الأشاعرة في ميزان أهل السنة والجماعة (2)


الأفكار والمعتقدات:

* مصدر التلقي عند الأشاعرة: الكتاب والسنة على مقتضي قواعد علم الكلام ولذلك فإنهم يقدمون العقل على النقل عند التعارض، صرح بذلك الرازي في القانون الكلي للمذهب في أساس التقديس والآمدي وابن فورك وغيرهم.

* عدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة لأنها لا تفيد العلم اليقيني ولا مانع من الاحتجاج بها في مسائل السمعيات أو فيما لا يعارض القانون العقلي. والمتواتر منها يجب تأويله، ولا يخفى مخالفة هذا لما كان عليه السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ومن سار على نهجهم حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل فرادى لتبليغ الإسلام كما أرسل معاذ إلى أهل اليمن، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها كما سمعها) الحديث، وحديث تحويل القبلة وغير ذلك من الأدلة.

* مذهب طائفة منهم وهم: صوفيتهم كالغزاليً والجامي في مصدر التلقي، تقديم الكشف والذوق على النص، وتأويل النص ليوافقه. ويسمون هذا " العلم اللدني " جرياً على قاعدة الصوفية " حدثني قلبي عن ربي " . وكما وضح ذلك في الرسال اللدنية (1/114ـ118) من مجموعة القصور العوالي، وكبرى اليقينات لمحمد سعيد رمضان البوطي، الإهداء (32ـ35). ولا يخف ما في هذا من البطلان والمخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، وإلا فما الفائدة من إرسال الرسل وإنزال الكتب.

* يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام: الأول: قسم مصدره العقل وحده وهو معظم الأبواب ومنه باب الصفات ولهذا يسمون الصفا التي تثبت بالعقل "عقلية" وهذا القسم يحكم العقل بوجوبه دون توقف على الوحي عندهم. أما ما عدا ذلك من صفات خبرية دل عليها الكتاب والسنة فإنهم يؤولونها. الثاني: قسم مصدره العقل والنقل معاً كالرؤية ــ على خلاف بينهم فيها. الثالث: قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات ذات المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو مما لا يحكم العقل باستحالته، فالحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكماً، وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلاً، وفي الرؤية جعلوه مساوياً. أما في مذهب أهل السنة والجماعة فلا منافاة بين العقل والنقل أصلاً ولا تقديم للعقل في جانب وإهماله في جانب آخر وإنما يُبدأ بتقديم النقل على العقل.

* خالف الأشاعرة مذهب السلف في إثبات وجود الله تعالى، ووافقوا الفلاسفة والمتكلمين في الاستدلال عل وجود الله تعالى بقولهم: " إن الكون حادث ولا بد له من محدث قديم وأخص صفات القديم مخالفته للحوادث وعدم حلوله فيها ومن مخالفته للحوادث إثبات أنه ليس بجوهر ولا جسم ولا في جهة ولا في مكان. وقد رتبوا على ذلك من الأصول الفاسدة ما لا يدخل تحت حصر مثل: إنكارهم صفات الرضا والغضب والاستواء بشبهة نفي حلول الحوادث قي القديم من أجل الرد على القائلين بقدم العالم " ، بينما طريقة السلف هي طريقة القرآن الكريم في الاستدلال على وجود الخالق سبحانه وتعالى.

* التوحيد عند الأشاعرة هو نفي التثنية والتعدد بالذات ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة أي نفي الكمية المتصلة والمنفصلة. وفي ذلك يقولون: " إن الله واحد في ذاته لا قسيم له، واحد في صفاته لا شبيه له، واحد في أفعاله لا شريك له. ولذلك فسروا الإله بأنه الخالق أو القادر على الاختراع، وأنكروا صفات الوجه واليدين والعين لأنها تدل على التركيب والأجزاء عندهم. وفي هذا مخالفة كبيرة لمفهوم التوحيد عند أهل السنة والجماعة، من سلف الأمة ومن تبعهم، وبذلك جعل الأشاعرة التوحيد هو إثبات ربوبية الله عز وجل دون ألوهيته وتأويل بعض صفاته. وهكذا خالف الأشاعرة أهل السنة والجماعة في معنى التوحيد حيث يعتقد أهل السنة والدماعة أن التوحيد الذي هو أول واجب على العبيد إفراد الله تعالى بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته على نحو ما أثبته تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل.

* إن أول واجب عند الأشاعرة إذا بلغ الإنسان سن التكليف هو النظر أو القصد إلى النظر في الإيمان، ولا تكفي المعرفة الفطرية ثم اختلفوا فيمن آمن بغير ذلك بين تعصيته وتكفيره. بينما يعتقد أهل السنة والجماعة أن أول واجب على المكلفين هو عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له، توحيد الألوهية بدليل الكتاب والسنة والإجماع، وأن معرفة الله تعالى أمر فطري مركوز في النفوس.

*يعتقد الأشاعرة تأويل الصفات الخبرية كالوجه واليدين والعين واليمين والقدم والأصابع وكذلك صفتي العلو والاستواء. وقد ذهب المتأخرون منهم إلى تفويض معانيها إلى الله تعالى على أن ذلك واجب يقتضيه التنزيه، ولم يقتصروا على تأويل آيات الصفات بل توسعوا في باب التأويل، حيث شمل أكثر نصوص الإيمان، خاصة فيما يتعلق بإثبات الزيادة والنقصان، وكذلك موضوع عصمة الأنبياء. أما مذهب السلف فإنهم يثبتون النصوص الشرعية دون تأويل معنى النص ـ بمعنى تحريفه ـ أو تفويضه، سواءاً كان في نصوص الصفات أو غيرها.

