موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || ضحايا الاستبداد بتونس يكتبون تاريخهم
اسم المقالة : ضحايا الاستبداد بتونس يكتبون تاريخهم
كاتب المقالة : خميس بن بريك

يحبس السجين السابق كمال الحوكي دموعه وهو يغوص في ثنايا ذاكرته التي لم تتخلص بعد من كوابيس التعذيب التي عاشها، لكنه يستجمع قوته فيشع من عينيه بريق من الأمل في بناء مستقبل مشرق بعد تفعيل مسار العدالة الانتقالية في تونسلكشف الحقيقة وإنصاف الضحايا.

واستطاع الحوكي (53 عاما) أن ينتصر على جبروت الاستبداد بعزيمة رجل يملك قلب الأسد على الرغم من تعرضه للسجن والتعذيب والمضايقات أثناء فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بسبب انتمائه السابق إلى الاتجاه الإسلامي الذي تحول فيما بعد إلى حركة النهضة

في 1991 وأثناء حملة ملاحقات أمنية ضد هذا الحزب الذي أصبح بعد الثورة مكونا أساسيا في تشكيل الحكومات تم اعتقال الحوكي على خلفية مشاركاته بالمسيرات المناهضة لحكم بن علي، قبل أن يودع في مركز الاحتفاظ ببشوشة في العاصمة ليتجرع مرارة "العذاب واقتلاع الاعترافات".

أهوال الماضي
يكاد الحوكي أن ينفجر بالبكاء وهو يسترجع أهوال الماضي بذاكرته التي "ذبلت جراء الضرب" الذي تلقاه من عصي البوليس أثناء التحقيق وأثناء فترة محكوميته التي دامت قرابة 14 عاما وراء قضبان زنزانات عدد من السجون التونسية التي كانت دهاليزها تثير قلق الحقوقيين.

يقول الحوكي -الذي يشتغل في مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة- للجزيرة نت"لقد عشت ليالي في جهنم"، كاشفا بنبرة حزينة عن تعرضه للتعذيب بالسجن مع مجموعة من رفاقه السياسيين، بينهم ثلاثة من أعز أصدقائه "ماتوا تحت التعذيب".

كان سوء المعاملة داخل السجون التي مر منها الحوكي يختلف من فترة إلى أخرى، ورغم ذاكرته الضعيفة فإنه لا ينسى ما حدث له مع مساجين إسلاميين في سجن العاصمة تونس بعد تعبيرهم عن فرحتهم من صعود الإسلاميين للحكم بالجزائر بالتسعينيات. يقول "لقد كان السجانون ينهشون لحمنا".

قد يكون الحوكي الذي تبدو ملامحه شبيهة بـحمادي الجبالي رئيس الوزراء التونسي السابق والقيادي في حركة النهضة محظوظا بنجاته من الموت لكن روحه بقيت مأسورة لصراخ الكثير من الضحايا السابقين من كل الاتجاهات، فهو كان شاهدا على "طمس عين أحدهم أو إدخال العصي بدبر بعضهم". 

وفقد السجين السياسي السابق زوجته الأولى التي طلقته وهو بالسجن جراء تعرضها للمضايقات ومرضت والدته العجوز وخسر سنوات طوال من عمره، لكنه اليوم يبدو متفائلا من تفعيل مسار العدالة الانتقالية التي تشرف عليها هيئة الحقيقة والكرامة والتي نظمت قبل أسبوع جلسة علنية لسماع شهادات بعض الضحايا

حدث تاريخي
وقد مثلت جلسات الاستماع لضحايا الاستبداد حدثا تاريخيا في البلاد التي تحتفل نهاية هذا العام بمرور ست سنوات على الثورة، وأثناء تلك الجلسات استحضر التونسيون ماضيا مريرا، إذ كانت أغلب الشهادات مؤثرة لبشاعة ما تعرض له الضحايا من عذاب منذ 1955.

عن رأيه في هذا المسار يقول الحوكي إن الانطلاق في سماع الضحايا "خطوة إيجابية نحو الكشف عن الحقيقة" لكنه مع ذلك يرى أن "كتابة التاريخ تتطلب حضور الطرفين، أي الجلاد والضحية".

ومع أنه كانت لديه تحفظات كثيرة على قانون العدالة الانتقالية وأعضاء في هيئة الحقيقة والكرامة فإنه يبدو متفائلا بأن هذا المسار "سيخلق فرصة لبناء مستقبل أفضل بعيدا عن الانتقام". يقول "كل ما أترجاه هو عدم تكرار ما حصل بذلك الماضي الأليم".

فضح الانتهاكات
بدوره، يرى رئيس التنسيقية الوطنية للعدالة الانتقالية عمر الصفراوي أن انطلاق جلسات الاستماع للضحايا "له أهمية كبرى في فضح انتهاكات الماضي وإتاحة الفرصة لهم للبوح بالمسكوت عنه".

ويقول للجزيرة نت إن تلك الجلسات "كانت بمثابة آلية لرد الاعتبار للضحايا ومساعدتهم على العلاج النفسي".

ورغم أن هذا الحدث قد أعاد للعدالة الانتقالية وهجها الذي "كان خافتا" فإنه يرى أن "غياب الجلادين عن تلك الجلسات لمواجهة الضحايا لم يمكن الناس من معرفة الحقيقة كاملة"، معربا عن تخوفه من عدم حضور المتهمين في جلسات استماع قادمة كما أعلنت مؤخرا هيئة الحقيقة والكرامة.

ويقول الصفراوي إن غياب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان عن حضور جلسات الاستماع لضحايا "أعطى انطباعا عن عدم وجود إرادة سياسية في إنجاح مسار العدالة الانتقالية"، لكنه يرى أن التفاف المجتمع المدني حول هذا المسار "يبقي الأمل مفتوحا لنجاح التجربة

تاريخ الاضافة: 26/11/2016
طباعة