الحمد لله الذي جعل الخلافة والنبوة بإمامها الأعظم
ثابتة القواعد، ومد رواقها الخلفاء الراشدين ومن بعضهم على كافة الأمة فأروى يصوب
عاهده المعاهد، وصير بيتها المعمور كعبة للقاصد، ومحرابها الأمامي وجه
للمقاصد
وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، شهادة يتجاوز فضلها الحد، ويتوارثها الخلف عن السلف ، فيرويها
الابن عن الأب، والأب عند الجد،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أفضل نبي عمت دعوته أقاصي الكون
على بعد المسافة،
وبقيت معجزته
على مر الزمان حيث بشر عمه العباس أن ببنيه تختم الخلافة،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين قلدوا أمور الملة
فحموا سرحها وصانوا، وحملوا أعباء الشريعة
فما ضعفوا عن حملها وما استكانوا، صلاة يدوم في الوجود حكمها، ولا
ينقطع على تعاقب الأيام رسمها
أما بعــــــد
سبب
كتابة الموضوع
ما يجري من
أحداث والتباس بعض الناس في مسألة (الخلافة
الإسلامية)، تارة بظهور جماعات تحت هذا المسمى ليس لها علاقة بالإسلام مما
تقوم به من أفعال تخالف تعاليم الشريعة وسماحة الإسلام ، وتسوء إلى هذا الدين
وتعاون أهل الكفر على التشنيع والتهويل بأن الإسلام هو الإرهاب، وتارة ممن يشكك بأن
الخلافة الإسلامية لن تأتي ولن تقوم وإنها درب من الخيال مكذباً بذلك حديث الصادق
المصدق صلى الله عليه وسلم ، وتارة بتصريحات بعد الذين لا علم لهم ولا دين بأن
الخلافة الإسلامية تطرف وإرهاب وليس لها علاقة بمفهوم الإسلام
الصحيح.
فأردت أن أقدم هذا
المقال للبحث في صحة هذا الكلام حتى يفهم الجاهل ويثبت الحائر ونعلم ما يدور حولنا
وما يحوك لنا من مخططات لضربنا في مقتل.
الخلافة في
الأرض:
إن من أسباب خلق
آدم ونزوله من الجنة هي خلافة الأرض وعمارها،فأورث
عزووجل لبعض الأنبياء والمرسلين بالإمامة العامة ،
ووعد سبحانه وتعالى، باستخلاف وإرث الأرض لعباده
الصالحين، وهذه من سنن الله في الأرض ، ابتلاء بعضنا ببعض ليظهر أينا أقوم وأقرب
إلى العدل والحق فيكون حجة له على الخلق ولينتقم من الظالمين، تارة بأمثلهم من
المفسدين وتارة بأضدادهم من المصلحين، وتكون عاقبة التنازع للمتقين، فالمتقون هم
الذين يتقون باب الخيبة والفشل، ويسيرون على سنن الله الشرعية والكونية في العمل،
فعهد الله تعالى بالإمامة العامة لنبيه وخليله إبراهيم وللعادلين من ذريته غير
الظالمين، ووعد بها قوم موسى من بني إسرائيل، وقوم محمد صلى الله عليه وسلم من بني
إسماعيل.
قال تعالى: (إني جاعل في الأرض
خليفة ) البقرة: 30
وقال تعالى:(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ
الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي
إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) الأعراف: 137
وقال تعالى:(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
القصص:5
وقال تعالى:(وعد الله الذين آمنوا منكم
وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) النور : 55
وقوله تعالى:(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) ص : 26
تعريف
الخلافة:
لغة: الخلافة فهي في الأصل مصدر خلف، يقال: خلفه في قومه يخلُفه
خلافة
فهو خليفة. ومنه قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَىٰ
لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي
قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) الأعراف: 142.
ثم أطلقت في العرف العام على الزعامة العظمى، وهي الولاية العامة على كافة
الأمة
اصطلاحا: الخلافة والإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين ، هي رئاسة
عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
وقال
الماوردي: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة
الدنيا.
وعلى هذا نجد بأن كلام
سائر علماء العقائد والفقهاء من جميع مذاهب أهل السنة لا يخرج عن هذا
المعنى.
حكم الخلافة:
أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن
نصب
الإمام وتوليته على الأمة
واجب على المسلمين شرعاً، وهو فرض كفاية، كالجهاد وطلب
العلم، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط، ففرضها على
الكفاية.
وإن لم يقم بها أحد
خرج من الناس فريقان: أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا
إماماً للأمة، والثاني أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم
للإمامة،
وليس على من عدا هذين
الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم، وإذا
تميز هذان الفرقان من الأمة في فرض الإمامة وجب أن يعتبر كل فريق منهما بالشروط المعتبرة فيه.
الشروط المعتبرة في الخليفة:
يجب أن تتوفر في الخليفة سبعة شروط حتى يكون أهلاً
للخـلافة، وحتى تنعقد البيعة له بالخـلافة. وهذه الشروط السبعة شروط انعقاد، إذا
نقص شرط منها لم تنعقد الخـلافة.
شروط الانعقاد وهي: