موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || مع سبق الإصرار!
اسم المقالة : مع سبق الإصرار!
كاتب المقالة : محمد أبو رمان

كيف نقرأ مشهد خروج الملايين في ميادين متعددة، واحتشاد مئات الآلاف (كحد أدنى) في ميدان رابعة العدوية؟ أليس ذلك –وفق المنطق نفسه لـ"30 يونيو"!- يُلزم الجيش بالتدخّل لتنفيذ إرادة الملايين المتحرّكة الحالية التي خشيت من اختطاف الثورة، والعودة إلى المربعات السابقة عليها؟!

ما هي المبرّرات التي يمكن اجتراحها أو فبركتها (سياسياً وإعلامياً) لمنح الطرف الشعبي الأول "الشرعية الثورية" وحجبها عن الطرف الآخر، الشعبي، برأي النخب المثقفة والسياسية التي تصرّ على عدم رؤية "ذلك الشارع" العريض والواسع؟

الصدمة الحقيقية لهذا المشهد الحالي (الجماهيري) أنّه يستمر بقوة، بالرغم من أنّ الفضائيات المصرية والعربية أصيبت بـ"حالة غيبوبة" تجاه المسيرات الضخمة التي خرجت أول من أمس، وتجاهلتها تماماً، فيما غضّت وكالات الأنباء العالمية الطرف عن الحجم الكبير لها، وركّزت على بعض الاشتباكات بين المحتجين والأمن والبلطجية (الذين وصفتهم الصحف المصرية بلجان شعبية؟

ما يقوم به الإعلام المصري الحكومي والخاص، ومعه جزء كبير من الإعلام العربي، يرقى إلى مستوى "الفضيحة"، التي يجب أن تُدرّس في المستقبل، وتُدرس في رسائل الماجستير والدكتوراه والأبحاث العلمية الرصينة، كنموذج على سقوط المعايير المهنية والأخلاقية في العمل الإعلامي!
وبعيداً عن التخندق، أو الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، فإن ما حدث، على المستوى المهني الصرف، يتجاوز الإساءة للإعلام نفسه ولمهمته الرئيسة (نقل الواقع كما هو)، إلى كونه إساءة أكبر واستهتارا واستخفافا بعقول ملايين العرب المتابعين للمشهد المصري والمهتمين به، الذين يقلّبون الفضائيات ويقرأون الصحف، فيشعرون أنّها تستخف بعقولهم، وتفترض فيهم حالة من الغباء المطلق!

أسوأ ما في هذا الانحياز الإعلامي يكمن في التعامل مع الجانب الإنساني والأخلاقي؛ إذ يتم غض الطرف عن أعداد المصابين، والقتلى الذين سقطوا، بدون أن ينالوا أي اهتمام إعلامي وسياسي حقيقي، فضلاً عن القفز عن المعيار الإنساني، ليتم تسليط الضوء ومنح الأولية في الأخبار والتغطيات لإشاعات أو حوادث جانبية (بدون تبرير أيّ منها) لا تعدو أن تكون حوادث فردية!

هذا المشهد المغيّب عن الإعلام المصري والعربي، لا يجُبّ ما قبله، أي اعتصام "30 يونيو" المليوني، ولا يلغي الملاحظات الجوهرية على سلوك جماعة الإخوان المسلمين، ووجود شريحة اجتماعية واسعة لا تقبل بمشروع "الجماعة" ولا بخيارها الأيديولوجي والسياسي. لكنّه مشهد يؤكّد أنّ المعركة الحقيقية هي في ميدان التنوير الديني والفكري، والإنجاز الاقتصادي، والمنافسة العادلة في صناديق الاقتراع، لا بإجهاض المسار الديمقراطي ووضعه على حافّة الخطر!

المخرج الوحيد من النفق الحالي، بالرغم من عدم تفاؤلي، يتمثّل في "تسوية سياسية" تتنازل فيها الأطراف المختلفة للعودة إلى طاولة الحوار واللعبة السياسية، وصولاً إلى إعادة القطار للسكّة الديمقراطية. أما العناد والمكابرة المتبادلة، فهما الطريق المعبّدة للإطاحة بالحلم المصري، وتهديد لمآلات الثورات الديمقراطية العربية. 

المصدر: صحيفة الغد الأردنية

تاريخ الاضافة: 21/07/2013
طباعة