ماذا قالـــوا عن شهر الله المحرم ؟؟


الحمد لله الذي سهل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلاً، وأوضح لهم طريق الهداية وجعل اتباع الرسول عليها دليلاً، واتخذهم عبيداً له فأقروا له بالعبودية ولم يتخذوا من دونه وكيلاً، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه لما رضوا بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمدٍ رسولاً صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته وأصحابه والتابعين من بعدهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــــــــــــــد

مواسم الخير لا تنقطع عن هذه الأمة المباركة، رحمة من الله تبارك وتعالى، وفضلاً منه ومنَّة على عباده، ومن تلك مواسم الخير هذا الشهر المبارك، شهر الله المحرم، ففيه سوق يقام للصالحين لأخذ السلع الغالية والفوز بالحسنات الطيبة، وسوق أخر يقومه المبتدعين لأخذ الوزر والإثم المبين. فشرعت في عرض هذا الموضوع لمعرفة ما يدور فيه ويقال عليه.

والحمد لله رب العالمين.

محرم في الشرائع السماوية

شهر محرم عند اليهود

فاليهود أتباع موسى عليه السلام كانوا يعظمون المحرم وخاصة يوم عاشوراء ويصومونه ويتخذونه عيداً لهم، ويلبسون فيه نساءهم الحلي واللباس الحسن الجميل وسر ذلك أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون.

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى) البخاري ومسلم.

شهر محرم عند النصارى

وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم هذا اليوم، والظاهر أنهم في هذا تبع لليهود، إذ إ ن كثيراً من شريعة موسى عليه السلام لم تنسخ بشريعة عيسى.

قال ابن القيم رحمه الله: (ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول والكتاب الذي قال الله فيه: وَكَتَبْنَا لَهُ في ٱلألواح مِن كُلّ شيء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شيء) الأعراف:145.شهر محرم في الجاهلية:سمي هذا الشهر محرماً لأن العرب كانت تحرم فيه الحرب والإغارة ، وقيل أنهم أطلقوا عليه هذا الاسم لأنهم تقاتلوا فيه فوقعت بينهم مقتلة عظيمة، فحرَّموا فيه القتال ، وسموه محرماً .أسماؤه :

كانت للمحرم أسماء عند العرب قبل أن يُسمى باسمه الحالي ، فقد أطلقوا عليه عدة أسماء منها : ناتِق و المُؤْتَمر ؛ أي الذي يؤتمر فيه للتشاور أو طلباً للنصيحة عما إذا كانوا يخوضون الحرب فيه أو يتركونها.

وكان العرب في الجاهلية يعظمون هذا الشهر وخاصة يوم عاشوراء وقريش على وثنيتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه! تقول عائشة رضي الله عنها:(كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية) الصحيحين

وأما سر صيامهم هذا، فلعله مما ورثوه من الشرع السالف، وقد روى الباغندي عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال: (أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم، فقيل: صوموا عاشوراء يكفر ذلك

شهر محرم في الإسلام:

شهر الله المحرم:هو أول شهور السنة والوحيد من الشهور الذي أضافه الله عز وجل إليه إضافة تخصيص من باب التشريف والتفضيل لهذا الشهر الكريم.

قال السخاوي: (أن المحرم سمي بذلك لكونه شهرًا محرمًا، وعندي أنّه سمي بذلك تأكيدًا لتحريمه)

قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) التوبة: 36

الأشهر الحرم المذكورة في هذه الآية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى الآخرة وشعبان.وخص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر , ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها وإن كان منهياً عنه في كل الزمان .

قال ابن عباس في قوله {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} قال: "محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة".

فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حَجِّتِه، فقال: ( ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر بين جمادى وشعبان) متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد صيام رمضان شهر الله المحرم)) رواه الترمذي وقال حديث حسن

عاشوراء ما بين السنة والبدعة:

فضيلة يوم عاشوراء:

ـ عن ابن عباس قال: (ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء) رواه البخاري.

ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء) رواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات.

ـ وعن أبي قتادة رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صيام يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله) رواه مسلم وأبو داود والترمذي

ـ وعن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ( قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه، فقال: أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه).وفي رواية: فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه. وفي رواية : فنحن نصومه تعظيماً له . رواه البخاري ومسلم وأبو داود

ـ وعن محمد بن صيفي رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: ( أمنكم أحد أكل اليوم، فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العَروض فليتموا بقية يومهم) أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد.

وكان الصحابة رضي الله عنهم يصومون فيه ويصوم صبيانهم تعويداً لهم على الفضل.

ـ فعن الرُّبيع بنت معوِّذ رضي اللَّه عنها قالت: (أرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان مفطراً فليتم بقية يومه، فكنّا بعد ذلك نصومه، ونصوِّمه صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم أعطيناها إياه، حتى يكون الإفطار) رواه البخاري ومسلم وأحمد.

حكم صوم عاشوراء:

لقد كان يوم عاشوراء في أول الأمر للوجوب ثم نسخ بصوم شهر رمضان .

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر النّاس بصيامه، فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه) متفق عليه

قلــــت:

وهذا دليل من قول النبي الأمين صلى الله عليه وسلم في تخير صيام يوم عاشوراء أو عدم صيامه

كيفية صيام عاشوراء؟؟

 إما صوم التاسع والعاشر من عاشوراء لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر" . رواه مسلم

 أو صيام اليوم العاشر والحادي عشر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" ، أخرجه أحمد وابن خزيمة.

 أوصيام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر؛ لحديث ابن عباس مرفوعاً " صوموا يوماً قبله ويوماً بعده" .

كما يفضل عدم إفراده بصيام لعدم المشابهة باليهود عليهم لعنة ربنا المعبود.

قال شيخ الإسلام رحمه الله : ويكره إفراده بالصيام.

بدع عاشوراء :

ورد بعض البدع في عاشوراء منها:

 ورود بعض الأحاديث من استحباب الاختضاب والاغتسال والتوسعة على العيال في يوم عاشوراء فكل ذلك لم يصح منه شيء.

قال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء في من وسع على أهله يوم عاشوراء فلم يره شيئاً.

وقال ابن تيمية : "لم يرد في ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين … ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً … لا صحيحاً ولا ضعيفاً … ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة ".

 اتخذت عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما تُظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب، وإنشاد قصائد الحزن

قلــــت

وفتح الحسينيات للعزاء، وعمل الولائم، وغير ذلك من أفعال لا يقرها دين ولا مذهب مستقيم بل هي سمة أهل الضلال المبين إخوان الشيطان اللعين. قال ابن رجب: وأما اتخاذه مأتما كما تفعل الرافضة لأجل قتل الحسين فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعاً، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن هو دونهم.

الخلاصة:

أنَّه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة من بعده ولا التابعين سلف وخلف

أنَّ هذا اليوم كان له عبادة من العبادات إلا الصيام. وغير هذا إما أن يكون من البدع المحدثة أو أفعال الجاهلية المورثة.

هذا. والله أعلم




كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 18/07/2023
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com