كشف الخفاء عن الخلافــة والخلفـاء ( 1 )


الحمد لله الذي جعل الخلافة والنبوة بإمامها الأعظم ثابتة القواعد، ومد رواقها الخلفاء الراشدين ومن بعضهم على كافة الأمة فأروى يصوب عاهده المعاهد، وصير بيتها المعمور كعبة للقاصد، ومحرابها الأمامي وجه للمقاصد
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يتجاوز فضلها الحد، ويتوارثها الخلف عن السلف ، فيرويها الابن عن الأب، والأب عند الجد،

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أفضل نبي عمت دعوته أقاصي الكون على بعد المسافة،
وبقيت معجزته على مر الزمان حيث بشر عمه العباس أن ببنيه تختم الخلافة،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين قلدوا أمور الملة فحموا سرحها وصانوا، وحملوا أعباء الشريعة
فما ضعفوا عن حملها وما استكانوا، صلاة يدوم في الوجود حكمها، ولا ينقطع على تعاقب الأيام رسمها
أما بعــــــد
سبب كتابة الموضوع
ما يجري من أحداث والتباس بعض الناس في مسألة (الخلافة الإسلامية)، تارة بظهور جماعات تحت هذا المسمى ليس لها علاقة بالإسلام مما تقوم به من أفعال تخالف تعاليم الشريعة وسماحة الإسلام ، وتسوء إلى هذا الدين وتعاون أهل الكفر على التشنيع والتهويل بأن الإسلام هو الإرهاب، وتارة ممن يشكك بأن الخلافة الإسلامية لن تأتي ولن تقوم وإنها درب من الخيال مكذباً بذلك حديث الصادق المصدق صلى الله عليه وسلم ، وتارة بتصريحات بعد الذين لا علم لهم ولا دين بأن الخلافة الإسلامية تطرف وإرهاب وليس لها علاقة بمفهوم الإسلام الصحيح.
فأردت أن أقدم هذا المقال للبحث في صحة هذا الكلام حتى يفهم الجاهل ويثبت الحائر ونعلم ما يدور حولنا وما يحوك لنا من مخططات لضربنا في مقتل.
الخلافة في الأرض:
إن من أسباب خلق آدم ونزوله من الجنة هي خلافة الأرض وعمارها،فأورث عزووجل لبعض الأنبياء والمرسلين بالإمامة العامة ،
ووعد سبحانه وتعالى، باستخلاف وإرث الأرض لعباده الصالحين، وهذه من سنن الله في الأرض ، ابتلاء بعضنا ببعض ليظهر أينا أقوم وأقرب إلى العدل والحق فيكون حجة له على الخلق ولينتقم من الظالمين، تارة بأمثلهم من المفسدين وتارة بأضدادهم من المصلحين، وتكون عاقبة التنازع للمتقين، فالمتقون هم الذين يتقون باب الخيبة والفشل، ويسيرون على سنن الله الشرعية والكونية في العمل، فعهد الله تعالى بالإمامة العامة لنبيه وخليله إبراهيم وللعادلين من ذريته غير الظالمين، ووعد بها قوم موسى من بني إسرائيل، وقوم محمد صلى الله عليه وسلم من بني إسماعيل.
قال تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة ) البقرة: 30
وقال تعالى:(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) الأعراف: 137
وقال تعالى:(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) القصص:5
وقال تعالى:(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) النور : 55
وقوله تعالى:(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) ص : 26
تعريف الخلافة:
لغة: الخلافة فهي في الأصل مصدر خلف، يقال: خلفه في قومه يخلُفه خلافة
فهو خليفة. ومنه قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) الأعراف: 142. ثم أطلقت في العرف العام على الزعامة العظمى، وهي الولاية العامة على كافة الأمة
اصطلاحا: الخلافة والإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين ، هي رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الماوردي: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
وعلى هذا نجد بأن كلام سائر علماء العقائد والفقهاء من جميع مذاهب أهل السنة لا يخرج عن هذا المعنى.
حكم الخلافة:
أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب
الإمام وتوليته على الأمة واجب على المسلمين شرعاً، وهو فرض كفاية، كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط، ففرضها على الكفاية.
وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان: أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إماماً للأمة، والثاني أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة،
وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم، وإذا تميز هذان الفرقان من الأمة في فرض الإمامة وجب أن يعتبر كل فريق منهما بالشروط المعتبرة فيه.
الشروط المعتبرة في الخليفة:
يجب أن تتوفر في الخليفة سبعة شروط حتى يكون أهلاً للخـلافة، وحتى تنعقد البيعة له بالخـلافة. وهذه الشروط السبعة شروط انعقاد، إذا نقص شرط منها لم تنعقد الخـلافة.
شروط الانعقاد وهي:

