موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || فتاتي والعاطفة المشتتة
اسم المقالة : فتاتي والعاطفة المشتتة
كاتب المقالة : أم عبد الرحمن

عقول توجهها العاطفة

(تقول فتاة: أحلم أن أصبح فنانة مشهورة تملأ صوري الصحف والمجلات، ويشير المجتمع إلي في كل مكان، ولهذا فإنني أتابع بحرص شديد كل أخبار فنانتي المفضلة، والتي اعتبرها مثلي الأعلى، وأراقب بدقة حركاتها وأسلوبها، سواء في التمثيل أو الحياة، ومن يدري قد أصبح يومًا في مثل شهرتها. وتقول فتاة أخرى: إنها تحب هذا الفنان كثيرًا، فصوره تملأ كل مكان في غرفتي، وأرفض أن ينتقده أي إنسان؛ ولو كانت صديقتي المقربة. وتقول ثالثة: أنا أعشق عالم الموضة والأزياء، وتبهرني كثيرًا عارضات الأزياء لرشاقتهن وطريقتهن في الحركة والمشي، وأحاول قدر الإمكان تقليدهن في حركاتهن حتى أنني أتبع رجيمًا قاسيًا لأصل لنفس القوام الذي يتمتعن به).

أمثال هذه الفتاة وغيرها الكثير من فتياتنا اللاتي وقعن أسيرات للعاطفة الجياشة التي منحها الله إياها، والحديث عن العاطفة عند الفتيات حديث يطول خاصة أنها طاقة هائلة من أحسنت استغلالها بارك الله لها في عمرها، ومن أساءت استغلالها كانت كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرا أبقى.

العاطفة عند الفتاة

قد شاء الله بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة تتجاوب مع ما يثيرها لتتفجر رصيدًا هائلًا من المشاعر التي تصنع سلوكها أو توجهه. وحين تصاب الفتاة بالتعلق بفلان من الناس قرب أو بعد فأيُّ هيام سيبلغ بها. فتاة تعشق رجلًا فتقبل شاشة التلفاز حين ترى صورته، أو أخرى تعشق حديثه وصوته فتنتظره على أحر من الجمر لتشنف سمعها بأحاديثه. وحين تغيب عن ناظرها صورته، أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها، ويتعالى انزعاجها فقد غدًا هو البلسم الشافي.

وبعيدًا عن تحريم ذلك وعما فيه من مخالفة شرعية، ماذا بقي في قلب هذه الفتاة من حب لله ورسوله، وحب للصالحين بحب الله؟ ماذا بقي لتلاوة كلام الله والتلذذ به؟ أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر في وقت النزول الإلهي حين يبقى ثلث الليل الأخــــير عن الانطراح بين يدي الله والتلذذ بمناجاته؟ فهي على أتم الاستعداد لأن تتخلف عن الدراسة من أجل اللقاء به، وأن تهمل شئون منزلها من أجله.

بل وما بالها تعيش هذا الجحيم والأسى فيبقى قلبها نهبًا للعواطف المتناقضة والمشاعر المتضاربة.

فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق

تراه باكيًا في كل حـــال مخافة فرقة أو لاشتيــــــاق

فيبكي إن نأوا شوقًا إليهــم ويبكي إن دنوا حذر الفـراق

إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير والحب والوفاء للوالدين الذين لم يعد لهما في القلب مكانة.

ويقضى على كل مشاعر الحب والعاطفة لشريك العمر الزوج الذي تسكن إليه ويسكن إليها. وبعد حين ترزق أبناء تتطلع لبرهم فلن تجد رصيدًا من العواطف تصرفه لهم فينشأون نشأة شاذة ويتربون تربية نشازا.

إن العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيدًا في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه. فما بالك تهدرين هذه العواطف والمشاعر فتصرفيها في غير مصرفها وهى لا تقارن بالمال، ولا تقاس بالدنيا؟

أخيتي....لقد خصك الله سبحانه وتعالى بهذه العاطفة والحنان وهذه الرقة وهذا التجاوب مع هذه المشاعر لحكمة يريدها سبحانه وتعالى؛ ليبقى هذا رصيدًا يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والاستقرار والطمأنينة رصيدًا يدر على الأبناء والأولاد الصالحين حتى ينشأوا نشأة صالحة، فما بالك تهدرين هذه العواطف لتجني أنت وحدك الشقاء في الدنيا؟ فتارة تشتاقين إلى اللقاء، وأخرى تبكين خوف الفراق والأسى، وأخيرًا تضعين يـدك على قلبك خوف النهاية والفضيحة، خوف هذه النهاية المؤلمـة، التي أهدرت عواطفك وأهدرت أعز ما تملكين من أجل أن تصلي إليها.

