انعكست استعادة القوات النظامية السورية سيطرتها على مدينة يبرود بريف دمشق الشمالي، توترا على الضفة اللبنانية من الحدود، عبر تفجير سيارات مفخخة وإطلاق صواريخ باتجاه بلدات مؤيدة لحزب الله في البقاع (شرق لبنان)، مما جدد التوتر بين بلدة عرسال الحدودية مع سوريا، ذات الأغلبية المؤيدة للمعارضة السورية، مع جاراتها المؤيدة في معظمها للنظام وحزب الله. ودفع هذا الواقع نائب رئيس بلدية عرسال، أحمد فليطي، للقول إن التدابير المشددة «حاصرت أكثر من مائة ألف شخص، بينهم نازحون، منذ 48 ساعة، عبر قطع الطريق المؤدي إلى البلدة».
وبينما وصل التوتر إلى لبنان، رفعت القوات النظامية السورية العلم السوري في يبرود، معلنة سيطرتها الكاملة عليها، بموازاة استعداداتها للسيطرة على مناطق أخرى في القلمون. وحاول لبنان، أمس، احتواء التطورات داخل الأراضي اللبنانية، لمنع امتداد اللهيب السوري إليها. وبهدف تحديد انعكاسات يبرود على الواقع اللبناني، اتخذت السلطات العسكرية والأمنية اللبنانية سلسلة تدابير، مستندة إلى غطاء سياسي، لمنع انجرار المنطقة الحدودية إلى تطورات أمنية.
والتقى رئيس الوزراء تمام سلام قائد الجيش العماد جان قهوجي أمس، طالبا من قيادة الجيش «اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضبط الأوضاع في المناطق البقاعية الحدودية»، تزامنا مع «اتخاذ الجيش اللبناني سلسلة تدابير لمنع ارتدادات المعركة داخل الأراضي السورية على الداخل اللبناني، وبهدف حماية استقرار المنطقة». وقالت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن وحدات الجيش «اتخذت أقصى درجات التشدد لضبط السيارات المفخخة، ومنع انفجارها»، مشيرة إلى أن «آلية ملاحقة السيارات المشبوهة تأخذ بعين الاعتبار السيارات التي تخضع للرصد، إلى جانب سيارات مفخخة تلاحق بناء على معلومات مسبقة عنها».
ورفضت المصادر الكشف عن عدد السيارات المشتبه فيها لاستخدامها في عمليات أمنية، مؤكدة أن المعلومات المتوافرة لدى الجيش «تؤكد وجود عدد من السيارات المشتبه فيها، وهي داخل الأراضي اللبنانية، ويجري التقصي عنها وملاحقتها».
وكانت مصادر مختلفة، أشارت في وقت سابق، إلى أن السيارات المفخخة التي تدخل إلى لبنان، تنطلق من يبرود. وبعد استعادة القوات النظامية السيطرة على المدينة، تتركز جهود الجيش اللبناني على مراقبة المعابر الحدودية غير الشرعية المحاذية لبلدات سوريا التي لا تزال تخضع لسيطرة المعارضة.
وقالت المصادر العسكرية لـ«الشرق الأوسط» إن وحدات الجيش اللبناني «تحاول بالتعاون مع البلديات في القرى الحدودية مع سوريا، إقفال الطرقات التي تستخدم لتحرك السيارات من الداخل السوري باتجاه لبنان، وانتقال المسلحين إلى الداخل اللبناني»، مؤكدا أن الجيش اللبناني «يسمح للنازحين بالعبور إلى لبنان، لكنه يجبر المسلحين على العودة إلى الداخل السوري».
وتحقق جزء من تهديد متشددين، كانوا توعدوا حزب الله بنقل معركة يبرود إلى مناطقهم في لبنان، بعد ساعات من إعلان سيطرة القوات السورية على معقل المعارضة في القلمون، إذ انفجرت سيارة مفخخة يقودها انتحاري على الطريق العام بين بعلبك والهرمل (شرق لبنان)، أسفرت عن سقوط قتيلين بينهم عنصر من حزب الله، و14 جريحا. وقدر الجيش اللبناني وزن عبوتها بمائة كيلوغرام من المواد المتفجرة، وانفجرت في منطقة النبي عثمان، أثناء الاشتباه فيها وملاحقتها. واستحدث الجيش اللبناني أمس، مواقع جديدة إضافية على الطرق الترابية والمعابر عند السلسلة الشرقية، كما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام»، الرسمية في لبنان، مشيرة إلى أن «الجيش عزز مراكزه السابقة في بلدتي الفاكهة والعين، تحسبا لتسلل السيارات المفخخة والمسلحين إلى الأراضي اللبنانية». ومنع الجيش المرور من اللبوة إلى عرسال، لمنع المقاتلين السوريين الذين يحتمل أن يكونوا قد دخلوا عرسال، من الدخول في مواجهات مع سكان اللبوة التي ينشط فيها وجود أمني لحزب الله بهدف منع وصول السيارات المفخخة إلى الداخل اللبناني.
