اعتقال "شانقة الرجال ومصاصة دماء الليبيين"


اعتقل الثوار الليبيون "هدى بِنْ عامر" إحدى أقطاب نظام العقيد معمر القذافي والتي توصف بـ "بمصاصة دماء الليبيين"، دون أن تكشف وكالة "آنسا" الإيطالية التي أوردت النبأ الجمعة كيفية اعتقالها أو في أي مكان بطرابلس تم الاعتقال.
أكد جمعة القماطي ممثل المجلس الوطني الانتقالي الليبي في بريطانيا أن الثوار ألقوا القبض على "هدى بِنْ عامر" التي توصف بأنها أخطر امرأة في ليبيا وربما في العالم العربي، فيما وصفه تقرير لموقع "العربية نت" نبأ اعتقال "الشانقة" كما يسمونها بأنه أجمل هدية تلقاها الليبيون في عيد الفطر.
"هدى بن عامر" التي أحرق الثوار فيلتها في منطقة طابلينو في بنغازي بعد أسبوع من بدء "ثورة 17 فبراير" على نظام القذافي، ظلت طوال 27 سنة ركنًا أساسيًّا لبطش القذافي بالليبيين، وقال عنها أحد الثوار على التليفزيون: إذا فشلنا بالثورة فستشنقنا هدى بن عامر كلنا".
وكانت عامر عضوًا بحركة اللجان الثورية، وشاركت بعمليات إعدام عدة، وقادت مداهمات لبيوت من استهدفهم النظام من معارضيه. كما شغلت مناصب متنوعة، آخرها "أمين اللجنة الشعبية العامة لجهاز التفتيش والرقابة الشعبية". واعتاد القذافي استخدامها لتخويف وزرائه وكبار موظفيه عبر تسليطها عليهم، كما أسد على المصارعين بحلبات المصارعة الرومانية قبل 2000 عام.
وشغلت بن عامر أيضًا منصب رئيسة بلدية بنغازي مرتين، و"أمينة شئون المرأة في مؤتمر الشعب العام"، ثم تم اختيارها نائبًا لرئيس البرلمان العربي في 2008، ثم رئيسة للبرلمان خلفًا لمحمد جاسم الصقر، الذي أعلن استقالته في 2009 من المنصب، فترأست اجتماع أعضائه من البرلمانيين العرب.
كما استقبلها رؤساء عرب رسميًّا، ومنهم الرئيس السوري بشار الأسد في بداية العام الماضي، إلى أن عزلت من منصبها قبل خمسة أشهر عقابًا على ما كان يفعله القذافي بالمتظاهرين والثائرين على نظامه.
وهي ابنة فتحي بن عامر، الشهير بقصة عنه يعرفها معظم الليبيين: في 1973 أعلن العقيد القذافي رغبته بالاستقالة، هكذا من دون سبب، وحين سمع والدها الخبر توجه إلى المدينة الرياضية في بنغازي متأبطًا ابنه الرضيع، وهناك وضع السكين على عنقه أمام محتشدين على المدرجات بالآلاف وهدد بذبحه إذا لم يعدل القذافي عن استقالته، فكان له من مسرحية الاستقالة ما أراد بعد عودة القذافي عنها، وراح يقربه إليه.
"هدى بن عامر" التي أبصرت النور في 1954 ببلدة المرج المجاورة لبنغازي، متزوجة من الليبي يونس معافة وأم لابنين، وكان القذافي تولى شخصيًّا عقد قرانهما حين كانت ترافقه في 1982 بزيارة خاصة للجزائر، وكانت بطاقات الدعوة لحفل الزفاف مذيلة بعبارة "ودامت أفراحكم بالفاتح عامرة" بحسب ما يكتبون ويقولون.
وقد انخرطت في "حركة الراهبات الثوريات" منذ تأسيسها، وكانت ضمن طالبات ارتبطن بالقذافي، وانخرطت منذ فيها بداية دراستها بجامعة غاريونس. كما انخرطت ببداية 1976 في الطلائع الثورية، المصنفة على أنها النواة الأولى لحركة اللجان الثورية.
أما مشاركاتها العنيفة فبدأت باكرًا، ولم تكن أتمت 21 سنة من عمرها بعد، ففي 1973 شاركت بالزحف على الإذاعة ببنغازي، كما في الحملات ضد الطلاب من 1972 إلى 1985 وغيرها، إضافة إلى مشاركتها في "حملة الإرهاب" التي تلت أحداث مايو 1984 الشهيرة، وهي الأحداث التي توجتها على عرش الفتك والتنكيل، خصوصًا يوم إعدام الطالب الليبي الصادق الشويهدي، وكان يومها بعمرها تمامًا، أي 30 سنة.
