موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || ان انا مت فاحرقونى ثم اسحقونى
اسم القصة : ان انا مت فاحرقونى ثم اسحقونى
كاتب القصة : من كتاب فتح البارى شرح حديث البخارى

 

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ, فَلَمَّا حَضَرَهُ لمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي البَحْرِ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا, قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ, فَقَالَ: لِلأَرْضِ أَدِّي مَا أَخَذْتِ, فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ, فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ. أَوْ قَالَ: مَخَافَتُكَ, فغفر لَهُ بِذَلِكَ(1).

شرح الحديث:

 

 اخْتَلَفَ لعُلَمَاء فِي تَأْوِيل هَذَا لحَدِيث,

 فَقَالَتْ طَائِفَة: لاَ يَصِحّ حَمْل هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قُدْرَة اللَّه, فَإِنَّ الشَّاكّ فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى كَافِر, وَقَدْ قَالَ فِي آخِر لحَدِيث: إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَة اللَّه تَعَالَى, وَلكَافِر لاَ يَخْشَى اللَّه تَعَالَى, وَلاَ يُغْفَر لَهُ, قَالَ هَؤُلاَءِ: فَيَكُون لَهُ تَأْوِيلاَنِ أَحَدهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ: لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ لعَذَاب, أَيْ: قَضَاهُ, يُقَال مِنْهُ قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ, وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِد. وَالثَّانِي: إِنْ قَدَرَ هُنَا بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيَّ, قَالَ اللَّه تَعَالَى

فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَه) وَهُوَ أَحَد لأَقْوَال فِي قَوْله تَعَالَى: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)

 وَقَالَتْ طَائِفَة: اللَّفْظ عَلَى ظَاهِره, وَلَكِنْ قَالَهُ هَذَا الرَّجُل وَهُوَ غَيْر ضَابِط لِكَلاَمِهِ, وَلاَ قَاصِد لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ, وَمُعْتَقِد لَهَا, بَل قَالَهُ فِي حَالَة غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْش وَلخَوْف وَشِدَّة لجَزَع, بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظه وَتَدَبُّر مَا يَقُولهُ, فَصَارَ فِي مَعْنَى لغَافِل وَالنَّاسِي, وَهَذِهِ لحَالَة لاَ يُؤَاخَذ فِيهَا, وَهُوَ نَحْو قَوْل لقَائِل لآخَر الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ لفَرَح حِين وَجَدَ رَاحِلَته: "أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبّك", فَلَمْ يَكْفُر بِذَلِكَ الدَّهْش وَلغَلَبَة وَالسَّهْو.

وَقَالَتْ طَائِفَة: هَذَا مِنْ مَجَاز كَلاَم لعَرَب, وَبَدِيع اِسْتِعْمَالهَا, يُسَمُّونَهُ مَزْج الشَّكّ بِليَقِينِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

(وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً) فَصُورَته صُورَة شَكّ وَلمُرَاد بِهِ ليَقِين. وَقِيلَ: إِنَّمَا وَصَّى بِذَلِكَ تَحْقِيرًا لِنَفْسِهِ, وَعُقُوبَة لَهَا لِعِصْيَانِهَا, وَإِسْرَافهَا, رَجَاء أَنْ يَرْحَمهُ اللَّه تَعَالَى

------

(1) صحيح البخاري، ح: (3478)، وصحيح مسلم، ح: (2756)،

تاريخ الاضافة: 20/01/2011
طباعة