موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || طريق الحياة الطيبة
اسم المقالة : طريق الحياة الطيبة
كاتب المقالة : أم عبد الرحمن

 
إذا سألنا زوجين: كيف حال الحياة الزوجية بينكما؟ فربما سمعنا شكوى أو ربما سمعنا الحمد لله على كل حال، ولكن كلا الإجابتين تحمل لونًا من الإحباط أو التوتر أو تُعبِّر عن عدم الانسجام والرضا، بل ربما كانت تعبيرًا عن الاستياء.
لنكن صرحاء ونسئلكم أيها الأزواج:
ـ هل تحمل لك حياتك الزوجية شهرًا بعد شهر، وعامًا بعد عام الشعور بالرضا والسعادة؟ أم أنك تحتمل الحاضر معتمدًا على أمل ترجو تحقيقه في المستقبل.
ـ هل بعد هذه المدة الزواج، تشعرين بحبكِ الحقيقي تجاه زوجك، أم أنكِ تشعرين بعدم التقدير منه.
أخي الزوج/ أختي الزوجة:
يجب أن تعلما علم اليقين أنه بداية الخروج مما أنتما فيه، هو أن يتوقف كل منكما عن التوجه نحو شريك الحياة، وإلقاء التبعة عليه، ليبدأ الخطوة الأولى والحاسمة في الطريق إلى السعادة الزوجية من خلال سنة الله الربانية التي تُقرر أن التغيير إلى الأفضل أو الأسوأ لا يحدث إلا إذا سبقه تغيير لما بالنفس.
السعادة الداخلية:
عندما نرى جدران المنزل وهي تنهار، فإن ما يجب علينا هو النظر إلى الأساس، وإذا ما بدأت النباتات تموت وتتحول إلى اللون الأصفر، فليس من المعقول أن نحاول طلائها باللون الأخضر لتبدو جيدة وجميلة، وإنما علينا أن نقوم بريِّها، وبذلك نبدأ أيضًا في حل مشاكلنا بتغيير ما بأنفسنا، فإذا واجهنا المشاكل في حبنا لشريك الحياة، فإن علينا محاولة إدارة العلاقة بيننا عبر الثقة في ذواتنا والحرص على سعادة الآخر.
ومن هنا فإنه من الضوريري جدًا أن يفكر كل طرف في سلوكه هو، وفي دوره هو في العلاقة الزوجية قبل أن ينظر في دور الطرف الآخر، وأن يعتقد كل طرف أنه هو المسئول عن سعادته الذاتية وليس الآخر، وأنه لكي يُسعد شريك حياته فإنه لابد أن يستشعر السعادة ولو كان وحده، فمن لا يملك السعادة بداخله أعجز من أن يهبها للآخر، (فإذا ما أشرنا بإصبع السبابة، لنلوم الآخر على عدم سعادتنا، فلنعلم أن الربع أصابع الآخر تُشير إلينا نحن، فليس في إمكان شجرة حبٍّ صغيرة نبتت للتوُّ، أن تواسيك بخضارها عن غابة متفحمة لم تنطفئ نيرانها، تمامًا داخلك وتدري أن جذورها ممتدة فيك، فإن من أكبر الأطاء التي يقع فيها الأزواج والزوجات أن يجعل شريك الحياة مسئولًا عن سعادتنا ونلقي عليه بللوم عندما لا نكون سعداء) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري].
اعتقاد خاطئ:
يعتقد بعض الأزواج والزوجات خطئًا أنه إذا تغير شريك الحياة ستأتي السعادة ويعم الفرح في كل مكان فكم من مرة قلت فيها لنفسك (لماذا لا يكون شريك حياتي شخصًا آخر؟ أو إنني أغضب حينما تتصرف زوجتي على هذا النحو) أو أنا متوترة لأن زوجي يعمل لساعات طوال).
