بالنسبة لتاسع ذو الحجة سؤال



 


رواه البخاري عن النبي
أنه قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام.. يعني أيام العشر.
قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: "ولا الجهاد في سبيل الله؟ إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشيء من ذلك"
ومن ثم يستزيد كل من كان قلبه موصولا ً بالله في هذه الأيام العشر من العمل الصالح بشتى أنواعه وأشكاله من صلاة وصدقة وتفريج كروب وتقديم عون للضعيف ونصرة للمظلوم وقضاء لمصالح الخلق إلى غير ذلك من أعمال الخير.

صيام أيام التسع من ذي الحجة
وكثير من الناس يقبل على صيام الأيام التسع الأولى من ذي الحجة.. حتى بات اعتقاد الكثيرين أن صيامها كلها مستحبة وأن السنة في الحفاظ على ذلك.. وعلى النقيض من ذلك نجد من لا يرى سنية ذلك ويذهب إلى أن الصوم في تلك الأيام مشروع لكن لا يسن صيام التسع كلها.

تحرير محل النزاع
ولأن النقاش والخلاف بدأ يتسع في هذه القضية حتى ادعى البعض بدعية القول بصيام هذه الأيام التسعة كلها وهو ما صار من الأهمية بمكان الإشارة إلى أدلة قول القائلين باستحباب صيام التسع كلها.. وأدلة القائلين باستحباب صوم بعضها منها.. لكن يجدر بنا أولاً تحديد محل النزاع بينهما.
لا يوجد خلاف بين أصحاب هذين الرأيين حول أي من الأمور الآتية:
استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج وهو اليوم التاسع من ذي الحجة لقول النبي (صلى الله عليه وسلم):"صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية "رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
عدم جواز صيام يوم العيد لما رواه الخمسة إلا ابن ماجة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:"يوم عرفة" ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب".
جواز صيام أيٍ من الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة لعموم لفظ الأحاديث في الحث على العمل الصالح فيهن وأفضلية ذلك عند الله والصيام يدخل بلا شك في هذا العموم.
ويظهر من ذلك أن محل الخلاف بين أصحاب هذين الرأيين يدور حول مدى سنية واستحباب صيام الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة كلها، فهم لم يختلفوا في صيام يوم عرفة أو صيام بعضها لكن خلافهم منصب على صومها كلها.


 

سبب الخلاف
والسبب الذي تولد منه هذا الخلاف يكمن في خلافهم حول تصحيح ودلالة بعض الأحاديث الواردة عن بعض أمهات المؤمنين الدالة على صيام النبي صلى الله عليه وسلم أيام التسع كلها ويظهر ذلك جلياً من استعراض أدلة القولين كالآتي:

أولاً:
أدلة القائلين باستحباب وسنية صيام الأيام التسع كلها:
يستدل أصحاب هذا القول بأحاديث وردت عن السيدة حفصة والسيدة أم سلمة تدل على ذلك ومن هذه الأحاديث:
ما رواه أبو داود عن بعض أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) (ويقصد السيدة حفصة).. قالت: "كان يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وأول اثنين من الشهر والخميس".
ما رواه أحمد والنسائي عن حفصة قالت: "أربع لم يكن يدعهن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر والركعتين قبل الغداة"
دلالة الأحاديث التي وردت في فضل العمل الصالح في هذه الأيام التي أشرنا إلى أحدها في مفتتح المقال.
ورد أصحاب الرأي الأخر على هذا الاستدلال بعدم التسليم بصحة هذه الأحاديث كالأتي:
إسناد أبي داود رجاله ثقات.. إلاّ أنه وقع في إسناده ومتنه اختلاف على هنيدة ،الذيمدار الحديث عليه ، ووقع فيه تفرد أبي إسحاق الأشجعي ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عنالحر ، عن هنيدة ، عن حفصة ، ومثل هذا بعيد أن يصحح حديثه إذا انفرد.. فكيف وقد وقعفيه هذه الاختلاف في إسناده ومتنه؟.
أما الأحاديث الصحيحة التي دلت على فضل العمل الصالح في هذه الأيام فلا شك في أنها تدل على استحباب الصيام في هذه الأيام لكنها لا تدل على استحباب صيامها كلها خاصة مع وجود حديث السيدة عائشة الذي يدل على عدم صيامه رسول الله صلى الله عليه وسلم لها كاملة.
ثانياً:
أدلة القائلين بعدم سنية صيام الأيام التسع كلها واستحباب صوم بعضها:
استدل أصحاب هذا القول بالأتي:
ما رواه مسلم عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت: "ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صائماً في العشر قط".. وفي رواية "لم يصم العشر قط"
عموم الأحاديث التي دلت على أفضلية العمل الصالح في هذه الأيام ويدخل في عمومها الصيام قطعاً.
وناقش أصحاب القول الأول هذا الاستدلال بالأتي:
يحمل قول عائشة رضي الله عنها أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يصمها على أنه ترك صيامها لعارض مرضٍ أو سفر أو غيرهما.. أو أن عدم رؤيتها له صائماً لا يستلزم العدم مع ما ثبت من قوله (صلى الله عليه وسلم) على ما يدل على مشروعيته (راجع نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار للإمام محمد بن على الشوكاني ط دار ابن الهيثم ج4 ص773. )


 

محاولة للجمع بين الأحاديث


 

وإذا حددنا محل النزاع وسببه واستعرضنا أدلة كل قول ومناقشة أصحاب كل قول لأدلة غيره فإن الذي ينقدح في ذهني هو إعمال القاعدة الأصولية التي تقرر أنه عند ظهور تباين في دلالة الأحاديث.. فإن الجمع بين دلالة تلك الأحاديث التي ظاهرها التعارض أولى من ترك أحدها طالما أن هذه الأحاديث صحيحة ولا يعرف فيها ناسخ من منسوخ.
وإذا ما طبقنا هذه القاعدة في تلك القضية.. فإننا سنجد أن القول باستحباب صيام بعض الأيام التسعة من ذي الحجة هو أولى من القول الآخر لأنه يمكن حمل الروايات الواردة عن السيدة عائشة التي تقرر فيها "أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يصم العشر قط على أنه لم يصمها كلها وبذلك تجتمع الأدلة وتأتلف بدلاً من تضاربها.
وقد يقول قائل: لماذا لا نترك الناس تصومها خاصة في هذا الزمان الذي قصرت همم الناس عن الإقبال على العبادات وفعل الطاعات.
والإجابة عن هذا الملحظ تتلخص في أن العبرة بتقرير ما هو مستحب ومسنون في العبادات وغيرها هو ما دلت عليه الأدلة الشرعية. التي وردت والتي هي أرفق وأصلح للخلق من تقديرنا.
ومن جهة أخرى قد يؤدي القول باستحباب صيامها كلها إلى عدم قدرة كثير من الناس على ذلك فينكصون عن صيامها كلها أو بعضها.
والقول باستحباب صيام بعض الأيام التسعة خاصة يوم عرفة لا ينفي فضل من صامها كلها لكن لا ينسب ذلك إلى فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) لورود حديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي سبق ذكره.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا كل عمل صالح
في تلك الأيام الطيبة
ويرزقنا حجة لبيته الحرام في العام القادم.
هذا والله أعلم
والحمد لله رب العالمين



 



كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 08/11/2010
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com