هل ما زالت أمريكا مذعورةً من "القاعدة" ؟


هناك أحداث صغيرة وقعت خلال التاريخ الإنساني كان لها أكبر الأثر في مسيرة وحركة التاريخ لفترة طويلة، فالشاب الصربي المهووس الذي اغتال ولي عهد النمسا في سرايفيو سنة 1914، لم يكن يدري أنه سيشعل حربًا عالمية يسقط خلالها الملايين من القتلى والجرحى، وكذلك لم يكن البوعزيزي يدري أنه بقتله لنفسه سيطلق شرارة الثورات الإسلامية العربية المباركة في الشرق الأوسط والتي أطاحت بالعروش القديمة ـ تونس ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن وسوريا في الطريق ـ والحبل على الجرار، وأيضًا لم يكن يدرى تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن أن أحداث سبتمبر ستغير وجه العالم، وتعيد تشكيل المحاور والتحالفات، وتجعل الحرب على العالم الإسلامي دينًا وشعوبًا أكثر وضوحًا وأشد حدة وأسرع وتيرة، وعلى الرغم من كل ما يقال من سلبيات ومساوئ وإساءات للإسلام والمسلمين تسببت فيها هذه الأحداث إلا أنها كشفت كثيرًا من الحقائق والدسائس والمؤامرات التي كانت ستظل طي الكتمان وخافية على كثير من الضحايا.

عشر سنوات من الزمن مضت على هجمات 11 سبتمبر 2001 التي اعتبرت نقطة تحول في تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والعديد من العالم الإسلامي، نتيجة التغيرات التي طرأت على السياسة الأمريكية الخارجية التي هيمن عليها المحافظون وزعيمهم الذي كان يزعم أن الله تعالى يكلمه ويكلفه بقتال العرب والمسلمين، بحيث لا تزال تداعياتها مستمرة وتؤثر على مصالح شعوب العالم بما فيها الشعب الأمريكي.

القاعدة ما زالت تمتص أقوى الضربات الموجهة إليها وتتحدى الانهيار في تنظيمها بعد كل هذه التكلفة التي كبدت واشنطن آلاف القتلى والجرحى في العراق وأفغانستان ومئات المليارات من الدولارات التي أنفقت على ما يعرف بالحرب على الإرهاب والجهد العسكري، وخسرت واشنطن تصنيفها الاقتصادي العالمي وشعر مواطنوها بالتضييق على حرياتهم بسبب القوانين التي مررها المحافظون في الإدارة الأمريكية ".

هذه الصلابة والتحدي التي عليها التنظيم  جعلت الولايات المتحدة  ترى في القاعدة التهديد الأول لها وللغرب برغم مقتل آلاف من عناصر تنظيم القاعدة وعلى رأسهم زعيمها "أسامة بن لادن"، ولكن كل هذه الضربات وإن كانت أقنعت أغلب الحكومات العربية والإسلامية بخطورة القاعدة وفكرها على العالم ،إلا أنه لم تمح أبدًا من وجدان شعوب المنطقة فكرة عداوة أمريكا الدينية للعالم الإسلامي، نلاحظ ذلك في اتساع فكرة ونظرية المؤامرة الغربية على الإسلام، وأن واشنطن تحمل لواء حرب صليبية جديدة على الإسلام.

عشر سنوات على مرور هذا الحدث الجلل الذي غيَّر وجه العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط التي كانت وما زالت وستظل أرضًا للصراعات الدينية والعقائدية إلى قيام الساعة، عشر سنوات مرت وما زالت هناك الكثير من الأمور الغامضة والأسئلة الحائرة عن هذه النازلة، مئات الكتب والأبحاث والمؤتمرات التي ناقشت هذه الحادثة، كيفية وقوعها وتفاصيل أحداثها، وما زالت نظرية المؤامرة حاضرة وبقوة عند تفسير هذه الحادثة، ولكن الشيء الوحيد الذي لم يتغير في القضية في وسط الزخم الكبير من المتناقضات والرأي و الرأي الآخر أن أمريكا ما زالت تعاني من آثار هذه الحادثة، وأنها ما زالت مذعورةً خائفةً مرعوبةً، لم تنزل بمستوى التهديد يومًا عند المستوى الطبيعي أو العادي، بل يتراوح بين المتوسط والعالي والأقصى.