وغداة السيطرة على يبرود، ضبط الجيش اللبناني سيارة مشتبها فيها في منطقة رأس بعلبك بالقرب من مدرسة الراهبات، بعد ورود معلومات عن تفخيخها لاستعمالها في أعمال إرهابية. وأعلن الجيش اللبناني أنه فور رصد استخبارات الجيش للسيارة، «حضر الخبير العسكري الذي عاين السيارة والعبوة التي بداخلها، والمقدرة زنتها بنحو 170 كلغ، وقرر تفجيرها في مكان وجودها نظرا إلى خطورة تفكيكها وصعوبة نقلها من المكان».
وتزامنت هذه المعلومات، مع أنباء عن توقيف سيارة مفخخة أخرى، وتوقيف سوري يحمل حزاما ناسفا. وأفادت قناة «المنار» بأن «الجيش اللبناني فكك سيارة هوندا من نوع (CRV) في منطقة سهل الفاكهة، بعيدة نحو 500 متر عن السيارة التي فجرها» في وقت سابق من صباح أمس، بينما أفادت قناة «إم تي في» التلفزيونية بالعثور على سيارة مفخخة جديدة في اللبوة، والقوى الأمنية ضربت طوقا أمنيا في المنطقة. وفي الوقت نفسه، داهم الجيش منزلا في منطقة الفاكهة، ومشط مناطق زراعية فيها، بحثا عن مسلحين كانوا برفقة السيارة التي فجرت.
وفي سياق متصل، أوقفت قوى الجيش بمنطقة وادي خالد الحدودية مع سوريا (شمال لبنان) 19 شخصا من التابعية السورية ولبنانيين اثنين، لمحاولتهم دخول الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية. وأحيل الموقوفون إلى التحقيق بإشراف القضاء المختص.
ونوه الرئيس اللبناني ميشال سليمان بـ«الجهود الكبيرة التي يبذلها الجيش والقوى الأمنية لمنع الإرهابيين من تنفيذ مخططاتهم الإجرامية وشل حركتهم إلى حد كبير». ودعا سليمان القوى العسكرية والأمنية إلى «البقاء على أعلى درجات الجهوزية والتنسيق للحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي وقطع دابر الفتنة».
في غضون ذلك، تجدد إطلاق الصواريخ على مناطق لبنانية حدودية، إذ أعلن الجيش اللبناني سقوط صاروخ داخل بلدة اللبوة وثلاثة صواريخ في محيط بلدتي اللبوة والنبي عثمان، مصدرها الجانب السوري، مما أدى إلى جرح أحد المواطنين وحصول أضرار بالممتلكات.
وفي مقابل المخاوف التي انتشرت بمناطق بعلبك والهرمل ذات الأغلبية المؤيدة لحزب الله، ارتفعت وتيرة الخوف في عرسال الحدودية مع سوريا، ذات الأغلبية المؤيدة للمعارضة السورية، مع أنباء عن وصول مسلحين معارضين إليها، فروا من يبرود. ونفى نائب رئيس بلديتها أحمد فليطي لـ«الشرق الأوسط» استضافة مسلحين سوريين، مشيرا إلى أن عددا من الجرحى السوريين «وصلوا إلى عرسال لتلقي العلاج، وقتل خمسة منهم نتيجة تعرضهم لإصابات بالغة». وإذ شدد فليطي على أن هؤلاء «وصلوا عزلا ولا يحملون السلاح»، أكد أن البلدية «تستضيفهم كنازحين ولا تستضيف مسلحين انتقلوا إلى معسكراتهم في رنكوس وفليطا السوريتين». وقال إن القتلى «تعذر نقلهم إلى المستشفيات، بسبب الحصار المفروض على البلدة منذ 48 ساعة». وكان أهالي بلدة اللبوة، قطعوا الطريق الإلزامي المؤدي إلى عرسال من بعلبك، بالسواتر الترابية، بعد إطلاق صواريخ، اتهم متشددون يقيمون في جرودها بإطلاقها باتجاه اللبوة والنبي عثمان، مما أدى إلى مقتل شاب من آل سيف الدين، مساء السبت. وبعد فتح الطريق لفترة زمنية محدودة، تجدد قطعها مساء أول من أمس على خلفية تفجير سيارة مفخخة في المنطقة. وتتهم عرسال بأنها كانت ممرا للسيارات المفخخة من يبرود باتجاه الداخل اللبناني، وارتفعت وتيرة اتهامها مع سقوط يبرود، بأنها تؤوي المسلحين، مع ورود أنباء عن نزوح مقاتلين معارضين إليها بعد انسحابهم من يبرود.
وحوصرت عرسال أمس، أيضا، بمعلومات عن وصول سيارة مفخخة إليها، مما دفع البلدية إلى منع التجول في الشوارع. وقال فليطي إن المعلومة «جاءت من مصدر أمني، مما دفعنا لاتخاذ إجراءات احتياطية لمنع وقوع ضحايا».