ومن ثم (إن الحقيقة أنه عندما تؤمن أن الحل لعدم إحشاسك بالسعادة في يد إنسان آخر فأنت تواجه قدرًا هائلًا من المصاعب، ولو تمكن شريك حياتك من أن يتكيف معك، لإرضائك بإحداث بعض التغير من حين لآخر، فسوف تركن للاعتماد على تلك التغييرات لتزوِّدك بالسعادة الدائمة، وسوف يكون هناك نتيجة واحدة متوقعة هي أنك في النهاية سوف تشعر بالخذلان وتحس بقلة الحماس، وسوف تشعر بقلة الحيلة والاعتماد على الآخر وستقول إن الذنب كل يقع على زوجتي أو إن زوجي هو السبب الوحيد لتعاستي) [لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، د. ريتشارد كارلسون وكريستين كارلسون، ص(191)، بتصرف].
بالمثال يتضح المقال:
هذه قصة سيدة كانت كثيرًا ما تلوم غيرها، وتنتقد دائمًا وتلتمس لذلك أتفه الأسباب، وقد رأت يؤمًا من خلال النافذة غسيل جارتها، فقالت إن جارتي هذه لا تعرف كيف تنظِّف الغسيل؟ وتصادف أن دخلت عندها زائرة، فقالت لها: انظري إلى هذا الغسيل، غسيل تلك الجارة ما أقذره، تمامًا كما قلت لك من قبل إنها لا تعرف كيف تنظف ملابسها.
ولكن الزائرة لاحت أن زجاج النافذة بغرفة صاحبة البيت قذر، فأخذت الزائرة قطعة من القماش، ونظفت الزجاج، ومن ثم ظهر الغسيل نظيفًا، ثم التفتت تلك الزائرة لصاحبة البيت وقالت لها: نظفي نافذتك أولًا، قبل أن تظلمي الناس.
ومن هنا أخي الزوج/ أختي الزوجة (توقف عن بحث عن السعادة لدى الآخر، فمصدر سعادتنا ورضائنا عن أنفسنا ليس لدى الآ خر، ولكنه بداخلنا نحن فيجب إذًا أن نتعلم التركيز على أنفسنا، نعم يمكننا الاعتماد على أنفسنا، فقد لا يتواجد الأشخاص الآخرون من أجلنا، ولكن يمكننا نحن أن نتواجد من أجل أنفسنا، ولابد أن نثق في أنفسنا ونتعامل مع الأحداث والمشاكل والمشاعر التي تقذفها الحياة في طريقنا، ونمتلك القدرة على حلها، كما يجب أيضًا أن نتعلم أن نعيش على الرغم من وجود المشاكل، ولابد لنا في كل ذلك أن نعتمد على الله، فهو سبحانه الذي يحفظنا ويفقنا ويمدنا بلأمن والهداية.
وتأملا أنتما الاثنان في هذه القصة، ففي إحدى الأمسيات، وعندما كانت تلك المرأة تعيش في حي سيء، كان عليها أن تسير في شارع ضيق خلف منلها حتى تصل إلى سيارتها، ولأنها خائفة فقد طلبت من زوجها أن ينظر إليها من النافذة حتى يتأكد من عدم حدوث شيء ضار لها فوافق الزوج، وفي أثناء سيرها بعيدًا عن أمان المنزل، ونحو ظلام الليل بدأت تشعر بالخوف والتفتت لترى زوجها في النافذة، وبالفعل وجدته هناك ينظر إليها، فذهب شعورها بالخوف، وشعرت بالراحة والأمان، فقالت في نفسها: ومن يمني إذا غاب الزوج، إنه الله الذي يرعاني حيثما كنت ويكلأني بحفظه) [لا مزيد من الانغماء في هموم الآخرين، ميلودي بيتي، ص(151-152)].
سكينة النفس مصدر السعادة:
(إن سكينة النفس هي الينبوع الأول للسعادة، ولقد علمتنا الحياة أن أثر الناس قلقًا وأضطرابًا هم المحرومون من نعمة الإيمان، وبرد اليقين، فهذه السكينة هي روح من الله، ونور يسكن إليه الخائف، ويطمئن عنده القلِق، ويتسلى به الحزين، ويستريح به المتعَب، ويقوى به الضعيف، ويهتدي به الحيران، ولقد عرف المنصفون أن أهدى السبل، وأقربها وآمنها للظفر بالطمأنينة إنما هو سبيل الوحي الإلهي المعصوم، إنه المصل الواقي من الشك المحطم والقلق المفزع، فالسعادة شيء ينبع من داخل الإنسان، لا يستورده من خارجه، فالسعادة شيء ينبع من داخل الإنسان، لا يستورده من خارجه، فالسعادة شجرة منبتها النفس البشرية والقلب الإنساني والإيمان بالله وتوحيده سبحانه هو ماؤها وغذاؤها وهواؤها وضياؤها) [الإيمان والحياة، د.يوسف القرضاوي، ص(93)].
إن الناس جميعًا ذكورهم وإناثهم مهما اختلفت أشكالهم وألوانهم، يبحثون عن شيء واحد يُسمى "السعادة"، ولاشك أن هذين الزوجين الذيْن قد انتهى زواجهما بشكل بئيس كانا يرومان السعادة، ولكنهما قد جهلا أن السعادة تبدأ بفكرة وتنتهي بعمل، (إن السعادة لا تأتي بمجرد الرغبة فيها، ولا تأتي بمجرد اعتناق مبادئها، بل لابد من العمل الجاد والالتزام الدائم المستمر بمبادئها والسير في طريقها) [بناء الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسنة، خالد عبد الرحمن العك، ص(48)].
فالسعادة المنشودة أصلها رغبة فطرية، وسبيلها جهود بشرية، يحيطها توفيق وعناية ربانية، تبدأ بفكرة وتنتهي بعمل، وكما يُقال دائمًا: (السلوك مرآة الفكر)؛ أي أن السلوك الذي يسلكه الإنسان هو نتيجة طبيعية لطريقة تفكيره، فما يفكر فيه سيصبح أفعالًا يومًا من الأيام؛ لذلك يقول جيمس آلان: أنت اليوم حيث أوصلتك أفكارك، وستكون غدًا حيث تأخذك أفكارك.
قبل الختام:
إن الإنسان يشعر بالرضا والسعادة الحقيقية حين يرى من هو بجانبه دائمًا يشاركه أفراحه وأحزانه، ولا يتخلى عنه، فالحياة الناجحة تقوم على الأخذ والعطاء، وعلى الحب، وعلى الاطمئنان إلى أن هناك من يساند الإنسان ولا يمكن أن يتخلى عنه مهما كانت الظروف.
إن الزوجة الصالحة تشارك زوجها (في أفكاره ومبادئه، وتحاول أن تكون على مستوى اهتماماته وتستشعر جمال أن يعيش الزوجان لهدف واحد، وأن يتطلعا لآمال مشتركة، وأن تحتويهما منظومة فكرية واحدة كلٌّ يخدمها بطريقته.
أما المرأة التي تعيش في وادٍ وزوجها في وادٍ آخر، لا تهتم بتطلعاته وآماله وطموحاته، ولا بطريقة تفكيره، ولا تشاركه أفكاره ومبادئه، فهي زوجة لا تعرف معنى السعادة الحقيقية، ولا ترى نجاح زوجها هدفًا أو تستشعر معانيه، وهو إن نجح فنجاحه في مثل هذه الحالة يمثِّل نجاحًا فرديًّا مبتورًا، فالنجاح الحقيقي هو ما يجني المرء من ورائه السعادة في نفسه وبيته ومجتمعه وكذلك في الدنيا والآخرة) [ادفعي زوجك نحو النجاح، عادل فتحي عبد الله، ص(49)، بتصرف يسير].
ماذا بعد الكلام؟
ـ كلمات على كل طرف من الحياة الزوجية أن يطبقها على نفسه، وهي:
(راقب أفكارك؛ لأنها ستصبح أفعالًا.
راقب أفعالك؛ لأنها ستصبح عادات.
راقب عاداتك؛ لأنها ستصبح طباعًا.
راقب طباعك؛ لأنها ستحدد مصيرك) [قوة التحكم في الذات، إبراهيم الفقي].
وما أجمل أن يتعاون الزوجان على تحسين سلوكيات بعضهما البعض من أجل أن تتولد السعادة بينهما.
تاريخ الاضافة: 01/10/2011
طباعة