ما حكم إزالة المساجد التى على أراضي الدولة؟


وعليكم السلام ورحمة وبركاته

أولاً:

ماهو تعريف الدولة؟ عُرِّفَتْ الدولة بأنها مساحة من الأرض تمتلك سكان دائمون، إقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدولية مع الدول الأخرى. ويتبين من التعريف بأن الدولة لها مقومات ثلاثة: (الأرض، الشعب، السلطة). ومن المُسلمًات في عقيدة المسلم إن هذه المقومات ملك لله سبحانه وتعالى، فهو المالك لكل ما في الكون، خالق العوالم ومالكاً لها، فله الخلق والأمر والملك.

قال تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة: 117.

وقال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) آل عمران: 109

وقال تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران: 189.

وقال تعالى: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) لقمان: 26.

وقال تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التغابن:1.

وقال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران:26.

وقال تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم

تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون) المؤمنون: 84ـ85.

ومن الأدلة السابقة تبين لنا بأن الله تعالى مالكاً لكل شئ في الأرض والسماء، ومن يمتلك ملك فهو من ملك الله تعالى وبأمر الله سبحانه وتعالى. 

ثانياً:

أن المسجد بمثابة الركيزة الأولى واللبنة الأساسية في تكوين المجتمع المسلم، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بعمارتها، وتطهيرها، وصيانتها، وإكرامها عن كل ما لا يليق بها ويناسب شرفها، لأن المساجد ما بنيت إلا لذكر الله، ولإقامة الصلاة، ولتعليم الناس أمور دينهم، وتَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)الحج: 32.

والنَّبِيُّ  قَدْ حَثَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى تَعْظِيمِ شَعَائرِ اللهِ وَتَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ، فَالنَّبِيُّ  يُخْبِرُنَا أَنَّ بُيُوتَ اللهِ لَهُا حُرْمَةٌ، وَهِيَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ، لَيْسَتْ كَسَائِرِ بُيُوتِ الْخَلْقِ، سُبْحَانَ اللهِ. وبيت الله قَدْ رَفَعَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِإِذْنِهِ، قال تعالى(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)النور: 36، هِيَ بُيُوتٌ مَرْفُوعَةٌ بِإِذْنِ اللهِ، فَلَهُا خَاصِيَّةٌ، وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَحُرْمَةً. وَالرَّسُولُ  هُوَ أَوْلَى مَنْ رَاعَى الْحُرُمَاتِ -حُرَمَاتِ اللهِ-، هُوَ أَعْظَمُ مَنْ قَدَّرَ شَعَائِرَ اللهِ، لَمَّا رَأَى النُّخَامَةَ فِي الْقِبْلَةِ، قَامَ يَحُكُّهَا بِثَوْبِهِ بِنَفْسِهِ  ، وَقَدْ تَغَيَّظَ عَلَى فَاعِلِهَا جِدًّا، وَقَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ".

والْمَسَاجِدُ هِيَ خَيْرُ الْبِقَاعِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ : "خَيْرُ الْبِلَادِ وَأَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا" رواه مسلم، فَهَذَا نَقِيضٌ وَنَقِيضٌ، هَذَا ضِدٌّ وَضِدُّهُ، مَسْجِدٌ وَسُوقٌ، وَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. والنَّبِيُّ  يُخْبِرُ أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوتَ -بُيُوتَ اللهِ- فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشَيْتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" جزء من حديث رواه مسلم.

ثالثاً:

إن انتهاك حرمة المساجد تعتد من أشد أنواع الإفساد في الأرض

قال تعالى(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)البقرة: 11ـ12.

وحرم الله عز وجل هدم المساجد أو التعرض لها بسوء، وتوعد على ذلك وعيداً شديداً، وتهديداً أكيداً، قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)البقرة:114.

قال القرطبي: " فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها. ولا يجوز نقض المسجد ولا بيعه ولا تعطيله وإن خربت المحلة، ولا يمنع بناء المساجد. ودلت الآية أيضاً على تعظيم أمر الصلاة، وإنها لما كانت أفضل الأعمال وأعظمها أجراً كان منعها أعظم إثماً. وكل موضع يمكن أن يعبد الله فيه ويسجد له يسمى مسجداً، قال صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " أخرجه الأئمة . وأجمعت الأمة على أن البقعة إذا عينت للصلاة بالقول خرجت من جملة الأملاك المختصة بربها وصارت عامة لجميع المسلمين، فلو بنى رجل في داره مسجداً وحجزه على الناس واختص به لنفسه لبقي على ملكه ولم يخرج إلى حد المسجدية، ولو أباحه للناس كلها كان حكمه حكم سائر المساجد العامة، وخرج من اختصاص الأملاك " انتهى.

وبين الله عز وجل لعباده أن الكافر لا يسعى أبداً في بناية المساجد، ولا يعتني بتشييدها، بل يسعى في خرابها، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ }التوبة: 17. من هذا المنطلق الرباني الكريم، يتبين لكل مسلم صادق، مؤمن حاذق، أن هدم بيوت الله، واستحلالٍ لحرمتها، والتعرض لروادها ، ما هو إلا حقد دفين، وحسد مبين، وفطرة منكوسة، وعقيدة فاسدة لا ترعى لدين مكانة ولا لشعائر حرمة. قال عمرو بن ميمون رحمه الله : " أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون : " المساجد بيوت الله ، وإنه لحق على الله أن يكرم من زاره " أخرجه ابن جرير، فأين إكرام بيوت الله تعالى،وأين تعظيم شعائر الله وإكرام زوار مساجد الله ؟

 ولا حول ولا قوة إلا بالله 

هذا. والله تعالى أعلى وأعلم




كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 19/09/2020
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com
Print MicrosoftInternetExplorer4