موقع الشيخ محمد فرج الأصفر || بعد انتخابات تونس والمغرب... هل ستجتاح الأردوجانية الشرق الأوسط؟
اسم المقالة : بعد انتخابات تونس والمغرب... هل ستجتاح الأردوجانية الشرق الأوسط؟
كاتب المقالة : شريف عبد العزيز

الربيع العربي على وشك دخول عامه الأول، وموجاته الارتدادية ما زالت تضرب العديد من جوانب الشرق الأوسط، وتلقي بظلالها على محيطها الإقليمي والدولي،  وقد تراوحت آثاره بين استقرار نوعي في بعض البلاد ومراوحة بين الأقدام في أماكن أخرى وتراجعات في أماكن ثالثة، ولكن الأمر الذي اتفق عليه كل المتخصصين والمراقبين للأوضاع الإقليمية، أن الربيع قد اكتسى ثوبًا إسلاميًّا واضحًا تراوحت درجاته بين الخالص والمشوب والفاتح، وأجمعت دوائر التحليل والمتابعة أن وجهًا إسلاميًّا قويًّا مقبلاً على دوائر الحكم في العديد من دول المنطقة، ومن ثم بدأ الاستعداد الفعلي لدى العديد من دوائر صنع القرار في الغرب للتعامل مع حكومات إسلامية في العديد من دول المنطقة أو على الأقل أكثرها أهمية واستراتيجية.

ـ عقدت الانتخابات التونسية وتلتها الانتخابات المغربية، وجاءت النتيجة في كلا البلدين لتؤكد على ما توقعته دوائر التحليل والمراقبة أن المنطقة مقبلة على حكم إسلامي ولكن من طراز جديد، كان لرواجه ونجاحه أبعاد أكثر من كونها داخلية، فقد نجح حزب النهضة في تونس في الفوز بـ40% من مقاعد المجلس التأسيسي، في حين نجح حزب العدالة والتنمية المغربي بأكثر من مائة مقعد في الانتخابات البرلمانية، والذي يجمع بين الحزبين هو المنهج الإسلامي المعتدل صاحب الأجندة الأقل صارمة في التطبيق، والأكثر انفتاحًا على الغرب، والأكثر قبولاً للتعددية الثقافية والسياسية، والاستعداد للتعاون مع شركاء من ذوي التوجهات العلمانية والليبرالية واليسارية أيضًا، فهل هذا الفوز المتتابع في تونس والمغرب يعني أن المنطقة ستشهد اجتياحًا للأفكار الأردوجانية؟

ـ أمريكا ومنذ صدمة أحداث سبتمبر وهي تدرس وتحلل الأسباب التي دفعت لوقوع مثل هذه الكوارث الكبرى، وقد خلصت نتائج الكثير من الدراسات التي خرجت من أكبر المراكز المتخصصة لنتيجة مفادها أن السياسات الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط، ودعم أمريكا للنظم الديكتاتورية في دول المنطقة هو السبب المباشر لتولد الأفكار المعادية للولايات المتحدة، ومن ثم بدأت أمريكا في الضغط على الأنظمة القائمة ـ وهي مجملها الآن بائدة ـ من أجل السماح بالمزيد للحريات للقوى المعارضة وهي في أغلبها قوى إسلامية بشتى أطيافها ومشاربها، ومن ثم بدأت فكرة نشر الديمقراطية الأمريكية في المنطقة، لنوع جديد من الديمقراطيات، وهي ديمقراطية من نوع جديد تسمح بإيجاد  أنظمة حكم توازن بين المطالب الشعبية الداخلية وتستجيب للضغوط الأمريكية بصورة تحقق مصالح أمريكا وتحفظ أمن "إسرائيل" من غير أن تبدو في مظهر الحليف التابع لأمريكا.

ـ هذا الفكر الأمريكي الجديد جعل الولايات المتحدة تفكر جديًّا في التعامل مع أنظمة إسلامية تصفها بالمعتدلة، لا تحمل أجندة إسلامية صارمة التطبيق  وتسمح بقدر أكبر من التعددية الثقافية والسياسية في عالم مليء بالمتغيرات والأفكار والنظريات، وباتت أمريكا تمد جسور التعاون مع الأحزاب والجماعات الإسلامية المعتدلة حسب المفهوم الأمريكي للاعتدال، وعلى رأس هذه الأحزاب السياسية حزب العدالة والتنمية التركي.

