موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || تركيا وإيران بين التوافق والتنافس
اسم المقالة : تركيا وإيران بين التوافق والتنافس
كاتب المقالة : أحمد عمرو

مدير وحدة الحركات الإسلامية بالمركز العربي للدراسات الإنسانية

جاءت زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى إيران يوم الجمعة الرابع من مارس الماضي، وفي الخلفية مشهد توتر العلاقات بين البلدين, خاصة وأن الرئيس أردوغان انتقد الدور الإيراني في المنطقة بشكل علني وجلي في أكثر من مناسبة، ناهيك عن التقارب السعودي التركي أو ما بات يعرف بالمحور السني، وحالة الصدام في الرؤى تجاه معظم القضايا الإقليمية سواء في اليمن أو سوريا، وإن كان بالطبع يمكننا القول إن وراء تلك الاختلافات في الرؤى تجاه العديد من القضايا الإقليمية مشروعين متنافسين يحاولان بسط نفوذهما على المنطقة.

السؤال الآن في ضوء ذلك التنافس كيف يمكن تحليل تلك الزيارة؟, وما هي آثارها على الواقع الإقليمي مستقبلا؟

ابتداء قبل الإجابة عن ذلك التساؤل لابد هنا أن نؤشر, وبعيدا عن كافة التحيزات, أن إيران وتركيا قوتان إقليميتان تجيدان ألاعيب السياسة ودهاليزها واستخدامها لتحقيق استراتجيتهما إلى أقصى درجة.

فإيران ظلت تفاوض الغرب وأمريكا على ملفها النووي عشرات السنوات وتحملت الكثير من العقوبات ومع ذلك لم تغلق يوما بابا للتفاوض وفي وقت نفسه لم تتراجع عن خططها وأهدافها الاستراتييجة قيد أنملة, حتى جاءت اللحظة المناسبة التي جنت فيه أرباح ذهائها السياسي.

وتركيا كذلك تعطي محيطها الإقليمي قدره في سياستها الخارجية، وتتعامل مع كافة الأطراف بما يدعم أهدافها والتي لخصها الدكتور أحمد داود أوغلو في كتابه العمق الاستراتيجي بتحييد المشكلات الإقليمية سعيا لانطلاقة تركية تتجاوز إطارها الجغرافي.

ومن الجيد أيضا أن نشير هنا إلى أن المنطقة العربية ليست وحدها هي محل التنافس التركي الإيراني بل دول شرق آسيا أو ما يعرف بجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق المستقلة هي مجال آخر للصراع بين القوتين الإقلميتين، هذا يجلي لنا إلى أي مدى تتعقد وتتشعب العلاقات بين البلدين وأنها أكبر من موقف مخلتف في قضية أو عدد من القضايا التي تمسنا  في المنطقة العربية.

نشير هنا أيضا إلى أن التقارب جاء من الطرفين, فقد بادرت الحكومة الإيرانية بتغيير سفيرها في أنقرة الشهر الماضي، وأرسلت سفيراً جدياً رفيع المستوى، ومهمته إصلاح العلاقات الإيرانية مع تركيا.

في إطار تلك الكليات فإننا أمام مجموعة من العوامل يمكننا من خلالها تحليل تلك الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي إلى طهران.

أولا: الشق الاقتصادي:

1.اعتماد تركيا على إيران, بالإضافة إلى روسيا, فيما يتعلق بمصادر الطاقة؛ حيث تُعَدُّ إيران ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى تركيا (بعد روسيا)؛ حيث تحتاج تركيا سنويًّا 47 مليار متر مكعب من الغاز، وتقوم بتغطية 20% منه عبر إيران، وقد وقّعت معاهدة في هذا الإطار في عام 1996 تمتد إلى 30 عامًا.

2.وجود تبادل تجاري بين إيران وتركيا بحجم 18 مليار دولار تقريبًا؛ خاصة بعد أن التوصُّل إلى اتفاق بين إيران والغرب في شأن المشروع النووي؛ وأصبحت إيران سوقا مفتوحا يسعى لجذب الاستثمارات وتسعى تركيا للحصول على حصة مناسبة في سوق الإيراني.

ثانيا: الشق السياسي:

1.وجود اتفاقيات أمنية خاصة في مواجهة الأكراد والتهديدات المشتركة. فأنقرة تواجه مقاتلي حزب العمال الكردستاني المعارض وطهران تواجه مقاتلي حزب بيجاك الإيراني المعارض الأمر الذي يفرض عليهما نوعا من التنسيق والتعاون الأمني خدمة لمصالحهما المشتركة.

2.وجود قناعة لدى الدولتين بضرورة تجنُّب المواجهة المباشرة؛ حتى لا يؤدي ذلك إلى تضرر مصالحهما؛ فكلا الطرفين يسعى إلى عدم الذهاب إلى مواجهة صفرية غير محمودة العواقب، والتركيز على المصالح والمخاطر المشتركة بين البلدين.

3. لا شك أيضا أن الملف السوري كان حاضرا, ويبدو أن النظام الإيراني بدأ يرى في الوجود الروسي خصما من دوره في سوريا, وأن روسيا أصبحت اللاعب الأساس في سوريا, وعليه فهي تشعر بتخوف منه, وقد عبر عن ذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني، بوجود خلافات حادة مع روسيا في سوريا، وأن بلاده لا توافق على تصرفات موسكو. وقد استثمر الأتراك حالة التراجع في الدور الإيراني في سوريا، ودعوتها إلى توافق إقليمي بعيدا عن التدويل.

في الإطار النظري, سنجد ثلاث أدوات بحثية تحلل العلاقات بين القوى الإقليمية المتصارعة, أولاً: منهج إدارة الصراع، ثانيا: منهج حل الصراعات، ثالثا: منهج تحويل الصراعات، وتحاول تلك المناهج المختلفة فهم الصراع بين القوى الإقليمية المختلفة واستشراف مستقبل منطقة ما تعج بالصراعات الإقليمية.

ومن خلال تسليط الضوء على المواقف السياسية المختلفة للأتراك والإيرانيين، يمكننا القول إن الأتراك سيتخدمون أسلوب حل الصراعات عبر التفاهم والتحاور للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف، رغبة في سعي إلى استقرار إقليمي، تتوزع فيه المكاسب بصورة عادلة.

أما بالنسبة للإيرانيين فهم يستخدمون منهج إدارة الصراع وهو المنهج الذي استخدمه الإيرانيون من قبل في ملفهم النووي حين أداروا الصراع مع القوى الغربية إلى حين واتتهم اللحظة المناسبة لتنفيذ أجندتهم. لذلك فإن الإيرانيين حال شعورهم بضعف ما في أحد الملفات أو تسرب أحد أدوات القوى من بين أيديهم فسيلجأون إلى أسلوب المعتاد (إدارة الصراع) انتظارا للحظة المواتية.

وهذا الذي ينبغي أن يحظر منه الأتراك فالإيرانيون لن يكونوا جادين أبدا للوصول إلى حلول سياسية متوافقة ومرضية كما يسعى الأتراك، وهم ينتظرون تبدلا أو تحولا سياسيًا أو عسكريًا ما يتيح لهم فرض أجندتهم من جديد.

تاريخ الاضافة: 10/03/2016
طباعة