موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || لكي تظل تونس خضراء
اسم المقالة : لكي تظل تونس خضراء
كاتب المقالة : بشير البكر

لكي تظل تونس خضراء، ليس الباجي قائد السبسي، هو الرئيس الذي يجب أن يجلس في قصر قرطاج خمسة أعوام. ليس لأن الرجل عجوز، وينتمي إلى الماضي فقط، بل لأن لا علاقة له بما يعيشه أصحاب الحق بالثورة التي أطاحت زين العابدين بن علي.
لكي تظل تونس خضراء، من الأفضل أن يكون في رئاسة هذا البلد المنصف المرزوقي. ليس لأن الرجل لا يزال يتمتع بحيوية عالية، وله سجلّ نضالي نظيف، بل لأنه متعلق بنبض الثورة، ويعيش أمل ترجمتها في مشروع اقتصادي وسياسي وثقافي، ولديه رؤية فعلية لنقل البلد إلى زمن جديد، هي رؤية متكاملة، وتنطلق من الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وتقوم على إشراك الشعب، وبعيدة، كل البعد، عن الرؤية الإقصائية التي يعتمدها السبسي، وأساسها ديكتاتورية الحداثة وسلطة أبناء الذوات والأرستقراطية التي أرساها بورقيبة، وقسّمت تونس إلى ساحل يحكم وأرجاء أخرى مهمشة.
من أجل تونس التي غيّرت بثورتها العالم العربي، نشعر، نحن العرب، أنّ من حقنا التدخل في شؤونها الداخلية، وأن يكون لنا حق التصويت الرمزي من بعيد، على سبيل الأمل الذي أهدته لنا التجربة التونسية. وبالتالي، من واجبنا أن نبدي رأينا، ونقول إننا نخاف على تونس، إذا حكمها حزب "نداء تونس"، الذي يشي خطابه بديكتاتوريةٍ، تحت لافتة الدولة القوية.
غالب الظن أن ليس في تونس من يشعر بالتعدي عليه، إذا عبّر صاحب رأي عمّا يحس به حيال هذا البلد الذي يشكل مفخرةً، ليس للتونسيين فقط، بل للعرب جميعاً.
من أجل تونس ليس عدلاً أن الذين حكموا بالأمس يعودون إلى الحكم اليوم، وكأن الثورة لم تحدث، ومن العار أن الشارع الذي أسقط بن علي يتردد، لحظة، في الاختيار بين من يمثل الماضي، ومن يمثل المستقبل.
يجري تسويق السبسي باسم هيبة الدولة، وهي بدعة غريبة، وكأن لا علاقة للمرزوقي بقضية الدولة. ويزايد هؤلاء بإعادة إنتاج البورقيبية على نحو نوستالجي فوقي، وباهت وجهوي، وكأن بن علي لم يكن ابناً نجيباً لبورقيبة، أو أن السبسي لم يعمل، يوماً، تحت ظل الديكتاتور الذي صفّى خصومه جميعاً بعد الاستقلال، ولم يكن متسامحاً مع أي معارضة داخلية، وخصوصاً تلك، ذات النفس العربي، مثل صالح بن يوسف وأحمد بن صالح وحتى محمد مزالي.
من يراقب السبسي يجد أنه نسخة باهتة من بورقيبة، حتى إنه استعار منه خطاباتٍ كثيرة خلال حملته الانتخابية، وما يجعل المرء يحس بالاستغراب أن الرجل يستنسخ، عن وعيٍ، بورقيبة أمام جيل ولد بعد رحيل المجاهد الأكبر، وهو يشكل رصيد هذا البلد، ونسبة العاطلين من العمل بين صفوفه تصل إلى أربعين في المائة.
من يقرأ خارطة التصويت، يجد أن السبسي حصل على أغلبية في مدن الساحل، وهي المناطق التي حكمت تونس منذ الاستقلال، وهذا أمر لا يخلو من دلالة لدى الذين صوّتوا له، لاسيما أنه بدأ حملته الانتخابية من الساحل، بدمعة ذرفها على ضريح بورقيبة في مدينة المنستير. تلك الدمعة ليست ترحماً على روح بورقيبة، بقدر ما هي رسالة غزل لأبناء الساحل الذين خافوا بعد سقوط بن علي أن السلطة سوف تنتقل إلى جهة أخرى، وفي الحقيقة، هم لم يدركوا أن الثورة جاءت لتنهي احتكار جهة للسلطة، لتصبح سلطة الجهات كافة.
لو كنتُ تونسيّاً، سأصوت للمرزوقي، وسأختلف معه، لأني أعرف أنه لن يضعني في السجن لمجرد خلاف الرأي، ويكفي، اليوم، أن يكون الحاكم مؤمناً بالرأي الآخر، حتى تبقى الثورة مستمرة، ويُسجل لهذا الرجل أنه تمكن من إدارة المرحلة الانتقالية بحرصٍ ديمقراطي عال، لكي تظل تونس خضراء. -

تاريخ الاضافة: 01/12/2014
طباعة