الأرقم عمر بن الخطاب فأخبره، وكان عمر آنذاك أمير المؤمنين فأرسل عمر إلى امرأته ـ زوجة أبي غرزة ـ فقال: ما حملكِ على ما قلتِ؟ قالت: إنه استحلفني فكرهتُ أن أكذب فقال عمر: بلى، فلتكذب إحداكن ولتجمل ' التجمل يعني: لتقول قولاً جميلاً' فليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام'.
عزيزي القارئ:
إن الزوجة الجاهلة هي التي تصارح زوجها بأنها لا تحبه، فماذا تريد منه أن يفعل؟ هل تريد منه أن يطلقها؟ إن كان الأمر كذلك فلها ما شاءت.
أما أن تخبره بذلك وهي لا تريد أن تهدم حياتها الزوجية، فإنها تهدمها فعلاً بطريق أخرى، طريق المشكلات والمنغصات.
إن على المرأة الذكية الواعية أن تشعر زوجها بأنها تحبه حبًا جمًا، وبأنها تراه كأحسن ما يكون، فلا تعب شكله وهيئته مثلاً، بل عليها أن تتجمل في القول له، وفي مدحه، وفي الثناء عليه، حتى وإن كان هو غير ذلك، لعل الله أن يحببها فيه إن كانت لا تحبه، أو لا تحب فيه شيئًا معينًا.
والكذب في مثل هذه الأمور مباح لأنه كذب لدوام العشرة الطيبة، وللحفاظ على كيان أسرة مسلمة، ولإصلاح ما بين الزوجين.
تقول أم كلثوم بنت عقبة: ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: 'الرجل يقول القول يريد به الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها' [رواه مسلم].
فحين تقول الزوجة لزوجها: إنك أحسن وأفضل من رأت عيناي، فهي لا تكذب حتى وإن لم يكن هذا صحيحًا، وحين يأتي لها بشيء ما فتمدحه وتقول له: جزاك الله خيرًا هذا ما كنتُ أتمناه، فهي لا تكذب حتى وإن لم يكن كذلك وإن لم تكن تتمناه.
فالحياة الزوجية تحتاج إلى ما نسميه المجاملة، وهو لا يصح إلا فيها لأن هذه المجاملة في غيرها نوع من النفاق.. لكن لتحذر المرأة من الكذب خلاف هذه الأمور.
[4] كفى المرء نبلاً أن تُعد معايبه:
وأقول لمن هو كريم في نقد الطرف الآخر هل كان يريد إنسانًا بلا أخطاء؟ إنسانًا مثاليًا في كل أفعاله وأقواله وحتى في أفكاره؟
فلا تكن كثير النقد حتى وإن لم يكن وراء نقدك إلا حرصك على أن يكون الشريك الآخر في أحسن صورة وترنم معي قول الشاعر:
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلاً أن تُعد معايبه
وعلى الزوج أيضًا أن ينصح... يقترح.. يغلف طلباته بكلمات معسولة تذيب جليد القطب... وتشعل شموع المشاعر.
[5] اجلسا معًا ولو ساعة:
إن جلوس الزوجين لمدة ساعة يوميًا تكون الزوجة خلالها متفرغة لزوجها تمامًا، تتجاذب أطراف الحديث في الشؤون التي تهمه يُعد أنفع وأجدى من قيامها بأي عمل آخر مهما كلفها ذلك من تضحيات.
[6] غضب يعقبه رضا:
كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول لزوجته: 'إذا رأيتني غضبتُ فرضني، وإذا رأيتك غضبت رضيتك، وإلا لم نصطحب'.
التراضي بين الزوجين: إنها كلمات من زوج محب عارف بنواميس النفس البشرية وهو في غاية الهدوء النفسي والنضج الفكري، ما أروعه من قانون وما أحوج حياتنا الزوجية لمثل هذا القانون الجميل، فإن الزوجين يحتاجان إلى خلق الصفح والتغاضي عن الزلات والتراضي، ونسيان مساوئ الطرف الآخر.
أين التجديد والتغيير في حياتكما؟
على الزوجين التجديد في حياتهما ـ وخصوصًا الزوجة ـ فحاولي أيتها الزوجة التجديد من خلال تغيير أماكن أثاث البيت، والتجديد في شكل الملابس ـ بغير إسراف ـ وتجميل البيت بالزهور وتعطير غرفة النوم، وكذلك التجديد العقلي بقراءة كتب مفيدة والاطلاع على كل جديد يحدث في العالم، وهكذا يكون التجديد أيضًا في الحديث وطريقة الحوار.
وأحب هنا أن أوجه كل زوجين لقراءة كتاب التفاهم في الحياة الزوجية، للدكتور/ مأمون مبيض فإنه حقيقة مرجع مهم للحياة الزوجية وفنونها.
وأخيرًا، عزيزي الزوج... تحتاج المرأة في جميع أطوار سني عمرها المختلفة إلى لمسات حانية وكلمات عذبة تلامس مشاعرها المرهفة وطبيعتها الأنثوية ومن تخلو بيوتهم من تلك الإشراقات المتميزة فإنه يكون للشقاء فيها نصيب.
فلا تبخل على زوجتك بكرمك، وتصوّب نحوها كل التهم والأعباء فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: 'خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي'.