ـ حزب العدالة والتنمية التركي هو التطور الثقافي والسياسي والواقعي لحزب الرفاه التركي الذي أسسه الراحل نجم الدين أربكان والذي يعتبر أبو الإسلام السياسي في تركيا، وكان رجب طيب أردوجان وعبد الله جول وغيرهم من كوادر الحزب الشابة قد اختلفوا مع أربكان في سياسة الحزب وطريقة إدارته للعملية السياسية، وكانوا يحملون أجندة توصف بأنها أكثر انفتاحًا على الغرب وأقل تمسكًا بالتعاليم الإسلامية، ومن ثم تم الانشقاق عن حزب الرفاه وتأسيس حزب العدالة والتنمية، وهو الحزب الذي قدر له أن يكون النموذج الأمثل الذي تريده أمريكا.

ـ على الرغم من تبني الحزب لأجندة عدائية معلنة للكيان الصهيوني، ومناصرته للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية إلا أن العلاقات الأمريكية التركية مازالت تحتفظ بقوتها ومكانتها المتميزة، مما يدعو للتساؤل والتعجب في نفس الوقت، كيف تقدم تركيا على طرد السفير "الإسرائيلي" من أنقرة، ولا تعترض أمريكا أو تتذمر أو تتخذ إجراءات عقابية ضد تركيا؟ ربما يماري البعض إلى أن تركيا دولة كبيرة وقوية ومتقدمة ولها ثقل استراتيجي وإقليمي كبير، وأن أمريكا تحتاجها في موازنة الدور الإيراني في المنطقة، ولكن الحقيقة التي هي أهم من هذه المبررات الاستراتيجية أن أمريكا تريد الترويج لهذا النموذج الإسلامي الخفيف في الحكم والذي سيكون بمثابة الخلطة السحرية في التوازن بين رغبات الخارج وضغوط الداخل، وبالتالي تضمن استقرار المنطقة وتحقيق مصالح أمريكا وربيبتها "إسرائيل".

ـ نظرًا للنجاحات الانتخابية المتتالية التي حققها الحزب في انتخابات 2002 ثم 2007، على الرغم من مناوئة المؤسسة العسكرية الغالية في علمانيتها، ونتيجة للمواقف التركية المؤيدة للقضية الفلسطينية في المواقف الدولية ارتفعت شعبية تركيا وحزبها الحاكم ذي الأصول الإسلامية المعتدلة ـ حسب المفهوم الأمريكي ـ وراحت الأفكار الأردوجانية تلقى رواجًا في العالم العربي، وأخذت بعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تتطور أجندتها بما يوافق الأجندة التركية وسياسات العدالة والتنمية، وتتبنى الخطاب الأردوجاني على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتخفف من نظرتها الشرعية  لكثير من القضايا المثيرة، مثل الموقف من الفن والمرأة والليبرالية والعلمانية والسياحة وهكذا، وقد تجسد هذا الرواج في نجاح النهضة في تونس، والعدالة في المغرب، وكلاهما يعتبر امتدادًا لفكر العدالة والتنمية التركي. 

ـ وربما يتساءل البعض فيقول: ما سر القبول الشعبي لهذه الأحزاب إذا كانت تحمل أفكارًا معتدلة محل رفض من كثير من الدعاة والشيوخ أصحاب التأثير والنفوذ الواسع في الشارع العربي؟ هذه الأحزاب قد وجدت رواجًا شعبيًّا في بلاد المنطقة التي تعرضت لعهود من التغريب والعلمانية المتوحشة، والتي ألقت بظلالها على عقلية الجماهير بحيث أصبح يصعب عليها قبول النسخة الأصلية للإسلام، قبل أن تمر من مراحل تمهيدية، تكون بمثابة التحضير والإجراء الإداري والسياسي لمثل هذا القبول، ومن ثم كان النجاح اللافت لهذه الأحزاب، ناهيك عن حملات التخويف المستمرة من الأحزاب السلفية التي ساهمت بخطابها الإعلامي الحاد في تأجيج هذه الحملات.

ـ أمريكا والعالم الغربي بأسره في حالة استعداد للتعاطي مع واقع جديد في المنطقة يقوده إسلاميون على غرار النموذج التركي الذي يرضي طلبات ورغبات الشعوب ويمتص موجات غضبهم المتصاعدة، وفي نفس الوقت لا يتعارض مع السياسات الأمريكية ولا يقف حجر عثرة في طريق مصالحها الإقليمية والدولية، ولكن يا ترى هل سيكون هذا النموذج هو الأصلح والأنسب على المدى البعيد لشعوب المنطقة أم أنه سيكون بمثابة المرحلة التمهيدية لصدام آتٍ لا محالة بين الشرق والغرب مهما بعدت أيامه؟ سنرى.



تاريخ الاضافة: 30/11/2011
طباعة