مسائل للنســـــاء
(9)
حكم زيارة القبور للنساء
ذهب أهل العلم في هذه المسائلة إلى ثلاثة أقوال:
القول
الأول:
أنَ زيارة المقابر
للنساء لا تجوز.
وهذا مذهب الحنفية
والمالكية والشافعية ورواية عن أحمد، اختارها بعض الأصحاب، وقول ابن تيمية، وابن
القيم ، ومحمد بن عبد الوهاب.
دليلهم:
1ـ
عن ابن عباس، قال: "لعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج" مسند
الإمام أحمد، وسنن أبو داود، والترمذي وقال: "حديث حسن"
2ـ عن
أبي هريرة: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
زوارات القبور" مسند
الإمام أحمد، والترمذي وقال: "حسن صحيح".
القول
الثاني:
إن زيارة النساء للقبور
مكروهة. وهو قول عند الحنفية، والمالكية، وقال به جمهور
الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم:
1ـ عن أم الهذيل عن أم عطية رضي الله عنها قالت: " نهينا
عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا " البخاري، والسنن الكبرى، والمعجم
الكبير. وهذا الحديث دل على النهي عن اتباع النساء للجنائز، والزيارة من جنس
الاتباع، فيكون كلاهما مكروهاً غير محرم. وقد أجاب ابن القيم بما نصه:
" وأما قول أم عطية: " نهينا عن اتباع
الجنائز" . فهو حجة للمنع، وقولها: " ولم
يعزم علينا " . إنما نفت فيه وصف النهي، وهو النهي المؤكد بالعزيمة،
وليس ذلك شرطاً في اقتضاء التحريم، بل مجرد النهي كاف، ولما نهاهن انتهين
لطواعيتهن لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فاستفتين عن العزيمة عليهن، وأم عطية لم
تشهد العزيمة في ذلك النهي، وقد دلت أحاديث لعنة الزائرات على العزيمة فهي مثبتة
للعزيمة، فيجب تقديمها " انتهى. 2ـ عن أبي
هريرة: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
زوارات القبور" مع الإذن بزيارة
القبور في قوله صلى الله عليه وسلم: " كنت
نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ".
3ـ تعارض الأدلة بين الإباحة والحظر وأقل ذلك الكراهة. وضعف النساء في العادة عن الصبر عند زيارتهن للمقابر. قال ابن قدامة: "ويحتمل أنه كان خاصًّا للرجال ويحتمل أيضًا كون الخبر في لعن زوارات القبور بعد أمر الرجال بزيارتها فقد دار بين الحظر والإباحة فأقل أحواله الكراهة ولأن المرأة قليلة الصبر كثيرة الجزع، وفي زيارتها للقبر تهييج لحزنها وتجديد لذكر مصابها، ولا يؤمن أن يفضي بها ذلك إلى فعل ما لا يجوز"المغني .
القول
الثالث:
أنَ زيارة النساء للقبور مباحة وهو
مذهب الجمهور؛ فهو مذهب الحنفية، وقول عند المالكية، وهو الأصح عند الشافعية مع
أمن الفتنة، ورواية في مذهب الحنابلة، واختيار ابن حزم الظاهري.
دليلهم:
1ـ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ :
" أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ
الْمَقَابِرِ ، فَقُلتُ لَهَا: يَا أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ ؟ ،
قَالَتْ : مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ ، فَقُلْتُ لَهَا : أَلَيْسَ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ
الْقُبُورِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ نَهَى
ثُمَّ أَمَرَنَا بِزِيَارَتِهَا " رواه البيهقي ، والحاكم.
2ـ عن بريدة بن الحصيب قال:
)كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من ألف راكب ، فنزل بنا وصلى بنا ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه
وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر، ففداه بالأم والأب يقول: ما لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: " إني استأذنت ربي في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي، فدمعت
عيناي رحمة لها ، واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، وإني كنت نهيتكم عن زيارة
القبور فزوروها، وليزدكم زيارتها خيرا) قال الحاكم: هذا الحديث صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه أحمد والبيهقي وابن أبي شيبه.
