عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ :
(( قَالَ اللهُ : كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ إلا الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِه , وَالصِّيَامُ جُنَّـةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفـُِثْ ، وَلا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِم , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْك ,
لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا : إِذَا أَفْطَرَ فَـرِحَ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِه )).
معـــاني المفــــردات :
الصِّيَامُ جُنَّـةٌ: الجُنَّــة بضم الجيم : الوقاية . قال الفيروز آبادي : الجُنَّـة بالضم : كل ما وقع وقال الرازي : الـجُنَّة بالضم : ما استترت به من السلاح ، والـجُنَّة : السترة ، والجمع جُنَن .
وقال ابن الأثير : الصوم جُنَّة : أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات ، والجُنَّة : الوقاية ، ومنه الحديث : (( الإمام جُنَّـة)) لأنه يقي المأموم الزلل والسهو.
قال النووي : قوله : (( الصيام جُنَّـة )) هو بضم الجيم ، ومعناه سترة ومانع من الرفث والآثام ، ومانع أيضا من النار، ومنه المِجَنُّ وهو التُّرْس ، ومنه الجن لاستتارهم.
فَلا يَرْفـُِثْ : بضم الفاء وكسرها ، ويجوز في ماضيه التثليث .
قال الفيروزآبادي : الرَّفَث محركة : الجماع والفُحش ، كالرُّفوث ، وكلام النساء في الجماع ، أو ما وُوجِهْن به من الفحش ، وقد رَفَـِـُث كنَصَرَ وفَرِح وكَرُم ، وأرفث.
وقال الأزهري : الرفَث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.
قال ابن حجر : والمراد بالرفث هنا - وهو بفتح الراء والفاء ثم المثلثة - الكلام الفاحش ، وهو يطلق على هذا ، وعلى الجماع وعلى مقدماته ، وعلى ذكره مع النساء، أو مطلقا ، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها.
وَلا يَصْخَبْ: فيبعض روايات الحديث (وَلا يصخبْ) بالسين بدل الصاد ، والمعنى واحد .
قال النووي : ويقال بالسين والصاد ، وهو الصياح ، وهو بمعنى الرواية الأخرى (ولا يجهل) .
قال القاضي : ورواه الطبري : (وَلا يَسْخَرْ) بالراء ، قال : ومعناه صحيح، لأن السخرية تكون بالقول والفعل وكله من الجهل . قلت : وهذه الرواية تصحيف ، وإن كان لها معنى.
قال الفيروزآبادي : السخب ، محركة : الصخب، وقال : الصخب مُحَرَّكة : شدة الصوت.
قال ابن حجر : الصخَب : الخصام والصياح .
وقد جاء في رواية عند مسلم : (ولا يجهل) قال النووي: والجهل قريب من الرفث ، وهو خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل .
فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ: في رواية (قاتله أو شاتمه) ، قال المناوي : وإن سابَّه أحد ، أي شاتمه ، يعني تعرض لشتمه . أو قاتله : أي أراد مقاتلته ، أو نازعه ودافعه .
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ: قسم بالله الذي يملك نفس رسول الله ونفوس العباد جميعا ، ومعنى بيده : أي بتقديره وتصريفه .
لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ: في رواية عند مسلم وغيره (لخُلْفـة)
قال النووي : هو بضم الخاء فيهما ، وهو تغير رائحة الفم . هذا هو الصواب فيه بضم الخاء كما ذكرناه ، وهو الذي ذكره الخطَّابى وغيره من أهل الغريب ، وهو المعروف في كتب اللغة .
وقال القاضي : الرواية الصحيحة بضم الخاء ، قال : وكثير من الشيوخ يرويه بفتحها ،
قال الخطابي : وهو خطأ .
قال القاضي : وحكى فيه الفتح والضم ،
وقال : أهل المشرق يقولونه بالوجهين ، والصواب الضم ، ويقال خَلَف فوه - بفتح الخاء واللام - يخلُف - بضم اللام - وأخلف يخلف : إذا تغير.
وقال ابن عبد البر : خلوف فم الصائم : ما يعتريه في آخر النهار من التغير ، وأكثر ذلك في شدة الحر.
قال أبو نعيم الأصبهاني : الخُلوف : تغير الفم ، يقال : خلف اللبن ، إذا أُطيل إيقاعه حتى يفسد .
قال ابن حجر : قوله (فَمِ الصَّائِمِ) فيه ردٌّ على من قال : لا تثبت الميم في الفم عند الإضافة إلا في ضرورة الشعر ؛ لثبوته في هذا الحديث الصحيح وغيره.
هذا والله أعلم