الأشاعرة في ميزان أهل السنة والجماعة (3)



* فضلاً عن تصدي الأشعري للمعتزلة ومحاجتهم بنفس أسلوبهم الكلامي ليقطع شبهاتهوم ويرد حجتهم عليهم، تصدى أيضاً للرد على الفلاسفة والقرامطة والباطنية والروافض وغيرهم من أهل الأهواء الفاسدة والنحل الباطلة.

* والأشعري في كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي هو آخر ما ألف من الكتب علي أصح الأقوال، رجع عن كثير من آرائه الكلامية إلي طريق السلف في الأثبات وعدم التأويل .... يقول رحمه الله: " وقولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وبسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن حنبل ـ نضر الله وجهه ـ قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق، ودفع به ضلال الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفخم".

* إن مدرسة الأشعري الفكرية لا تزال مهيمنة على الحياة الدينية في العالم الإسلامي، ولكنها كما يقول الشيخ أبو الحسن الندوي: " فقدت حيويتها ونشاطها الفكري، وضعف إنتاجها في الزمن الأخير ضعفاً شديداً وبدت فيها آثار الهرم والإعياء ". لماذا؟

 1ـ لأن التقليد طغى على تلاميذ هذه المدرسة وأصبح علم الكلام لديهم علماً متناقلاً بدون تجديد في الأسلوب.

 2ـ وإدخال مصطلحات الفلسفة وأسلوبها في الاستدلال في علم الكلام ... فكان لهذا أثر سيئ في الفكر الإسلامي، لأن هذا الأسلوب لا يفيد العلم القطعي ... ولهذا لم يتمثل الأشاعرة بعد ذلك مذهب أهل السنة والجماعة ومسلك السلف، تمثلاً صحيحاً، لتأثرهم بالفلاسفة وإن هم أنكروا ذلك ... حتى الغزاليً نفسه الذيي حارب الفلاسفة في كتابه "تهافت الفلاسفة" يقول عنه تلميذه القاضي ابن العربي: " شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر".

 3ـ تصدي ابن تيمية لجميع المذاهب الإسلامية التي اعتقد أنها انحرفت عن الكتاب والسنة ـ ومنهم الأشاعرة وبخاصة المتأخرة منهم ـ في كتابه القيم: " درء تعارض العقل والنقل" وفند آراهم الكلامية، وبيًن أخطاءهم وأكد أن أسلوب القرآن والسنة هو الأسلوب اليقيني للوصول إلى حقيقة التوحيد والصفات وغير ذلك من أمور العقيدة.


الجذور الفكرية والعقائدية


* كما رأينا في آراء أبي الحسن الأشعري ببعض أفكار ومعتقدات: الجهمية من الأرجاء والتعطيل، وكذلك بالمعتزلة والفلاسفة في نفي بعض الصفات وتحريف نصوصها، ونفي العلو والصفات الخبرية كما تأثرو بالجبرية في مسألة القدر.

* لا ينفي ذلك تأثرهم بعقيدة أهل السنة والجماعة فيما وافقوهم فيها.


الانتشار ومواقع النفوذ


انتشر المذهب الأشعري في عهد وزارة نظام الملك الذي كان أشعريً العقيدة، وصاحب الكلمة النافذة في الإمبراطورية السلجوقية، وكذلك أصبحت العقيدة الأشعرية عقيدة شبه رسمية تتمتع بحماية الدولة، وزاد انتشارها وقوتها مدرسة بغداد النظامية، ومدرسة نيسابور النظامية، وكان يقوم عليهما رواد المذهب الأشعري، وكانت المدرسة النظامية في بغداد أكبر جامعة إسلامية في العالم وقتها، كما تبنى المذهب وعمل على نشره المهدي بن تومرت مهدي الموحدين، ونو الدين محمود زنكي، والسلطان صلاح الدين الأيوبي، بالإضافة إلى اعتماد جمهرة من العلماء عليه، وبخاصة فقهاء الشافعية والمالكية المتأخرين. ولذلك انتشر المذهب في العالم الإسلامي كله، ولا يزال المذهب الأشعري سائداً في أكثر البلاد الإسلامية وله جامعاته ومعاهده المتعددة.


بتضح مما سبق


إن الأشاعرة فرقة كلامية إسلامية تنسب إلى أبي الحسن الأشعري في مرحلته الثانية التي خرج فيها على المعتزلة ودعى فيها إلى التمسك بالكتاب والسنة، على طريقة ابن كلاب، وهي تثبت بالعقل الصفات العقلية السبع فقط لله تعالى، (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام) واختلفوا في صفة البقاء، أما الصفات الاختيارية والمتعلقة بالمشيئة من الرضا والغضب والفرح والمجيء والنزول فقد نفوها، بينما يأولون الصفات الخبرية لله تعالى أو يفوضون معناها. ويؤمن متأخرو الأشاعرة ببعض الأفكار المنحرفة عن عقيدة أهل السنة والجماعة التي تصدى لها ولغيرها ابن تيمية، لا سيما في مجال العقيدة، حيث أكد أن أسلوب القرآن والسنة بفهم السلف الصالح هو الأسلوب اليقيني للوصول إلى حقيقة التوحيد والصفات وغير ذلك من أمور العقيدة والدين. وعموماً فإن عقيدة الأشاعرة تنسب إلى عقيدة أهل السنة والجماعة بالمعنى العام في مقابل الخوارج والشيعة والمعتزلة، وابن مجاهد، والباقلاني وغيرهم، أقرب إلى أهل السنة والحق من الفلاسفة والمعتزلة بل ومن أشاعرة خراسان كأبي بكر بن فورك وغيره، وإنهم ليحمدوا على مواقفهم في الدفاع عن السنة والحق في وجه الباطنية والرافضة والفلاسفة، فكان لهم جهدهم المحمود في هتك أستار الباطنية وكشف أسرارهم، بل وكان لهم جهادهم المشكور في كسر صورة المعتزلة والجهمية. وعلى ذلك فإن حسناتهم على نوعين كما صرح شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض : " إما موافقة السنة والحديث، وأما الرد على من خالف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم". ويقول أيضاً: " ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل، وخير الأمور أوسطها" . ويقول في كتاب النبوات: " فإن الواحد من هؤلاء له مساع مشكورة في نصر ما نصره من الإسلام والرد على طوائف من المخالفين لما جاء به الرسول. فحمدهم والثناء عليهم بما لهم من السعي الداخل في طاعة الله ورسوله، وإظهارالعلم الصحيح ... وما من أحد من هؤلاء ومن هو أفضل منه إلا وله غلط في مواضع". انتهى




كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 27/08/2018
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com