أنت صاحبة القرار:

إن الاقتناع بخطأ طريق الغفلة، والممارسة الشاذة، والسلوك المنحرف . أمر يشترك فيه الكثير من الشباب والفتيات ممن هم كذلك. بل أكثرهم يقتنع بحاجته إلى الالتزام والاستقامة، ولكن هذا القرار الشجاع، الحاسم يقف المرء معه مترددًا متهيبًا.

لست أدري ما مصدر هذا التردد؟ ما دام الاقتناع قد تكون لدى الفتاة بخطأ طريقها، وسلامة الطريق الآخر فما ذا تنتظر؟ إنه التخوف أحيانًا من المستقبل، الذي لا مبرر له.

القضية باختصار يا فتاة قرار جريء وشجاع تتخذينه وبعد ذلك يتغير مجرى حياتكِ تلقائيا، ويهون ما بعده، فهل تعجزين عن اتخاذ هذا القرار؟ لا أخالك كذلك وأنت الفتاة الجريئة في حياتك كلها. واسألي من كنَّ شركاء لكِ في الماضي، فاتخذن القرار، وسلكن طريق الهداية.

رسالة إلى الدعاة

إن الفتاة التي تعيش في عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخر، والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه المهتدية الصالحة. فحين يكون الحديث معها دائرًا حول الحجاب وخطورة التساهل فيه، وحول أحكام خروج المرأة... إلخ فإنها تشعر أنها لن تسمع جديدًا، لن تسمع إلا الحديث حول الأحكام والحلال والحرام، وفرق بين أن لا نقرها على هذا التصور والكلام، وبين أن نتعامل مع الأمر الواقع بما لا يتعارض مع الشرع. لقد كان صلى الله عليه وسلم يحدِّث الناس بما يناسبهم وما يفقهون؛ فالأعراب يدعوهم للإسلام من خلال إعطائهم المال وترغيبهم فيه، وعدي بن حاتم يحدثه عن الأمن الذي سينشأ حينما يدين الناس بدين الإسلام، والكاهن يحدثه بحديث بيِّن فصيح بعيد عن الكهانة... وهكذا.

فلِمَ لا يكون الحديث مع أمثال هؤلاء حديثًا عن السعادة والطمأنينة؟ حديثًا عن القلق والمشكلات التي سيطرت على الناس اليوم، وأن العلاج لذلك هو الإيمان والرجوع إلى الله؟ لِمَ لا نستعين بنتائج الدراسات المعاصرة التي تثبت أثر التدين على استقرار حياة الناس وتجاوز مشكلاتهم؟ ولِمَ لا نتناول الحديث عن اليوم الآخر ونربط ذلك بواقع الناس بطريقة تخاطب مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم

قضايا المرأة

إن مما رفع أسهم دعاة التحرير والتغريب لدى الناس وأوجد لأقوالهم صدى وقبولًا: انطلاقهم من مبدأ نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وبالفعل فإنهم أحيانًا ينتقدون بعض الأوضاع الخاطئة للمرأة في المجتمع. والدعاة إلى الله تبارك وتعالى هم أوْلى الناس بنصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها المشروعة، وانتقاد الظلم الذي ينالها، ومن ذلك:

حقها في حسن الرعاية والعشرة؛ فبعض الأزواج يسيء معاملة زوجته ويهينها، وربما تعامل معها على أنها خادم، أو سلعة، أو شيء دنس. ومن ذلك:

الأوضاع الخاطئة والعادات المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميدانًا للكسب المادي، وأخذ والدها لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها طمعًا في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.

والدعاة حين يسعون لمناصرة قضايا المرأة والدفاع عنها لهم أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛ فعن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ، فذكر في الحديث قصة فقال: "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنما هن عوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا. ألا إن لكم على نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًا؛ فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن

وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ (أي نفرن ونشزن واجترأن) النساء على أزواجهن؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن ليس أولئك بخيارك .(

والاعتناء بهذا الجانب يبرز الدعاة إلى الله بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة، وهم المدافعون عن قضيتها.

المصادر:

الفتاة ألم وأمل، الدكتور إبراهيم الدويش

يا فتاة، الدكتور محمد الدويش

أميرة في الجامعة، هيام محمد يوسف.

وقفات حول الخطاب الدعوي في قضايا المرأة، الدكتور محمد الدويش.

تاريخ الاضافة: 08/11/2013
طباعة