موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || خطبة عيد الأضحى بسيدي سليمان في المغرب
اسم المقالة : خطبة عيد الأضحى بسيدي سليمان في المغرب
كاتب المقالة : حسن الهيثمي

أتمنى ألا يتحدث خطيب مدينة سيدي سليمان، في صلاة عيد الأضحى لهذه السنة عن حقوق الإنسان بشكل فضفاض، كما فعل في عيد الفطر المنصرم، لأن بعض رجال السلطة الذين يحرصون على أداء هذه الصلاة في الصفوف الأمامية، لا تنفع معهم قاعدة "ما بال قوم"، بل يحتاجون لمن "يجبد لهم ودنيهم" ويوجه إليهم الانتقاد مباشرة.

ولهذا اقترح على الخطيب أن يُسدي إليهم "النصيحة"، أمام الجموع الغفيرة، وينصحهم بتوقير مناصبهم التي يتقاضون عليها أجورهم من مال الشعب، فيكفوا عن "تكرفيص" عباد الله في "الكوميسارية".

أتمنى من الخطيب أن ينتقد بشدة السلطة المحلية وعلى رأسها عامل الإقليم، عن الترخيص لسوق "ممتاز" قُرب "لابريكاد ديال الجدارمية" يبيع الخمر لأبناء المدينة (المسلمين طبعا)، وكم سيكون مؤسفا مشهد خروج أفواج المصلين من المصلى ومرور أغلبهم بالشارع المحاذي لـــــ"كارفوور"، الذي افتتح قبل ستة أشهر؟

وفي إطار المقاربة التشاركية، يُمكن أن اقترح على الخطيب هذه الخطبة السليمانية "العصماء".

"بسم الله الرحمان الرحيم

أيها المصلون والمصليات بسيدي سليمان، الحمد لله الذي منَّ علينا بهذا العيد المبارك رحمةً منه، وفضلا وجعله يوماً من أعظم أيام الإسلام.

أما بعد،

اتقوا الله عباد الله، واذكروه بالغدو والآصال، واحمدوه على عظيم فضله وكريم إنعامه.

نستقبل عيدنا بهذه المدينة المُهمشة، بقلوب مكلومة تقطر دموعا ودماء على جروحها النازفة في شوارعها وأحيائها، ومرافقها، لكن يحدونا أمل كبير - بفضل الله ربنا ثم بفضل وليدات سيدي سليمان- أن تسترد المدينة كرامتها المسلوبة، وأن يتم إطلاق آلاف السليمانيين والسليمانيات من قيودهم، ليؤدوا رسالة المواطنة، ويسعوا بالتنمية بين عباد الله، ولينشروا العدل والحرية والكرامة، وليعيدوا بها الحقوق إلى أصحابها المظلومين.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

أيها المسؤولون المحليون بمدينة سيدي سليمان، يجب أن تكونوا في حجم "رهانات نجاح مشاريع تتطلب إدارة قوية باحترام القانون وحكامة ترابية جيدة وقربا من المواطنين وتواصلا دائما معهم والإنصات لهم والإسهام في حل مشاكلهم".

لقد انتهى زمن، كنتم تضعون فيه أذنا من طين وأخرى من عجين، الآن يجب أن تفتحوا آذانكم جيدا، لتنصتوا لما جاء به الدستور الجديد، وتستوعبون ما تعيشه البلاد من تحولات عميقة.

أيها المسؤولون في الرباط، أنتم أيضا مُطالبون بالتحرك من أجل فك حصار مدينة صغيرة في حجم سيدي سليمان من قبضة حديدية للأعيان ولبعض المسؤوليين الأمنيين، الذين يرجعون بالمواطنين إلى القرون الوسطى.

إنكم مطالبين بإيفاد لجنة تحقيق لمراجعة وفحص ملفات الشرطة القضائية بسيدي سليمان، والوقوف على سير المصالح الأمنية بالمدينة والنبش في محاضر حوادث السير ومحاضر الضابطة القضائية وغيرها، والتحقيق في شكايات تعذيب المواطنين، في الكوميسارية، ناهيك عن تجاوزات بعض المسؤولين الأمنيين "اللي عْطات ريحتهم"، ولم يعد مقبولا أن يقضوا مدة طويلة في منطقة أمنية جديدة من واجبها مُواكبة تحول مدينة صغيرة كانت قبل سنتين تابعة لعمالة القنيطرة، وتحولت إلى عمالة جديدة.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

أيها المسؤولون في "البوليس "، إن بينكم من يظلم يوميا عباد الله، وتقارير الجمعيات الحقوقية والمقالات الصحفية شاهدة عليكم، اعلموا أن الظلم ظلمات يوم القيامة، والله عز وجل يقول في الحديث القدسي " لقد حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".

إن منكم من "يُفبرك" المحاضر ضد المواطنين الأبرياء، فاعلموا أن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وإنا غدا لناظره قريب، فاتقوا الله في عباد الله، فإن غدا يوم القيامة "لا ينفع لا مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم".

أيها "البوليس"، لا حاجة لوجود كاميرات في مخفركم، فالله تعالى يراقبكم، وغدا أمامه ستقفون أمام المواطنين الذين تسببت لهم في الألم، تذكروا هذا اليوم جيدا فإن "كل نفس ذائقة الموت".