أمريكا رغم نجاحها في اغتيال عدوها اللدود "أسامة بن لادن" في 2 مايو 2011 إلا أنها ما زالت تعيش في أجواء من الرعب والفزع خوفًا من انتقام التنظيم لمقتل زعيمه وملهمه "أسامة بن لادن"، وفي 22 يوليو الماضي وجهت وزارة الأمن الداخلي الأميركية تحذيرًا إلى آلاف المسئولين عن المنشآت الصناعية في البلاد من خطر شن اعتداءات من قبل القاعدة. وقد أشارت الوزارة إلى أن مثل هذه الاعتداءات قد تشن بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتداءات 11سبتمبر 2001 وقد تنفذها «عناصر متسللة» إلى المجمعات الكيميائية ومصافي النفط، حسب ما ذكرت محطة التليفزيون الأميركية «آي بي سي» وذلك بحسب وثائق عثر عليها في مخبأ الشيخ الراحل "أسامة بن لادن".

البعض يرى أن أمريكا تتصنع الفزع والخوف الدائم من تهديدات القاعدة لتبرير مواصلة حملتها الشرسة على العالم الإسلامي، وتكريس هيمنتها وزعامتها على العالم الجديد أحادي القطبية، وأن القاعدة لا تمثل تهديدًا يذكر على أمريكا وغيرها، خاصة بعد فقدان التنظيم لكثير من شعبيته وجاذبيته بعد نجاح الثورات العربية في المنطقة، ناهيك عن الفراغ الكبير الذي تركه الشيخ الراحل "أسامة بن لادن" الذي كان بمثابة الرمز والكريزما الفائقة لكثير من الشباب المؤمن بفكر وأيدلوجية التنظيم محل الخلاف الدائم، بالتالي فأمريكا ما زالت تواصل دجلها السياسي والإعلامي لتمرير وتبرير كثير من خطواتها الإستراتيجية والعسكرية في المنطقة.

وتصريحات الساسة الأمريكان تأتي متناقضة أحيانًا في هذا السياق، فقد  قالت وزيرة الأمن الداخلي "جانيت نابوليتانو" يوم الجمعة الماضية: إن أمريكا ستظل في حالة تأهب قصوى ضد أية تهديدات محتملة مع اقتراب الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر، وقالت "نابوليتانو" في بيان لها : " إنه مع اقتراب الذكرى العاشرة لهجمات11 سبتمبر 2001 الإرهابية، تظل سلامة وأمن الجماهير الأمريكية أولويتنا القصوى" ، وأضافت بتناقض واضح قائلةً: "إنه رغم عدم وجود معلومات إستخباراتية محددة أو موثقة بأن القاعدة أو الجماعات المرتبطة بها تخطط لشن هجمات على الولايات المتحدة بمناسبة الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر، إلا أننا سنظل في أقصى حالات التأهب، وتطبيق إجراءات أمنية لاكتشاف المؤامرات التي تدبر ضد الولايات المتحدة، ومنعها".

وسواء كانت أمريكا تتصنع الفزع أم هي فزعة حقًّا، فهذا ليس الذي يهم أمريكا على أرض الواقع؛ ذلك أن أمريكا وجب عليها أن تفزع من أمر آخر، فإن العالم تغير كثيرًا بعد عشر سنوات من أحداث سبتمبر، ولكن قمة هذه التغييرات قد وقعت منذ مطلع سنة 2011 التي تفجرت فيها الثورات الشعبية في دول المنطقة، وهو الأمر الذي يجب أن يفزع أمريكا حقًّا، فالحكومات المرتعشة الموالية لأمريكا والخائنة لشعوبها ولدينها قد سقطت وذهبت إلى غير رجعة، ومن المتوقع أن تأتي حكومات وطنية تؤثر مصالح شعوبها وسيادة دولها وبلادها وأمتها العربية والإسلامية على مصالح أمريكا وحلفائها، ولن تجد أمريكا أمثال مبارك وزين العابدين والقذافي  وصالح وغيرهم لتملي عليهم إرادتها النافذة وأوامرها التي لا ترد، ولو انحازت تركيا ودول جنوب شرق آسيا للدول العربية والإسلامية، فهذا هو الخطر الداهم الذي ينذر بزوال أمريكا وانهيار حلفها المقدس ضد العالم الإسلامي، فهل سنرى مثل هذا التنظيم الجديد والحلف العالمي الجديد الذي يطيح بالكابوس الأمريكي وينهي طموحاته وآماله للأبد، وبعد ما رأيناه من سقوط عروش طغاة الشرق الأوسط، فكل الاحتمالات واردة، والمستحيلات أصبحت أيسر وأقرب مما كان يحسب ويتخيل الكثيرون.





كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 09/09/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com