موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || ومضى شهر رمضان فماذا أنتم فاعلون ؟؟ ( 2 )
اسم المقالة : ومضى شهر رمضان فماذا أنتم فاعلون ؟؟ ( 2 )
كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر

المداومة دواء لهذا الداء

الكثير منا إلا من رحم ، عندما يذهب شهر رمضان يذهب معه جل الطاعات والعبادات ، ويفرغ وقت العبد مما كان يفعله في هذا الشهر الكريم ، كما فرغت المساجد من المصلين ، وحتى تداوي هذا الداء ، فعليك بالمداومة على هذه الطاعات ، وكأنك في شهر رمضان وأكمل صومك ولا تفطر إلا على الآخرة . وبذلك يكون قد وصلت للغاية وسلكت السبيل القويم الذي نهايته جنات النعيم .

قال تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) الحجر : 99

مواصلة الصوم :

وهل انقطع الصوم بذهاب شهر رمضان ؟ لا والله فإن أبواب الصوم مفتوحة في غير هذا الشهر الكريم . فعليك بالمحافظة على صيام النوافل ، في الاسبوع والشهر واليوم.

عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (‏‏ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا‏‏ ) متفق عليه‏

وعن أسامة بن زيد قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصوم يوم الاثنين والخميس ، فسألته ؟ فقال : إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه البخاري

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :‏ قال رسول الله ‏:‏ (‏صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله‏‏) ‏متفق عليه‏
وعن أبي هريرة قال :‏ أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث ‏:‏ (صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام‏)‏ متفق عليه‏

قراءة القرآن:

لماذا لا نقرأ القرآن إلا في شهر رمضان أو يوم الجمعة وفي المناسبات ؟ لماذا لا نتمسك بهذا الكتاب ونجعله في قلوبنا وعلى ألسناتنا قبل أن يكون في أيدينا. ويكون لنا ورد يومي إما بعد كل صلاة مفروضة أو في أخر اليوم قبل النوم . وإني لا اتعجب ممن يحملون الهواتف الخلوية في أيديهم للخيلاء ، ولا يحملون كتاب الله عز وجل للنجاة .

قال تعالى : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا ) الفرقان : 30

وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال : 2

وعن عبد الله بن عباس قال : قال رجل يا رسول الله :( أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : " الحال المرتحل " . قال وما الحال المرتحل ؟ قال : " الذي يضرب من أول القرآن كلما حل ارتحل). رواه الترمذي

وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أذِنَ الله لعبد من شيء أفضل من ركعتين يصليهما وإن البر لَيُذَرُّ على رأس العبد ما دام في صلاته وما تقرب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه) ( يعني القرآن). رواه الترمذي

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إقرأوا القرآن فإنه يجيء يوم القيامة شفيعا لصاحبه) رواه مسلم

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن لله أهلين من الناس " . قيل من هم يا رسول الله ؟ قال : " أهل القرآن أهل الله وخاصته). رواه الإمام أحمد وابن ماجه

وعن عبد الله بن مسعود قال : لا يَسأَلُ عبد عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله ومن أحب الله ورسوله حشره الله يوم القيامة مع رسوله فقد قال عليه الصلاة والسلام : " يحشر المرء مع من أحب ". وقيل له ( عبد الله بن مسعود ) : أنك تقل الصوم ، قال إني إذا صمت ضعفت عن القراءة . وتلاوة القرآن أحب إلي – أي أحب إليه من الصيام.

وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة . والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) رواه الترمذي

وقال وهيب بن الورد رضي الله عنه: نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد أرق للقلوب ولا أشد استجلابا للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره ، ويبين تسلسل الحديث أن أفضل تلاوة القرآن في الصلاة ثم في غيرها . فالركعتان من الصلاة اللتان يحبهما الله لا بد وأن يتلى فيهما كتابه.

وحُكي عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه رأى ربه في المنام عدة مرات فقال والله إن رأيته مرة أخرى لأسألنه أي شيء يقرب العبد إلى ربه فرأى ربه جل شأنه فقال : يا رب بأي شيء يتقرب العبد إليك ؟ فقال : بتلاوة كلامي يا أحمد . قال فهم المعنى أو لم يفهم يا رب ؟ قال فهم المعنى أو لم يفهم.

فمن أحب كتاب الله تلاه آناء الليل وأثناء النهار وكان خليله وصاحبه وبذلك ينعم الله تعالى عليه بأن يرفعه ليكون من خواص عباده الصالحين ومن أهل الله من بين سائر عباده ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

صلاة القيام:

إن صلاة القيام شرعت في سائر الأيام ولم يخص بها شهر رمضان فقط ، بل ما تركها النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر ، ولا يتركها العبد المؤمن المخلص لله عز وجل الذي يريد الدار الآخرة . فإنها دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى الله تعالى ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم ،ومطردة للداء عن الجسد وعز وشرف للعبد ورفع له في الدرجات عند رب البريات .

قال تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} السجدة:16.

قال مجاهد والحسن : يعني قيام الليل.
وقال ابن كثير في تفسيره : ( يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة ).
وقال عبد الحق الأشبيلي : ( أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود ).
وقال تعالى : {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الذاريات:18،17

قال الحسن : كابدوا الليل ، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.
وقال تعالى : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}الزمر:9.

أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله وضيّع نفسه ، غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده ؟!

عن ابن عمر قال: كنت غلاماً ، عزباً شاباً ، وكنت أنام في المسجد ، فرأيت كأن ملكين أتياني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطي البئر ، لها قرون كقرون البقر ، فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار ، فلقينا ملك فقال ، لن ترع، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال :( نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل ). متفق علي

قال سالم بن عبد الله بن عمر : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وعن
أبى مالك الأشعرى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (إِنَّ فِى الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهَرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرَهَا "، فَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ : "لِمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟"، قَالَ : "لِمَنْ أَلاَنَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِماً وَالنَّاسُ نِيَامٌ) رواه الترمذي والحاكم وأحمد وغيره

عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس } [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } رواه أبو داود وصححه الألباني. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر.
وعن ابن عباس عنه قال ذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال:
{ ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه !! } متفق عليه

وعَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏ ‏‏قَالَ : ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ( ‏أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ). أخرجهُ مسلمٌ
فأين رجال الليل ؟ أين هؤلاء الأبطال لقد ذهبوا وبقي كل بطال !!

أين الذين كانوا رهبان بالليل فقاموا وفرسان بالنهار فصاموا ؟!! أين الذين باعوا الدنيا الفانية واشتروا الآخرة الباقية ؟!! وهجروا الفرش والعرش والقصور وملاعبة الجواري والغلمان ، وخافوا من ظلمة القبور واللحود والدود والديدان ، ولقاء الواحد الديان . وطمعوا في النعيم والجنان.

والله المستعان والحمد لله على كل حال

ونعوذ بالله من حال أهل الغفلة والنيران

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

لا تنسونا من صالح دعائكم

تاريخ الاضافة: 30/07/2014
طباعة