وكان الشويهدي، عاد من الولايات المتحدة في مارس ذلك العام بعد تخرجه في هندسة الطيران، وبدأ من فوره بتشكيل حملات معارضة لحكم العقيد القذافي باسم "جبهة إنقاذ ليبيا" وسريعًا وقع وبعض شركائه بالأسر، فأحضروه يوم 5 يونيو 1984 ثاني أيام رمضان، إلى "مجمع سليمان الضراط الرياضي" بالمدينة الرياضية ببنغازي، ثم أجلسوه على الأرض مكبَّل اليدين وقرأوا عليه مذكرة الاتهام، وبعدها حكم الإعدام.
وما إن سمع الذين حاكموه شعبيًّا بالحكم، ومن بينهم كانت هدى بن عامر وأختها سلوى، حتى ركضوا داخل المجمع الرياضي أمام الآلاف مرددين شعارات ثورية، ثم ارتجلت بن عامر عبارتها الشهيرة وقالت: "صفيهم بالدم يا قايد. سير ولا تهتم.. ما نبوش كلام خواني، نبو شنقًا في الميداني" أي لا نريد سماع كلام الخائن، بل شنقه في الميدان، وهو ما أصبح ماركة مسجلة باسمها بين الليبيين.
وتم نقل المشنقة إلى منتصف ساحة المجمع وجيء بالشويهدي إليها وهو متهالك ويردد باكيًا: "يانا عليَّ يا يمى" بحسب ما بدا في فيديو شهير لمحاكمته وإعدامه، ووضعوا الحبل في رقبته، ثم ركلت هدى بن عامر الكرسي من تحت قدميه، فهوى الشويهدي، إلا أنه فاجأ الجميع وظل يفرك قدميه باستمرار، في إشارة دلت بأن عملية الإعدام لم تنجح وبأنه لم يمت.
ولم تحتمل هدى بن عامر رؤية العملية تفشل أمام الآلاف، فأسرعت وأمسكت بقدميه وراحت تشدهما كما المجنونة المسعورة ليلفظ أنفاسه، حتى توقف المسكين عن الحركة تمامًا، فأنزلوه وقام طبيب بفحصه للتأكد من وفاته، وكانت مفاجأة ثانية حين اكتشف الطبيب أن الصادق مازال حيًّا أيضًا، عندها نقلوه إلى مستشفى قريب.
وفي المستشفى أجرى له الأطباء عملية تنفس اصطناعي، ووجدوا أن أنفاسه عادت بسرعة إلى انتظامها الطبيعي، وما كادوا يهللون فرحًا إلا ونغصت عليهم الأوامر القذافية فرحهم؛ لأن العقيد القذافي أمر بالإجهاز عليه، ولأن الأطباء رفضوا قتله، فقد انبرى "الثوريون" لتنفيذ المهمة فوضعوا جوربًا في فمه مثقوبًا وبه رمال، وكلما كان يتنفس كانت حفنة رمل تسد منافسه حتى همد ومات.
وتفتحت عينا القذافي على هدى بن عامر منذ ذلك اليوم التاريخي في حياتها، وراح يعتبرها واحدة من أعمدة العنف والتنكيل بإعداء النظام، أما هي فأقبلت على المنصب إقبالاً عز نظيره، إلى درجة أنها شاركت بإعدام 7 طلاب مرة واحدة في 1987 بالمدينة الرياضية في بنغازي.
ثم كرت السبحة على أعداء النظام أو الذين يفكرون بمعاداته، وراحت هدى بن عامر تكتسب مع الوقت ما يجعلها تستحق لقب "الشناقة" عن جدارة، إلى درجة وضعوها ضمن لائحة من 38 شخصية برسم الاعتقال، إلى أن اعتقلوها أمس الجمعة، وعقابها معروف لليبيين منذ الآن.
وتتهم هدى بن عامر أيضًا بأنها اختلست ملايين الدولارات، وبأنها كانت شيطانًا في ثياب امرأة، وترهب الليبيين بسيرها دائمًا وفي حزامها مسدس أوتوماتيكي، وكانت تكره بنغازي وتهين أهلها باستمرار، وفي إحدى المرات خطبت وقالت: "هنا لا يوجد رجال.. أنا الرجل الوحيد في بنغازي".
وقليلون يعرفون أن أمرًا أصدرته هدى بن عامر في 17 فبراير 2008 بإطلاق النار على متظاهرين ليبيين خرجوا غاضبين احتجاجًا على الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) في الدنمارك، وبقي في ذاكرة الليبيين، ولم ينسوه، حتى اختاروه اسمًا لانتفاضتهم، فولدت "ثورة 17 فبراير" وانتصرت.




كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 03/09/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com