الورقة الأردنية لإجهاض إقامة الدولة الفلسطينية !


مع اقتراب شهر سبتمبر تتعاظم المخاوف الصهيونية من توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لإعلان دولتهم المستقلة، بعد سنوات طويلة من المفاوضات الفاشلة التى لم تسفر سوى عن تراجع عربي ملحوظ فى كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وتسعى قيادات الكيان الصهيوني وبشتى السبل فى الآونة الحالية إلى إجهاض هذه العملية سواء بالطرق الدبلوماسية عبر أروقة الأمم المتحدة أو من خلال استخدام الورقة الأمريكية للضغط على الفلسطينيين. لكن ومن خلال متابعة ما تناقلته وسائل الإعلام والمراكز البحثية الصهيونية فى الفترة الأخيرة لوحظ وجود مخطط صهيوني يتم حياكته ضد الأردن بجعلها وطناً بديلاً للفلسطينيين، بعد إسقاط حكم الأسرة الهاشمية الحاكمة فيها وعلى اعتبار أن ما يقرب من نصف سكان المملكة من الفلسطينيين.

صحيح أن تلك الفكرة الصهيونية ليست وليدة اليوم أو الأمس، بل كانت فكرة مطروحة منذ عقود طويلة لإجهاض أية محاولات لإقامة دولة فلسطينية داخل الخط الأخضر، غير أن النظام الحاكم فى الأردن الذي كان يدرك خطر أبعاد المخطط الصهيوني طوال السنوات الماضية نجح فى إفشالها حتى الآن، رغم تصنيفه أنه من أكثر الأنظمة العربية قرباً من الكيان الصهيوني.

الثورات العربية

لكن اندلاع موجة الثورات العربية وسقوط الأنظمة الحاكمة فى كل من مصر وتونس، وترنح أنظمة عربية أخرى فى كل من سوريا وليبيا واليمن، وجدتها "إسرائيل" فرصة لتنفيذ مخططاتها بإجهاض إقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين التاريخية، ونقلها إلى ما وراء شرق نهر الأردن، وذلك من خلال العمل على إسقاط نظام الأسرة الهاشمية الحاكمة فى الأردن، رغم ما يمثله ذلك من خسارة فادحة لها على غرار سقوط نظام رئيس مصر المخلوع، حسني مبارك . سيناريو هذا المخطط طرحته دراسة عبرية للخبير العسكري الصهيوني جيورا أيلاند، نشرها فى مجلة "عيدكون استراتيجي" إحدى إصدارات مركز أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي" التابع لجامعة تل أبيب، حيث أشار إلى أنه بالرغم من أن الوضع فى الأردن لا يزال مستقراً حتى الآن، وربما ذلك ناتج لأن معظم الثورات التى اندلعت فى الدول العربية اندلعت فى دول غير ملكية، وأن الملك عبد الله عاهل الأردن ما زال يحافظ على استقرار بلاده بشكل مدهش، لكن هناك ثلاثة مؤشرات تدل على إمكانية حدوث تغيير فى داخل المملكة الهاشمية على النحو التالي:

-      ظهور أصوات ولأول مرة تنتقد الملك بشكل غير مسبوق.

-      الإنسحاب المرتقب للقوات الأمريكية من العراق العام القادم من الممكن أن يؤدي لزعزعة الاستقرار فى المملكة.

-  انعكاسات الاوضاع فى الأردن على "إسرائيل" إذا ما شهدت ثورة هي الأخرى. تلك الانعكاسات من الممكن أن تشبه مثيلتها المصرية فى كل ما يتعلق بحالة عدم الحرب، لكن من الممكن أن تكون الأسوأ فى مجال عدم الهدوء على الحدود والتعاون الأمني والمدني. مضيفاً إنه طوال السنوات الماضية، وحتى قبل توقيع اتفاق السلام بين الجانبين ظلت حدود "إسرائيل" الأطول مع الأردن هى الأكثر هدوءً؛ لذا فإن تغيير النظام الحاكم فيها سيجبر "إسرائيل" على توفير المزيد من الموارد المالية الضخمة لتأمين تلك الحدود.

المخطط الصهيوني

مع ذلك أشار أيلاند فى سياق دراسته إلى أن مكاسب "إسرائيل" من سقوط نظام الملك عبد الله ستكون أكثر ، حيث أن حدوث ثورة ديموقراطية فى الأردن ستسفر عن وصول الأغلبية الفلسطينية فى البلاد إلى سدة الحكم مما سيضع النزاع الفلسطيني – "الإسرائيلي" على مسار مختلف وباقتراحات جديدة لتسويته. وإلى أن يتم ذلك- حسبما أكد الخبير الصهيوني- سيظل النزاع الفلسطيني-"الإسرائيلي" أمر قائم بمفرده ليس له ارتباط بأية تطورات إقليمية أخرى.