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

أيتها السلطة الإقليمية، الممثلة في عامل الإقليم، لقد مرت أربع سنوات على وجودك بهذه المدينة البئيسة، ولا تزال "الحالة هي هي"، شوارع مُحفرة وأزقة متربة، ورجال الأمن يعنفون المواطنين، لقد قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، "والله لو عثرت بغلة في أحد أزقة البصرة لخفت أن يسألني الله عنها .. لمَ لم أعبد الطريق لها ".

الآن، بسيدي سليمان، لا تعثر الدواب فقط، ولكن عباد الله يتعثرون في عتبات الإدارات، وفي مطبات الشوراع، ولا يجدون الأرصفة المخصصة لمرورهم بسبب احتلاله من طرف المقاهي، فبين مقهى ومقهى توجد مقهى، حتى صارت المدينة عاصمة المقاهي بامتياز.

ويا ليت شعري، كيف تكون آخر إنجازات المجلس البلدي الحالي، تفويض قطاع النظافة إلى شركة خاصة، في الوقت الذي أثبت فيه تجارب التدبير المفوض فشلها الذريع، أما المسبح البلدي فإنه علامة بارزة على فشل سياسة المجالس المتعاقبة، مشروع "خسروا عليه" ملايين الدراهم، وتركوه مرتعا للأفاعي والضفادع، والحشرات.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

أيها المسؤولون عن قطاع الصحة، وعلى رأسكم شخص يسمى الدكتور ادريس، فليدعني أساله مازحا "متى تستجيب لعبارة (ارحل)، أقول له هذا الكلام لأنه عمر طويلا، ورغم هبوب رياح الربيع الديموقراطيعلى بلادنا، بقي متشبثا بكرسيك، أهمس في أذنه " لقد تغيرت مجموعة من الحقائق الطبية ولا زلت محتفظا بقاموس طبي قديم، تحرك قليلا وافسح المجال للجيل الجديد".

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

أيها السليمانيون المنتشرون في جميع بقاع العالم، في كندا وفرنسا واستراليا و الهند و السينغال و ألمانيا وأمريكا، أقيموا مشاريع اقتصادية حقيقية بالمدينة، وكُفوا عن فتح المقاهي بالمدينة التي تكرسون بها العطالة الدائمة بالمدينة، وتحولون المدينة إلى مقهى كبير يجلس فيها أبناءها في الليل والنهار.

يا "وليدات سيدي سليمان"، سأختم هذه الخطبة بتوجيه النصيحة إليكم، أولا اطلب منكم أن تتواضعوا لأن "عز الخيل مرابطها"، فالفرنسيون الذين عاشوا بالمدينة خلال الوجود الفرنسي بالمغرب، أحبوا المدينة إلى حد الجنون، وأطلقوا عليها لقب "باريس الصغرى"، فارفعوا رؤوسكم عاليا وافتخروا بأنكم أبناء مدينة رغم ما تعانيه من تهميش واقصاء، مدينة تقاوم و تحاول النهوض، وستظل كما قال أبو القاسم الشابي "رغم الداء والأعداء تعيش كالنسر في القمة الشماء"، فرغم النهب الذي تعرضت لها طيلة السنوات الماضية، لا زالت تعطي.

وما يقال عنها بأنها "تتعطي للبراني"، مثل خاطئ لأن العاطي الله، فأشفقوا عليها، ولوموا أنفسكم لأنكم أنتم من تخلى عنها، ولم يكن بعضكم في يوم من الأيام قادرا على فتح فمه، ليقول بأنه من أبناءها، أو يستنكر انتهاكات حقوق الانسان بها، ومن ذلك السكوت عن اعتداء "رجال" من الشرطة القضائية بسيدي سليمان يوم 28 يونيو 2011، على شاب متزوج وأب لبنت ورضيعة، مشهود له بالطيبة والمعاملة الحسنة مع الناس.

لقد حرموه شاب من سماع صرخة ابنته الثانية، حيث تم اعتقاله أربعة أيام قبل وضع زوجته.

"اللهم إن هذا منكر" وارفعوا أيها المصلون، أكف الضراعة إلى العلي القدير : "اللهم عاقب الظالمين، واحرمهم لقاء أبنائهم كما حرموا هذا الشاب من لقاء أبنائه فْهَادْ لْعْوَاشْر".
يقول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة".

يا أبناء سيدي سليمان، إن عيدكم الحقيقي قاربت شمسه على الطلوع، و أوشكت أزهار ربيعه على البزوغ، وحينها سيُدْبرُ "المخلوضون"متخبطين بخيلهم ورجلهم، مُعلنين دحر الباطل، وانتصار الحق، حتى لا يترك العدل والكرامة بيت حجر ولا مدر إلا تغلغلا فيه، فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم.

فاللهم احفظ هذه المدينة حائزةً لكل خير سالمة من كل شر وسائر مدن المغرب يارب العالمين.. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

والسلام عليكم ورحمه الله تعالى وبركاته.

تاريخ الاضافة: 29/10/2012
طباعة