مطالب ميــــدان وشريعــة الرحمـن ( 1 ) البيان والإسلام


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشرك له، وأن محمد عبده ورسوله وعلى آله وسلم تسليما. وأشهد بأن دين الإسلام هو المهيمن على باقي الشرائع وكتاب القرآن ناسخ لباقي الكتب والصحائف شهادة أقابل بها ربي يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا مناصب ولا أحساب ولا أنساب إلا من آتى الله بقلب سليم .
أما بعــــــــــد
مما لا شك فيه أن مطالب الشعوب المظلومة والرعية المغلوب على أمرها والتي تريد العيش الكريم دون الخوف من الجوع والفقر أو الظلم والقهر مطالب تقرها الشريعة وينص على الشارع سبحانه وتعالى . فمن حق الرعية التمتع بالعدل والتنفس بالحرية في الرأي والكلمة ورفض الإستبداد والطبقية وحكم الفرد وكذلك الرغبة في نعمة الأمن والإستقرار .إنها حقوق مشروعة يقرها رب البرية سبحانه وتعالى وتقرها الإنسانية الحديثة في أي مكان وزمان .

مطالب شعبية مشتركة
ولو نظرنا إلى أي بقعه في المعمورة فيها شعوب غاضبة على أنظماتها تجد أن هذه الجموع الحاشده التي تريد تغير هذه الأنظمة مطالبها لا تتعد المطالب السابقة وتريد أن تحصل على الحياة الكريمة ولقمة العيش. أي إن المطالب الأساسية والمهمة والمشتركة رفع الظلم والقهر والجوع والفقر. نعم إنها مطالب مشتركة بين الشعوب الثائره والثورات القائمة .

مطالب ميدان
منذ أول يوم حين قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر على يد بعض الشباب الغاضب على النظام كانت لهم مطالب عبر الموقع الإكتروني ( الفيس بوك ) وفي ميدان التحرير. منها مايالي :
إسقاط الرئيس ونظامة.
حل مجلس الشعب والشورى
تشكيل حكومة وحده وطنية إنتقالية
تشكيل برلمان منتخب يقوم بعمل التعديلات الدستورية
إنها حالة الطوارئ
محاكمات فورية للمسئولين عن قتل شهداء الثورة
محاكمات عاجلة للفاسدين وسارقي ثروات الوطن
وهذه هي المطالب التي طالب بها الشباب في الميدان وكان من بينهم بعض علماء الأزهر ومشايخ يشار لهم بالبنان معروفين لدى العامة والخاصة .