ويمكننا الكشف عن ملامح أبعاد المخطط الصهيوني ضد الأردن، والذي يهدف فى الأساس للوقيعة بين الأردنيين والفلسطينيين بهدف إجهاض محاولات الفلسطينيين إقامة دولة مستقلة لهم من خلال التقرير الذي نشره بينحاس عنباري الخبير الاستراتيجي بالمركز الأورشليمي للدراسات السياسية والعامة والذي حمل عنوان "الأردن واللاجئين" والذي أشار فيه إلى مخاوف الأردن واعتراضها على توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لإعلان دولتهم المستقلة، بزعم أن ذلك سيؤثر بالسلب على بقية القضايا المهمة فى الصراع الفلسطيني-"الإسرائيلي" ومن أبرزها قضية اللاجئين، مستعرضاً اللقاء الأخير بين العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" بأنه جاء فى ظل توتر شديد فى العلاقات بين الطرفين نتيجة لإعتزام الفلسطينيين الذهاب إلى الأمم المتحدة.

الدور على الأردن

وفى هذا السياق كتب المستشرق "الإسرائيلي" المعروف، إيل سيزار أستاذ دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب، تقريراً بعنوان "هل الأردن التالية فى الدور" زعم فيه أن موجة الثورات التي تجتاح عدد من الدول العربية فى الوقت ستصل بلا محالة إلى الأردن فى وقت من الأوقات، مؤكداً أنها قد نجحت حتى الآن فى تجاوز المرحلة الأولى من ربيع الثورات العربية بحالات محدودة من الاحتجاجات وأعمال العنف، والتى لم تؤثر مطلقاً على استقرار البلاد، مرجعاً ذلك إلى اتباع ملك الأردن لسياسة معتدلة حتى مع معارضيه، على عكس ما كان يفعل حسني مبارك فى مصر وبشار الأسد فى سوريا.

وأرجع سيزار فى سياق تقريره إمكانية اندلاع ثورة فى الأردن إلى الشباب الأردني نفسه الذي يرغب فى تغيير نظام الحكم فى بلاده، مشيراً إلى أن سقوط نظام بشار الأسد فى سوريا، سيسهم وبشكل مباشر فى إسقاط نظام الملك عبد الله فى الأردن، رغم أن ذلك تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية المعنية ببقاء الملك عبدالله، وهذا ربما – حسبما يرى سيزار- يفسر خفة حدة الاحتجاجات فى الأردن خلال الفترة الأخيرة.

وفى محاولة لإشعال الفتنة بين الفلسطينيين والأردنيين داخل المملكلة الهاشمية، وهو ما يكشف أبعاد المخطط الصهيوني الجديد زعم المستشرق الصهيوني فى تقريره أن الفلسطينيين يراقبون بهدوء حالياً تطور الأوضاع الداخلية فى الأردن، خاصة وأنهم المؤهلون لإشعال ثورة داخل المملكة، مشيراً فى السياق ذاته إلى أن الإخوان المسلمين فى المملكة ينتظرون لحدوث وضع كهذا لكي ينقضوا من جانبهم على الحكم بعد سقوط نظام الملك عبد الله كما حدث فى مصر.

إجمالاً لا يمكننا استبعاد أية سيناريوهات "إسرائيلية" تطرح فى الوقت الحالي لإجهاض إقامة دولة فلسطينية داخل نطاق الخط الأخضر، خاصة فى ظل حالة القلق الصهيوني المتعاظم من توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة فى سبتمبر القادم لإعلان دولتهم المستقلة. وفى مقابل السعي الصهيوني للوقيعة بين الأردنيين والفلسطينيين لتنفيذ المخطط الصهيوني سالف الذكر، يجب على الجامعة العربية القيام بدورها لإجهاض تلك المخططات، لأنها باتت حالياً المؤسسة العربية المؤهلة للقيام بهذا الدور فى ظل إنشغال الدول العربية المعنية بالقضية الفلسطينية وعلى رأسها مصر، بأوضاعها الداخلية نتيجة لما تشهده من ثورات شعبية.




كاتب المقالة : د. سامح عباس
تاريخ النشر : 18/08/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com