هل المقولة الشائعة لا حياء في الدين صحيحة ؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً:

هذه المقولة لا تصح مطلقاً، فهي قدح في الدين لأن الدين كله حياء فهو من وحي السماء.  ومن الإيمان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ Mohamed peace be upon him.svg، قَالَ: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ) وفي رواية (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ) رواه البخاري ومسلم.
والله عز وجل لا يأمر إلا بالفضيلة والحياء، وهي فضيلة في شرائع من قبلنا وشرعتنا السمحاء، قال تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)  الأعراف: 28.

والحياء هو خُلُقٌ يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح ، فهو من صفات النفس المحمودة التي تستلزم الانصراف من القبائح وتركها ؛ وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلق الكرام وسمة أهل المرؤة والفضل.  كما إن الحياء صفة لله تعالى أثبتها لنفسه سبحانه قال) Mohamed peace be upon him.svg إِنّ اللهَ عزّ وَجَلّ حَلِيمٌ حَيّ سِتّيرٌ ، يُحِبّ الحَيَاءَ والسّتْرَ( رواه النسائي.  وصفة من صفات الملائكة قال Mohamed peace be upon him.svg (ألا أستحي من رَجُلٍ تستحي منه الملائكة؟)  وكذلك صفة للأنبياء والصالحين من الناس فعن أبي سعيد قال: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ Mohamed peace be upon him.svg أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ) الصحيحين.

وكان يقال: " إن مما أدرك الناس من كلام البنوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت "

 وقد قيل : " الحياء نظام الإيمان فإذا انحل نظام الشيء تبدد ما فيه وتفرق ". وقال أبو حاتم : " إن المرء إذا إشتد حياؤه صان ودفن مساوئه ونشر محاسنه"

فالحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدته وإيمانه ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتي إلا بالخير، كما في الصحيحين عن النبي Mohamed peace be upon him.svg (الحياء لا يأتي إلا بخير) وفي رواية مسلم (الحياء خير كله).

ثانياً

أما القول الصحيح هو " لا حياء في العلم " الذي يصح به العبد عقيدته وعبادته، ويعرف دينه، ويقف على ما حرمه الله عز وجل وأحله.

فعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا أَمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ» ، فَقُلْتُ: فَضَحْتِ النِّسَاءَ، وَهَلْ تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟، قَالَ النَّبِيُّ Mohamed peace be upon him.svg: منتصرا لأم سليم : بل أنت تربت يداك، إن خيركن لمن تسأل عما يعنيها ، إذ رأت الماء فلتغتسل فقالت أم سلمة : وهل للنساء ماء ؟ قال : نعم فمن أين يشبههن الولد ؟ إنما هن شقائق الرجال) البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

وعن عائشة رضي الله عنها (نعم النساء نساءُ الأنصار لم يمنعهنَّ الحياء أن يتفقهن في الدين) رواه البخاري.
عائشة مدحت نساء الأنصار، أثنت عليهن بقولها: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" ففي هذا مدحٌ للنساء اللاتي لا يستحين عن تعلم علم الدين. لو كان فيه ذكر شىء يستحى منه لا ينبغي للنساء أن يستحين عن تعلم ما ينبغي أن يتعلمنه.

قال مجاهد رضي الله عنه: " لا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر".

ثالثاً:

أما عن إنً امرأة راقصة تقدم برنامج ديني، فهذه من العجائب التي كثرت في هذا الزمان، ولعلها من ارهصات الذنوب التي نراها في الليل والنهار. وعلامة من علامات ضياع  الدين والاستهزاء به ، وأن الدين أصبح يتكلم فيه كل رخيص وضيع منكر، ولا يتكلم فيه أهل الاختصاص. بل هذا من اشراط الساعة.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ Mohamed peace be upon him.svg يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) رواه البخاري.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ Mohamed peace be upon him.svg فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ Mohamed peace be upon him.svg يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: «أَيْنَ - أُرَاهُ - السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ» قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ).رواه البخاري.

قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل:43 .فهل يصح بعد هذا البيان الصريح من رب العالمين أن يسأل الناس عن دينها أهل الفجور الذين ينشرون الرذيلة والفسق بين الناس.

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور: 19.

وحديث عائشة يرويه مسروق عنها قالت: " أتى النبى صلى الله عليه وسلم ناس من اليهود , فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم , فقال: وعليكم , قالت عائشة: فقلت: وعليكم السام والذام , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة لا تكونى فاحشة , قالت: فقلت يا رسول الله أما سمعت ما قالوا: السام عليك؟ قال: أليس قد رددت عليهم الذى قالوا؟ قلت: وعليكم إن الله عز وجل لا يحب الفحش ولا التفحش، فنزلت هذه الآية (وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله) حتى فرغ " أخرجه مسلم وأحمد في مسنده. والشاهد: قوله " إن الله عز وجل لا يحب الفحش ولا التفحش".

رابعاً

الواجب على ولي الأمر منع مثل هذه الأمور للحفاظ على هيبة الدين وأهله، فإن من وظيفة ولي الأمر وواجباته اتجاه الرعية كما قال أهل العلم منها:

1ـ حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجة، وبين له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود؛ ليكون الدين محروسا من خلل، والأمة ممنوعة من زلل.

2ـحماية البيضة والذب عن الحريم؛ ليتصرف الناس في المعايش، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.

3ـ إقامة الحدود؛ لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.

4ـ أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفح الأحوال؛ لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة،ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغش الناصح، وقد قال الله تعالى: ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) ص:26.

فإن لم يفعل هذا ويؤديه على أكمل وجه فقد خان الأمانة وضيع الديانة.

فعن أَبي يَعْلى مَعْقِل بن يَسَارٍ قَالَ: سمعتُ رسول اللَّه Mohamed peace be upon him.svg يقول: (مَا مِن عبدٍ يسترعِيهِ اللَّه رعيَّةً، يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهُوَ غَاشٌ لِرَعِيَّتِهِ، إلاَّ حَرَّمَ اللَّه علَيهِ الجَنَّةَ) متفقٌ عليه. وفي روايةٍ: (فَلَم يَحُطهَا بِنُصْحهِ لَمْ يجِد رَائحَةَ الجَنَّة). وفي روايةٍ لمسلم: (مَا مِن أَمِيرٍ يَلِي أُمورَ المُسلِمينَ، ثُمَّ لا يَجهَدُ لَهُم، ويَنْصحُ لهُم، إلاَّ لَم يَدخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ).


هذا. والله تعالى أعلى وأعلم





كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 13/05/2018
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com
Print MicrosoftInternetExplorer4