3ـ ثبوت
إذن النبي صلى الله
عليه وسلم لعائشة وتعليمها الدعاء إذا زارت القبور (قلت: كيف
أقول لهم يا رسول الله؟ قال قولي: السلام على
أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا
إن شاء الله بكم للاحقون) رواه مسلم.
4ـ حديث أنس بن مالك قال: ( مرَالنبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى) البخاري ومسلم.
والشاهد: إقرارالنبي صلى الله عليه وسلم على زيارتها القبر والوقوف عليه، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة.
قال ابن حجر: "وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة" فتح الباري.
قال ابن حجر: " قال القرطبي: الظاهر أنه كان في بكائها قدر
زائد من نوح أو غيره، ولهذا أمرها بالتقوى. قلت: يؤيده أن في مرسل يحيى بن أبي
كثير المذكور (فسمع منها ما يكره فوقف عليها)" فتح الباري.
وإنما أنكر عليها البكاء الشديد أو رفع الصوت به
مما قد نهي عن مثله.
5ـ ثبوت زيارة القبور عن الصحابيات.
القول الراجح عندي:
إذا أمعنا النظر فيما سبق من الأقوال، ما ورد
عليها من أدلة، فما أرجحه، والله أعلم، هو القول الثالث قول الجمهور بإباحة زيارة النساء للقبور مع
أمن الفتنة وعدم المخالفات الشرعية، وذلك لعدة أمور منها:
1ـ دليل أصحاب القول
الأول بمنع النساء من زيارة القبور، ففي حديث ابن عباس رواه أبو صالح باذام وقد ضعفه أكثر المحدثين
كالمزي والألباني وغيره فمن ناحية الإسناد فلا يصح الاحتجاج به على حرمة
زيارة النساء للقبور. بل قال
الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن المرأة تزور القبر: " أرجو إن شاء الله أن
لا يكون به بأس, عائشة زارت قبر أخيها, قال: ولكن حديث ابن
عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور, ثم قال: هذا أبو صالح ماذا؟ كأنه يضعفه, ثم قال: أرجو إن شاء الله
عائشة زارت قبر أخيها, قيل لأبي عبد الله: فالرجال؟ قال: أما الرجال فلا بأس به.
وإن صح الحديث لتصحيح بعد أهل العلم ، فإن الحديث
يخص (زوارات القبور) أي ( المكثرات من الزيارة) وهذا لا يتناول الزائرة من غير
إكثار من باب الموعظة والتذكير بالآخرة ، والدعاء للأموات.
2ـ دليل أصحاب القول
الثاني القائلين بالكراهة بحديث أم عطية رضي الله عنها، فيه إرسال ولم ترفعه عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
3ـ إن قول الجمهور من
حيث الأدلة قوي، ثم قوله صلى الله عليه وسلم: " وإني
كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " وهذا الحديث يدل على نسخ النهي
، وأن الخطاب في حق الرجال والنساء جميعاً، وهذا هو الأصل، ومن أراد أخراج النساء
من الخطاب يأتي بدليل.
4ـ أن العلة في مشروعية الزيارة "فإنها تذكر الآخرة" موجودة في النساء والرجال على السواء, والحكم دائر مع علته وجودًا وعدمًا.
وعليه الذي أراه هو:
إن زيارة النساء للقبور إذا كانت للتذكرة والعبرة والدعاء للميت وبشرط أن تأمن الفتنة والفساد وعدم الذهاب في أيام البدع ( يوم العيد ورجب وشعبان) ، وعدم التبرج والالتزام بالآداب الشرعية من الأقوال والأفعال ، فلا حرج في الزيارة. أما اتباع الجنازة فلا أقول به ، لما فيه من الفتن والمفاسد الكثيرة من الاختلاط بالرجال والأفعال والأقوال المحرمة من لطم الخدود والبكاء والنحيب وشق الجيوب ودعوات الجاهلية ، والمعروف بأن المرأة ضعيفة ، ولا تتحمل المصائب ويحدث الجزع وينتج عنه هذه المحرمات ، فلا يجوز لها الخروج خلف الجنازة والذهاب للمقابر.
هذا. والله أعلى وأعلم