* الأشاعرة في الإيمان: بين المرجئة التي تقول يكفي النطق بالشهادتين دون العمل لصحة الإيمان، وبين الجهمية التي تقول يكفي التصديق القلبي. ورجع الشيخ حسن أيوب من المعاصرين إن المصدق بقلبه ناج عند الله وإن لم ينطق بالشهادتين، وماله إليه رمضان البوطي، وفي هذا مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ومخالفة لنصوص القرآن الكريم الكثير منها: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الجاثية:21.

وعليه يكون إبليس من النجين من النار لأنه من المصدقين بقلوبهم، وكذلك أو طالب عم النبي Mohamed peace be upon him.svg ولم يكن هناك داع لحرص النبي Mohamed peace be upon him.svg على قوله لا إله إلا الله محمد رسول الله وغير ذلك.

*الأشاعرة مضطرون في قضية التكفير، فتارة يقولون لا نكفر أحداً، وتارة يقولون لا نكفر إلا من كفرنا، وتارة يقولون بأمور توجب التفسيق والتبديع أو بأمور لا توجب التفسيق والتبديع، فملاً يكفرون من يثبت علو الله الذاتي أو من يأخذ بظواهر النصوص حيث يقولون: إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول التكفير.

* أما أهل السنة والجماعة، فيرون أن التكفير حق لله تعالى لا يطلق إلا على من يستحقه شرعاً، ولا تردد في إطلاقه على من ثبت كفره بإثبات شروط وانتفاء موانع.

* قولهم بأن القرآن ليس كلام الله على الحقيقة ولكنه كلام الله النفسي وإن الكتب بما فيها القرآن مخلوقة، يقول صاحب الجوهرة: "يمتنع أن يقال إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم" وذلك في محاولة لم يحالفها النجاح للتوفيق بين أهل السنة والجماعة، والمعتزلة. أما مذهب أهل السنة والجماعة فهو: أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمه موسى ـ عليه السلام ـ ويسمعه الخلائق يوم القيامة. يقول تعالى:( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) التوبة:6.

* والإيمان والطاعة بتوفي الله، والكفر والمعصية بخذلانه، والتوفيق عند الأشعري، خلق القدرة على الطاعة، والخذلان عنده: خلق القدرة على المعصية، وعند بعض أصحاب الأشعري، تيسير أسباب الخير هو التوفيق وضده الخذلان.

* كل موجود يصح أن يرى، والله موجود يصح أن يُرى، وقد ورد في القرآن أن المتزلة وإؤمنين يرونه في الآخرة، قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) القيامة:22ـ23، ولكن يرى الأشاعرة إنه لا يجوز أن تتعلق به الرؤية على جهة ومكان وصورة ومقابلة واتصال شعاع فإن كان كل ذلك مستحيل. وفي ذلك نفي لعلو الله تعالى والجهة بل ونفي للرؤية نفسها. ويقترب الرازي كثيراً من قول المعتزلة في تفسيره للرؤية بأنها مزيد من الانكشاف العلمي.

* حصر الأشتعرة دلائل النبوة بالمعجرات التي هي الخوارق، موافقة للمعتزلة وإن اختلفوا معهم في كيفية دلالتها على صدق النبي، بينما يرى جمهور أهل السنة أن دلائل ثبوت النبوة، للأنبياء كثيرة ومنها المعجزات.

* صاحب الكبيرة إذا خرج منن الدنيا بغير توبة حكمة إلى الله تعالى، إما أن يغفر له برحمته، وإما أن يشفع فيه النبي Mohamed peace be upon him.svg، موافقة لمذهب أهل السنة والجماعة.

* يعتقد الأشاعرة أن قدرة العبد لا تأثير له في حدوث مقدورها ولا في صفة من صفاته، وأن الله تعالى أجرى العادة بخلق مقدورها مقارناً لها، فيكون الفعل خلقاً من الله وكسباً من العبد لوقوعه مقارناً لقدرته. ولقد عدً المحققون "الكسب" هذا من محالات الكلام وضربوا له المثل في الخفاء والغموض، فقالوا: "أخفى من كسب الأشعري"، وقد خرج إمام الحرمين وهو من تلاميذ الأشعري عن هذا الرأي، وقال بقول أهل السنة والجماعى بل والأشعري نفسه في كتاب الإبانة رجع عن هذا الرأي.

* قالوا بنفي الحكمة والتعليل في أفعال الله مطلقاً، ولكنهم قالوا إن الله يجعل لكل نبي معجزة لأجل إثبات صدق النبي فتناقضوا في ذلك بين ما يسمونه نفي الحكمة والغرض بين إثبات الله للرسول، المعجزة تقريقاً بينه وبين المتنبئ.

* والفق الأشاعرة أهل السنة والجماعة في الإيمان بأحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر والنشر، والميزان والصراط، والشفاعة والجنة والنار، لأنها من الأمور الممكنة التي أخبر بها الصادق Mohamed peace be upon him.svg، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة وبذلك جعلوها من النصوص السمعية.

* كما وافقوهم في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم، وأن ما وقع بينهم كان خطاً وعن اجتهاد منهم، ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم، لأن الطعن فيهم إما كفراً، أو بدعة، أو فسق، كما يرون الخلافة في قريض وتجوز الصلاة خلف كل برٍ وفاجر، ولا يجوز الخروج على أئمة الجور. بالإضافة إلى موافقة أهل السنة في أمور العبادات والمعاملات.

وللحديث بقية 





كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 29/03/2018
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com
Print MicrosoftInternetExplorer4