إياكم ورسول الله أيها الكافرون ( 1 )



الحمد لله رب العالمين أتم على أهل الإيمان  نعمتهُ بنعمتهِ ، وأرسل لهم رحمته برحمته وبعث لهم نُوره بنورهِ ، سبحانه من إله عظيم رافع النبي ومجلًه ، وقاهر شائعه ومذله ، اختار نبيه من صفوة صفوة الخلق ، فالكل خلقوا من أجل عبادة ربه ، وإتباع سنة نبيه وطريقه ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى عترته الطاهرة وسائر أهله ، ومن دعى بدعوته واستن بسنته وجعل طاعة الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم غايته وشغلته.

وبعـــــــــد

فرسولنا صلى الله عليه وسلم خاتم أنبياء الله ورسله ، وخيرته

من خلقه ، وأمينه على وحيه ، فاتح أبواب الهدى ، ومنقذ

البشرية من الردى ، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور

بإذن ربهم إلى صراط الله العزيز الحميد.

بعثه ربه للإيمان منادياً ، وإلى ساحة القرب من الله داعياً ،

وبكل معروف آمراً ، وعن كل منكر ناهياً ، فأحيى به القلوب

بعد مواتها ، وأنارها بعد ظلماتها ، وألف بين شتاتها ، فسارت

دعوته سيرة الشمس في الأنظار،وبلغ دينه الذي ارتضاه الله

مبلغ الليل والنهار.

رسول الله منارة الكون

الإنسان منذ وجد على الأرض وهو طلعه مشوق دائماً إلى تعرف ما في كون الله المحيط به من سنن إلهية مطردة أودعها الله تعالى في حركة نظامه وكلما أمعن النظر فيما عليه الكون ترتيب دقيق ،ونظام عجيب ، وصنع بديع سبحت روحه في ساحة التفكير ممجدة ذلك الخالق العظيم.

ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، خير الأنام شبيه بالوجود كله، فهو نبض الحياة محشود بالفضائل الربانية ، والمنح الإلهية ، فالأنبياء من قبله يسيرون على نهجه ، والأمة من بعده يتلمسون جوانب العظمة الإنسانيةفيه ، ويتأملون مظاهر اسماء الله جلت قدرته في عقله وفي خلقه ، وفي حلمه وكماله ، وكلما استطاعوا الوصول إلى شئ فقد فاتهم كمال المعرفة ، وأمامهم أمد طويل ، وبعد شاسع ، وطريق لا ناهية له ، وإلا فمن ذا الذي يستطيع أن يجمع نور الشمس كله في يده؟

ولا عجب فمحمد صلى الله عليه وسلم أُعد لأن يحمل الرسالة

للعالم أجمعه أحمره وأسوده إنسه وجنه.. وأُعد كذلك لأن يحمل

رسالة أكمل دين ، ويختم به وكب النبيين والمرسلين ، وأن

يكون شمس الهداية للناس أجمعين ، وفيضاً من رحمة الله

للعالمين والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم ، يجد من

جوانب العظمة نواحي شتى يقف العقل الإنساني أمامها منبهراً

حيران ، وفي رحاب جلالها خاشعاً ، ويقلب المؤمن بصره في

هذا الكون الإنساني الذي جمع الله تعالى كل صفات من صفات

جلاله وجماله وكماله في رجلٍ واحدٍ ، وهنا يرجع البصر وهو

حسير ، ويتوقف العقل أما سر هذه العظمة وهو كليل إذ:

ليس على الله بمستنكر      أن يجمع الله العالم في واحد

لن تنالوا من نبينا

لن يستطيع أحد أن ينال من رسولنا الكريم صلى الله عليه

وسلم، فقد عصمه الله من كيد الكافرين حياً وميتاً. فمهما فعلتم

ودبرتم وكدتم ، فهو مردود إليهم في نحوركم

قال تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة : 67

نعم الله يعصمك من الناس، لأنك حبيب رب الناس وسيد الناس

، ومنقذ الناس من الضلال والكفران والنيران.

وهذه الآية فيها دليل على نبوته ، ولن يستطيع أهل الأرض جميعاً ولو اجتمع على قلب رجل واحد أن يضروه صلى الله عليه وسلم ، لأن الله عز وجل أخبر أنه معصوم ، ومن ضمن سبحانه له العصمة فمن يستطيع أن ينال منه.

عن جابر بن عبد الله قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها , قال : وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر , قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده فقال لي : من يمنعك مني - قال - قلت : الله ثم قال في الثانية من يمنعك مني - قال - قلت : الله قال فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم  

وكان أبو طالب يرسل كل يوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزل : " والله يعصمك من الناس " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا عماه إن الله قد عصمني من الجن والإنس فلا أحتاج إلى من يحرسني ).

وأما عصمته وهو ميت بأبي هو وأمي

فقد تعرض قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مُحاولات نبش

فالمحاولة الأولى: من قِبَل العُبيديين الرافضة في عهد الحاكم بأمر الله العبيدي حيث أشار عليه أحد الزنادقة بإحضار جسد الرسول إلى مصر لجذب الناس إليها
بدلا من المدينة وقاتلهم أهلها وفي اليوم التالي أرسل الله ريحا للمدينة تكاد الأرض تزلزل من قوتها مما منع البغاة من مقصدهم.