مطالب الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح
أولًا:
إن هدف هذه الثورة الذي وحد الجهود، وجمع الحشود هو تحرير الإنسان من الظلموالطغيان، والفساد والاستبداد، وأساس ذلك الحرية من كل عبودية إلا العبودية لله ربالعالمين وحده لا شريك له، والاعتصام بالكتاب والسنة وإقامة واجب الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر.
ثانيًا:
تحيي الهيئة قرار المجلس العسكري بإسناد إدارة البلاد إلى حكومة مدنية غير عسكرية، وتؤكد على الهوية الإسلامية للدولة في دينهاوتشـريعاتها، وتطالب الهيئة بتنقية القوانين المخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية،حتى يسود العدل والأمان وتحفظ الحقوق والحريات لأبناء الوطن كافة.
ثالثًا:
تطالب الهيئة بإصلاح الأزهر والمؤسسات الدينية، واختيار شيخ الأزهر ومفتي الديار المصـرية بالانتخاب من قبل كبار علماء الأزهر الشريف المعروفين بالرسوخ في العلم والجرأة في الحق.
رابعًا:
على القيادة العسكرية المنوط بها الحكم المؤقت للوطن سرعة ضبط المفسدين، والضرب بيد من حديد على المتلاعبين بأموال الشعب ومقدراته، ومع التأكيدعلى أن أية مخالفة في هذا الصدد كما هي غشٌّ للرعية وخيانة للأمانة، فإنها ستكون -أيضًا- ذريعة لعدم الاستقرار في البلاد.
خامسًا:
إن فاتورة خسائر مصر المالية والمعنوية في العقود الماضية يجب أن تسدد من أموال أولئك الذين أثروا بطريق غيرمشـروع، وعن طريق استغلال النفوذ، والرشوة بمختلف صورها وأشكالها، والازدواج الباطلبين السلطة السياسية ورجال الأعمال.
سادسًا:
إن الموقعين على هذا البيان يطالبون بإنهاء حالة الطوارئ والقانون الذي ارتبط بها، وبالإفراج الفوري عن المعتقلينالمظلومين، ومحاكمة مرتكبي الجرائم بحق الشعب؛ بدءًا من إثارة الذعر، ومرورًا بالتخريب والتعذيب، وانتهاء بالقتل، ومحاسبة الأجهزة التي مارست الإرهاب والتعذيبفي أقسى صوره.
سابعًا:
إن الشريعة الإسلامية تمكن كل من تضرر أو ناله اضطهاد مادي أو معنوي أن يتقدم إلى الأجهزة المعنية ليأخذ كل ذي حقٍّ حقه.
ثامنًا:
تتوجه الهيئة إلى عموم الموظفين والعاملين في مختلف القطاعات الحكومية بالرجوع إلىالأعمال وعدم تعطيلها، مع المطالبة بالحقوق بما لا يضر بمصالحالمواطنين.
تاسعًا:
على جموع الشعب المصـري إظهار أصالة معدنهم، ونبل أخلاقهم،ورقي سلوكياتهم في هذه الأزمة بإشاعة التراحم والتكافل والتواصل ومحاربة الاستغلال،والغلاء والاحتكار، وزيادة الأسعار، والمحافظة على الآداب العامةوالخاصة.
عاشرًا: إلى جماهير الأمة الحرة إن هذه التضحيات الغالية أنفس من أنتكون لغير الله تعالى وأغلى من أن تكون لأمر دنيوي، فلنصحح نياتنا ليكتب الله أجرنا، وليكون سبحانه وتعالى عوننا وسندنا {وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْفَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} الحج:78
تحكيم الشريعة وحاكمية الله
بعدما استعرضت كلا من مطالب ميدان ومطالب الهيئة الشرعية للحقوق والأصلاح وأيضا مطالب بعد المصلحين من طلبة العلم نجد أنها لا تتعد عن إما بتنقية القانون من مواد مخالفة الشريعة أو الإبقاء على المادة الثانية من الدستور المصري الحالي وأنه خط أحمر لايمكن تغيره أو غض الطرف عنه في الدستور الجديد والذي يقول (بأن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع )
قلــــت :
وهذه المطالب من المخزيات التي لا تظهر مهية الدولة ومطالب الموحدين الذين شهدوا بأن الله عز وجل وحده لاشريك له وأن محمد عبده ورسولة . وهل المادة الثانية التي تتغنون بها وتريدون الابقاء عليها لها وجود في الواقع أو لها أثر في الأحكام التشريعية من حدود وقصاص ومعاملات ؟!.
أليس كان من الأحرء أن تطالبوا صراحا دون توريه أو إلتواه بتطبيق الشريعة الإسلامية لظهور طبيعة الدولة بأنها مسلمة لله رب العالمين . وإليك هذا التفصيل في تحكيم شريعة رب العالمين وصلتها بالمسلمين .
أولا: تحكيم الشريعة وصلته بالرضا بالإسلام دينا:
لا يخفى أن الرضا بالإسلام دينا والبراءة من كل دين يخالفه هو فيصل التفرقة بين الإيمان والكفر، فقد قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) آل عمران: 19
وقال سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران: 85
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( فالإسلام يتضمن الإستسلام لله وحده ، فمن استسلم له ولغيه كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكرا عن عبادته والمشرك به والمستكر عن عبادته كافر. والإستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده وهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره وذلك إنما يكون بأن يطاع في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت ) انتهى
فهل تعرف الجماهير التى لا يهمها في المطالب إلا الجوع والفقر حقيقة هذا الرضا والحد الأدنى الذي لا يتحقق إلا به ؟
إن كثيرا من الناس في هذا العصر إلا من رحم يخطئ في فهم حقيقة الدين ويظنه لا يتجاوز ما يقام من شعائر العبادات ، وما يهتف به الوعاظ والخطباء من الدعوة إلى مكارم الأخلاق ، أما ما وراء ذلك من شئون الحياة فلا علاقة للدين به طبقا لمقولة: ( دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) . أو لمقولة: ( لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين ) وإن كانوا كذلك فقد خابوا وخسروا لإن الدين هو سياسة العبد مع الرب والعبد مع العبد والدولة المسلمة مع الرعية المسلمه أو الذميه والدولة مع الدولة المسلمة أو الكافره . إنها العلاقات التي نظمها رب الأرض والسموات . إنه الدين بمفهومه الشامل الكامل الجامع بكل المعاني. قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )المائدة: 3
فالرضا بالإسلام دينا هو الرضا بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من العقائد الغيبية والشعائر التعبدية والأحكام الشرعية لا فرق في ذلك بين ما تعلق منه بعبادة من العبادات أو بحكم من أحكام القضاء والسياسة ، ما دام قد صح الخبر به عن الله عز وجل وعن رسولة صلى الله عليه وسلم . فلا فرق بين قول الله جل وعلا : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) البقرة: 43
وقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) البقرة: 275 . أو قوله تعالى: (
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) النور: 2 فكل ذلك قرأن يتلى ودين واجب الإتباع .
يقول ابن القيم رحمه الله : ( وأما الرضا بدينه فإذا قال أو حكم أو أمر أ, نهى رضي كل الرضا ولمي يبق في قلبه حرج من حكمه.وسلم له تسليما ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها ، أو قول مقلده وشيخه وطائفته ) انتهى
قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء: 65
وقال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا )الأحزاب:36
هذا والله أعلم وللحديث باقيه
ونسأل الله القبول


كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 23/02/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com