هل لا يوجد حد للزنا والسرقة في القرآن الكريم؟ والرد على سعد الدين الهلالي


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً:

هذا الرجل صدر فيه فتوى من الأزهر، بعدم التعويل على ما يصدر من أراء وأقوال، لأنها شاذة تخالف أقوال الفقهاء المعتبرين ، ومنها ما يهدم عقيدة المسلمين ، واعتقد بأنه من الواجب على أولياء الأمور أن يوضع هذا الرجل في مصحة للأمراض العقلية ، حتى يريح الناس ويرتاح.


ثانياً:

قبل الإجابة على هذا البغي ، نأصل مسألة في باب الجنايات وتقسيم الفقهاء للجنايات إلى: ( حدود ـ وقصاص ـ وتعزير) وتنقسم الحدود في الإسلام إلى ستة أقسام هي:
(
حد الزنا.. حد القذف.. حد الخمر.. حد السرقة.. حد قطاع الطريق.. حد البغاة.)
ولكل جريمة من هذه الجرائم عقوبة مقدرة شرعاً.


والفرق بين القصاص والحدود:

1- جرائم القصاص الحق فيها لأولياء القتيل، أو المجني عليه إن كان حياً.. وذلك من حيث استيفاء القصاص، والحاكم منفذ لطلبهم.
أما الحدود فأمرها إلى الحاكم، فلا يجوز إسقاطها بعد أن تصل إليه.
2- جرائم القصاص قد يُعفى عنها إلى بدل كالدية، أو يعفى عنها بلا مقابل؛ لأنها حق آدمي.
أما الحدود فلا يجوز العفو عنها، ولا الشفاعة فيها مطلقاً، بعوض أو بدون عوض؛ لأنها حق لله تعالى.


أما الفرق بين الحدود والتعازير:

1- عقوبات جرائم القصاص والحدود مقدرة ابتداء في الشرع.
أما عقوبات التعزير فيقدرها القاضي بما يحقق المصلحة حسب حجم الجريمة ونوعها.
2- يجب على الإمام تنفيذ الحدود، والقصاص إذا لم يكن عفو من ولي الدم.
أما التعزير فإن كان حقاً لله تعالى وجب تنفيذه، ويجوز العفو والشفاعة إن رُئي في ذلك مصلحة، وإن كان حقاً للأفراد فلصاحب الحق أن يتركه بعفو أو غيره.

3- عقوبة القصاص والحدود محددة معينة، أما التعزير فيختلف بحسب اختلاف الجريمة، واختلاف الجاني والمجني عليه.


ثالثاً:

أما قول هذا الجاهل، بعدم وجود حد للزنا والسرقة في القرآن الكريم، فهذا من الضلال المبين والافتراء على رب العالمين وهدم شريعة الإسلام والمسلمين.


في حد الزنا:


قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} النور:2.

وهذه العقوبة تخص الغير محصن (الغير متزوج) من النساء والرجال.

 أما حد الزاني المحصن (المتزوج)

قال تعالى: }الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم{

وهذه الآية يعرفها علماء أهل السنة بأنها آية الرجم، وهي من سورة الأحزاب مما نُسخ لفظها بالرفع وباقي حكمها.

قال المفسرين :في بداية تفسير سورة الأحزاب: «وهي ثلات وسبعون آية. وكانت هذه السورة تعدل سورة البقرة. وكانت فيها آية الرجم: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم". ذكره أبو بكر الأنباري عن أبي بن كعب، وهذا يحمله أهل العلم على أن الله تعالى رفع من الأحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا، وأن آية الرجم رفع لفظها. وقال: هذا وجه من وجزه النسخ.

وقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم وفي الموطأ والسنن الكبرى وغيرها من كتب الحديث والتفسير وكتب أصول الفقه وفروعه وفي مواضع متعددة منها بروايات صحيحة ذكر آية الرجم، وأنها كانت أحد آيات سورة الأحزاب، وأن الصحابة رضي الله عنهم قرؤها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعوها، وكانوا يعدونها آية من القرآن، وأنها نسخت لفظا وبقي حكمها، أي: رفع لفظها مع ما رفع من الآيات القرآنية، حيث أنها لم تكتب في المصحف، فلم تعد بعد النسخ من الآيات القرآنية التي تعبدنا الله بتلاوتها، وبقي حكم حد الرجم للزاني المحصن، وهو ثابت بالإجماع على ما ورد بالسنة النبوية وجرى تنفيذه في العصر النبوي وما بعده، ونسخ آية الرجم لفظا مع بقاء الحكم هو ما ذهب إليه جمهور أهل السنة والجماعة لثبوت نقله بروايات في أصح كتب الحديث المتفق عليها، وأن القول بالنسخ لم يأت برواية شخص واحد بل جاء عن عدد من كبار الصحابة ووافقهم الآخرون ولم ينكروا عليهم، فالقول بالنسخ لا مجال فيه للإجتهاد، بل هو توقيفي وكل ما نسخ من آيات القرآن أو بقي منها فهو بأمر الله تعالى وحكمة فهو المالك الحاكم يفعل ما يشاء، فهو الذي تولى بنفسه حفظ القرآن وضمن ذلك فليس بمقدور أحد أن يحرفه أو يبدله. وآيات القرآن ما نسخ منها وما لم ينسخ كلها كانت محددة ومعروفة ومحفوظة عند الصحابة، وقد نقلت إلينا كما هي وليس فيها زيادة أو نقص. والصحابة عدول مؤتمنون مصدقون وما من أحد من علماء المسلمين إلا وهو يأخذ عنهم، ولا يمكن لأحد أن يزيد في القرآن أو يأتي بآية من عنده لأن الله تعالى حفظ القرآن بقدرته على وجه الإعجاز والتحدي فلا يستطيع أحد معارضة قدرة الله تعالى، كما أن الزيادة تعد افتراء على الله ولا يمكن لأحد من علماء المسلمين في أي زمن السكوت عليها.

قال البهوتي‏:‏ قد ثبت أن النبي رجم بقوله وفعله في أخبار تشبه التواتر. وقد أنزله الله تعالى في كتابه ،‏ ثم نسخ رسمه وبقي حكمه.

فعن عبد الله بن عباس يقول قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله قال‏:‏ ‏(إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها، ووعيناها، رجم رسول الله ورجمنا بعده،‏ فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ‏:‏ والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف) رواه مسلم


وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ)رواه مسلم ، وسنن الترمذي وأبي داود، وابن ماجة.



أما حد السرقة:


قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} المائدة: 38.

وهذا هو حكم الله عز وجل في السرقة أن تقطع يد السارق من الرُّسْغِ .
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم : قال الشافِعِيُّ وأبو حنيفة ومالك والجماهير : " تُقْطَعُ اليد من الرسغ ، وهو المِفْصَلُ بين الكَفِّ والذِّرَاع ، قال القرطبي : قال الكَافَّة : " تقطع اليد من الرُسْغِ ، لا كما يفعله بعض المبتدعة من قطع أصابع اليد وترك الإِبْهَام . ولأن قطع اليد أمر عظيم ، فإن قطع يد السارق لا يكون عند أي سرقة بل لا بد من اجتماع شروط حتى تقطع يد السارق , وهذه الشروط هي :
1- أن يكون أخذ الشيء على وجه الخِفْيَةِ ، فإن لم يكن على وجه الخفية فلا تُقْطَع ، كما لو انْتَهَب المال على وجه الغَلَبَةِ والقَهْرِ على مَرْآى من الناس ، أو اغْتَصَبَه ، لأن صاحب المال يمكنه النَّجدة والأَخْذ على يده .
2- أن يكون المسروق مالا محترماً , لأن ما ليس بمال لا حرمة له ، كآلات اللهو والخمر والخنزير .
3- أن يكون المسروق نصاباً ، وهو ثلاثة دراهم إسلامية أو ربع دينار إسلامي ، أو ما يقابل أحدهما من النقود الأخرى .
4- أن يأخُذَ المسروق من حرزه ، وحرز المال : ما تَعَوَّدَ الناس على حفظ أموالهم فيه كالخِزَانَة مثلاً .
5- لا بد من ثُبُوتِ السرقة ، وتكون إما بشهادة عَدْلَيْنِ ، أو بإقرار السارق على نفسه مرتين .
6- لابد أن يطالب المسروق منه بماله فإذا لم يطالِب لم يجب القطع .
فإذا تحققت هذه الشروط وجب قطع اليد ، ولو طبق هذا الحكم في المجتمعات التي ارتضت القوانين الوضعية ، التي نَحَّت شريعة الله واستبدلت بها قوانين البشر لكان أنفع علاج لهذه الظاهرة ولكن الأمر كما قال عز وجل : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون )المائدة:
50


هذه هي أدلة كل من حد الزنا والسرقة، ولا مجال لسرد باقي أدلة الحدود التي لا شك فيها، ولا يشك فيها إلا المنافقين، ولا يتأولها إلا المحرفين، الذين يصدون عن  سبيل الله ويبغونها عوجا أمثال هذا المخرف الضال.


هذا. والله أعلى وأعلم




كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 20/11/2017
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com