والمحاولة الثانية: جماعة من الروافض وصلوا من حلب فأهدوا إلى أمير المدينة الشريفة من الأموال والجواهر ما لم يخطر ببال والتمسوا منه أن يُخْرِجُوا جسد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل أمير المدينة إلى صواب الموصلي وقال له : إن في هذه الليلة يصل إليك كذا وكذا من الرجال ، فحين يصلون إليك سَلِّم إليهم مفتاح الحجرة الشريفة النبوية ولا تتشاغل عنهم قال صواب : فأخذتني رعدة ودهشة ولا أدري إلام يئول الأمر ، فانتظرت فلما كان نصف الليل أقبل أربعون رجلا ، فدخلوا من باب السلام ، فسلمت إليهم مفتاح الحجرة المطهرة ، فإذا معهم المقاحف والمكاتل وآلات الحفر ، فعرفت مرادهم وغاب حسي من الهيبة النبوية ، ثم سجدت لله وجعلت أبكي وأتضرع ، فما نظرت إلاَّ وقد انشقت الأرض واشتملتهم بجميع ما معهم من آلات الحفر ، والْتَأَمَتْ لِسَاعتها ، وذلك عند المحراب العثماني ، فسجدت شكرا لله فلما استبطأ الأمير الخبر أرسل لي رسولاً فأخبرته بما رأيت ، فطلبني عاجلا فوصلت إليه ، فإذا هو مثل الوَالِه ، فسألني مشافهة فحققت له ما رأيت ، فقال : إن خرج منك هذا الأمر قتلتك ! فلم أزل ساكتا عن بث هذا الأمر مدة حياة ذلك الأمير خوفا منه .

وأما المحاولة الثالثة : وهي مشهورة وكانت في زمن نور الدين ، رأى نور الدين النبي في نومه ليلة ثلاث مرات وهو يشير إلى رجلين أشقرين يقول: أنجدني من هذين ، فأرسل إلى وزيره وتجهّزا في بيته ليلتهما على رواحل خفيفة في عشرين نفرًا ، وصحب مَالاً كثيرا ، فَقَدِم المدينة في ستة عشر يوما فَزَار ، ثم أمر بإحضار أهل المدينة بعد كتابتهم ، وصار يتأمل في كل ذلك تلك الصفة إلى أن انقضت الناس ، فقال : هل بقي أحد ؟ قالوا : لم يبق سوى رجلين صالحين عفيفين مغربيين يُكْثِرَان الصدقة ، فطلبهما ، فرآهما الرجلين اللذين أشار إليهما عليه الصلاة والسلام ، فسأل عن مَنْزِلهما فأخبر أنهما في رباط بقرب الحجرة الشريفة ، فأمسكهما ومضى إلى مَنْزِلهما فلم ير غير ختمتين وكُتبا في الرقائق ومالاً كثيرا ، فأثنى عليهما أهل المدينة خيرا ، فبقي مترددا متحيرا ، فرفع حصيرا في البيت فرأى سردابا محفورا ينتهي إلى صوب الحجرة ، فارتاعت الناس لذلك ، فقال لهما السلطان : أصدقاني ، وضربهما ضربا شديدا ، فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى في زِيّ حجاج المغاربة ، وأمالوهما بالمال العظيم ليتحيّلا في الوصول إلى الجناب الشريف ونقله وما يترتب عليه ، فَنَزَلا قرب رباط وصارا يحفران ليلا ، ولكل منهما محفظة جلد ، والذي يجتمع من التراب يخرجانه في محفظتيهما إلى البقيع إذا خرجا بِعِلّة الزيارة ، فلما قرب من الحجرة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجف عظيم ، فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة فلما ظهر حالهما بكى السلطان بكاء شديدا ، وأمر بضرب رقابهما ، فَقُتِلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة المسمى الآن شباك الجمال ، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها وأذاب ذلك الرصاص وملأ الخندق ، فصار حول الحجرة سور من رصاص إلى الماء .

وأما الرابعة: وهي مشهورة أيضاً في زمن السلطان صلاح الدين ، قصد الإفرنج المقيمون بالكرك والشوبك المسير لمدينة رسول الله صل الله عليه وسلم لينبشوا قبره الشريف وينقلوا جسده الكريم إلى بلادهم ويدفنوه عندهم ولا يمكنوا المسلمين من زيارته إلاَّ بِجُعْل ، فأنشأ البرنس أرباط صاحب الكرك سُفُنًا حملها على البر إلى بحر القلزم ، وركب فيها الرجال ، وسارت الإفرنج ومضوا يريدون المدينة الشريفة ، فكان السلطان صلاح الدين على حوران ، فلما بلغه ذلك بعث إلى سيف الدولة بن منقذ نائبه بمصر يأمره بتجهيز حسام الدين لؤلؤ الحاجب خلف العدو ، فاستعد لذلك وسار في طلبهم حتى أدركهم ولم يبق بينهم وبين المدينة الشريفة النبوية إلاَّ مسافة يوم ، وكانوا نيفاً وثلاثمائة ، وقد انضم إليهم عدة من العربان المرتدَّة ، ففرت العربان و التجأ الإفرنج إلى رأس جبل صعب المرتَقى ، فصعد إليهم في نحو عشرة أنفس وضايقهم فيه فخارت قواهم بعد ما كانوا معدودين من الشجعان وقبض عليهم وقَيدوهم وحَملهم إلى القاهرة

وللحديث بقية

إن قدر الله لنا البقاء

واللقاء




كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 19/01/2015
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com
Print MicrosoftInternetExplorer4