أولاأن يكون مسلماً. فلا تصح الخـلافة لكافر مطلقاً، قال تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}. النساء : 114
والخليفة هو وليّ الأمر، ويشترط أن يكون وليّ أمر المسلمين مسلماً. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ} النساء: 58
وقال:{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ}النساء: 83 ولم ترد في القرآن كلمة (أولي الأمر) إلا مقرونة بأن يكونوا من المسلمين، فدلّ على أن وليّ الأمر يشترط فيه أن يكون مسلماً.
ثانياً:
أن يكون ذكراً. فلا يجوز أن يكون الخليفة أنثى، أي لا بد أن يكون رجلاً، فلا يصح أن يكون امرأة. فعن أبي بَكْرَة قال: (لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولّوْا أمرهم امرأة) رواه البخاري. فإخبار الرسول بنفي الفلاح عمن يولون أمرهم امرأة هو نهي عن توليتها، إذ هو من صيغ الطلب، وكون هذا الإخبار جاء إخباراً بالذم لمن يولون أمرهم امرأة بنفي الفلاح عنهم، فإنه يكون قرينة على النهي الجازم، فيكون النهي هنا عن تولية المرأة قد جاء مقروناً بقرينة تدل على طلب الترك طلباً جازماً، فكانت تولية المرأة حراماً.
ثالثاً:
أن يكون بالغاً. فلا يجوز أن يكون صبياً، فعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(رُفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ) رواه أبو داود
، ومن رفع القلم عنه لا يصح أن يتصرف في أمره، وهو غير مكلف شرعاً، فلا يصح أن يكون خليفة.
رابعاً:
أن يكون عاقلاً. فلا يصح أن يكون مجنوناً؛ للحديث سالف الذكر: (المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق). ومن رُفع عنه القلم فهو غير مكلف؛ لأن العقل مناط التكليف، وشرط لصحة التصرفات. والخليفة إنما يقوم بتصرفات الحكم، وبتنفيذ التكاليف الشرعية، فلا يصح أن يكون مجنوناً؛ لأن المجنون لا يصح أن يتصرف في أمر نفسه، ومن باب أولى لا يصح أن يتصرف في أمور الناس.
خامساً:
أن يكون عدلاً. فلا يصح أن يكون فاسقاً. والعدالة شرط لازم لانعقاد الخـلافة ولاستمرارها؛ لأن الله تعالى اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً. قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}الطلاق: 2. فالذي هو أعظم من الشاهد، وهو الخليفة، من باب أولى أنه يلزم أن يكون عدلاً؛ لأنه إذا شرطت العدالة للشاهد، فشرطها للخليفة من باب أولى.
سادساً:
أن يكون حراً. لأن العبد مملوك لسيده فلا يملك التصرف بنفسـه. ومن باب أولى أن لا يملك التصـرف بغيره، فلا يملك الولاية على الناس.
سابعاً:
أن يكون قادراً. من أهل الكفاية على القيام بأعباء الخـلافة؛ لأن ذلك من مقتضى البيعة، إذ إن العاجز لا يقدر على القيام بشؤون الرعية بالكتاب والسنة اللذين بويع عليهما. ولمحكمة المظالم تقرير (صنوف العجز) التي يجب أن لا تكون في الخليفة لكي يكون قادراً من أهل الكفاية.
شروط الأفضلية
هذه هي شروط انعقاد الخـلافة للخليفة، وما عدا هذه الشروط السبعة لا يصلح أيُ شرط لأن يكون شرط انعقاد، وإن كان يمكن أن يكون شرط أفضلية إذا صحت النصوص فيه، أو كان مندرجاً تحت حكم ثبت بنص صحيح؛ وذلك لأنه يلزم في الشرط، حتى يكون شرط انعقاد، أن يأتي الدليل على اشتراطه متضمناً طلباً جازماً حتى يكون قرينة على اللزوم. فإذا لم يكن الدليل متضمناً طلباً جازماً كان الشرط شرط أفضلية، لا شرط انعقاد، ولم يرد دليل فيه طلب جازم إلا هذه الشروط السبعة؛ ولذلك كانت وحدها شروط انعقاد. أما ما عداها مما صح فيه الدليل فهو شرط أفضلية فقط، كأن يكون قرشياً، أو مجتهداً، أو ماهراً في استعمال السلاح، أو نحو ذلك مما ورد فيه دليل غير جازم.
طرق اختيار الخلفاء الراشدين للحكم:
أبو بكر الصديق : اختير للخلافة بطريق الانتخاب حيث اختير في أعقاب بيعة السقيفة والنقاش الذي دار بين الأنصار والمهاجرين وسميت هذه الطريقة بطريقة الاختيار واطلق عليها البعض الانتخاب الاستشاري وكانت على مرحلتين : البيعه الخاصة وهي بيعة السقيفة ثم البيعة العامة التي تلتها فيما بعد في المسجد.
2ـ عمر بن الخطاب :اختير على يد أبي بكر الصديق وسميت هذه الطريقة بالعهد . إذ عهد إلية أبو بكر بالخلافة من يعده وذلك بعد أن استشار أبو بكر كبار الصحابة ( أصحاب الحل والعقد ) .
عثمان بن عفان : حسب طريقة الشورى . إذ عين الخليفة عمر وهو على فراش الموت مجلسا استشاريا مكونا من ستة أشخاص وابنه عبد الله سابعهم شرط ألا يكون مرشحا (عثمان بن عفان،علي بن أبي طالب،عبد الرحمن بن عوف، سعد بن أبي وقاص، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام ) وعهد إلى المجلس باختيار الخليفة وبهذه الطريقة اختير عثمان ثالث الخلفاء الراشدين .
4ـ علي بن أبي طالب:أصبح خليفة بطريقة الاختيار حيث بايعه قتلة عثمان بعد مقتل عثمان مبايعة.
وللحديث بقية


كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 30/10/2014
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com
Print MicrosoftInternetExplorer4