هل ما يحدث في مصر من مظاهرات ثورة مباركة ؟؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة
أولا:

الذي لا خلاف فيه هو أن هذه المطالب يقرها الشرع والدين الحنيف فرفع الظلم والقهر ومحاربة الفساد والفقر من حقوق الرعية الواجبة على الراعي والتي سوف يُسأل عنها بين يدي الله عز وجل يوم القيامة .

فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والأمير راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولدها فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) متفق عليه .

وعن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) أخرجه الحاكم في المستدراك .
ثانيا:
طريقة مطالبة الرعية بحقوقها من الراعي يجب أن تكون بطريقة شرعية فالمظاهرات والإنقلابات والثورات ليس لها أصل في دين الإسلام ولا يقرها شرع وهي بدعة ابتدعها الخوارج ومن سننن المشركين( والغاية لا تبرر الوسيلة ).
فعن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة ) رواه مسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
" فيأتي بالأمر والنهي معتقد أنه مطيع في ذلك لله ورسوله وهو معتد في حدوده كما انتصب كثير من أهل البدع والأهواء، كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم ممن غلط  فيما أتاه من الأمر والنهي والجهاد على ذلك وكان فساده أعظم من صلاحه، ولهذا ( أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الأئمة، ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة وقال: أدوا إليهم حقوقهم وسلوا الله حقوقكم ) . انتهى
وعليه فمنهج أهل السنة والجماعة والمحرر في كتب السياسة الشرعية من ضوابط لإنكار المنكر هو عدم جواز إنكار المنكر على الحكام وأولياء الأمور باليد والخروج عليهم ولو كانوا (ظالمين جائرين) بل يكون الإنكار باللسان والذهاب إليهم والنصح لهم ، وإن خشي من بطشهم يكون الإنكار بالقلب.
قال سعيد بن جبير:قلت لابن عباس:آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر ؟ قال : إن خفت أن يقتلك ، فلا ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، وقال : إن كنت لا بد فاعلا ، ففيما بينك وبينه .
وقال طاوس:أتى رجل
ابن عباس ، فقال : ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه ؟ قال : لا تكن له فتنة ، قال : أفرأيت إن أمرني بمعصية الله ؟ قال : ذلك الذي تريد ، فكن حينئذ رجلا .
وعن
أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .) رواه مسلم .
وعن
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي ، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده ، فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه ، فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه ، فهو مؤمن ، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) .

فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه ، وأما إنكاره بالقلب لا بد منه ، فمن لم ينكر قلبه المنكر ، دل على ذهاب الإيمان من قلبه . وأما الإنكار باللسان واليد ، فإنما يجب بحسب الطاقة ، وقال ابن مسعود : يوشك من عاش منكم أن يرى منكرا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره .
وقال علي : إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمن لم يعرف قلبه المعروف ، وينكر قلبه المنكر ، نكس فجعل أعلاه أسفله .
وسمع
ابن مسعود رجلا يقول : هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر ، فقال ابن مسعود هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر ، يشير إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد فمن لم يعرفه هلك.
أما الخروج على الأئمة اشترط أهل العلم ومنهم شيخنا محمد بن عثيميين رحمه الله :شروط مغلظة منها :
1.أن نعلم علم اليقين أنهم أتوا كفراً.
أن نعلم أن هذا الكفر صريح ليس فيه تأويل، ولا يحتمل التأويل، صريح ظاهر واضح؛ لأن الصريح كما جاء في الحديث هو الشيء الظاهر البين العالي، كما قال الله تعالى عن فرعون أنه قال لهامان: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} غافر: 36، 37
فلا بد أن يكون صريحاً، أما ما يحتمل التأويل، فإنه لا يسوِّغ الخروج عن الإيمان.
 أن يكون عندنا فيه من الله برهان ودليل قاطع مثل الشمس ـ  أن هذا كفر، فلا بد إذن أن نعلم أنه كفر، وأن نعلم أن مرتكبه كافر لعدم التأويل، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان» وقالوا: أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، أي: ما داموا يصلون.
القدرة على إزالته، أما إذا علمنا أننا لا نزيله إلا بقتال، تُراقُ فيه الدماء وتستباح فيه الحرمات، فلا يجوز أن نتكلم أبداً، ولكن نسأل الله أن يهديه أو يزيله؛ لأننا لو فعلنا وليس عندنا قدرة، فهل يمكن أن يتزحزح هذا الوالي الكافر عما هو عليه؟ لا، بل لا يزداد إلا تمسكاً بما هو عليه، وما أكثر الذين يناصرونه، إذاً يكون سعينا بالخروج عليه مفسدة عظيمة، لا يزول بها الباطل بل يقوى بها الباطل، ويكون الإثم علينا، فنحن الذين وضعنا رقابنا تحت سيوفه، ولا أحد أحكم من الله، ولم يفرض القتال على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ إلا حين كان لهم دولة مستقلة، وإلا فإنهم كانوا يهانون في مكة، الذي يحبس، والذي يقتل، والذي توضع عليه الحجارة المحماة على بطنه، ومحمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجع من الطائف، يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبه ولم يؤمر بالقتال؛ لأن الله حكيم؛ ولذلك مع الأسف الشديد لا تجد أحداً عصى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وخرج على الإمام بما للإمام فيه شبهة، إلا ندم وكان ضرراً على شعبه، ولم يزل الإمام، ولا أريد بالإمام الإمام الأعظم؛ لأن الإمام الأعظم ذهب من زمان، لكن إمام كل قوم من له سلطة عليهم)). انتهى
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله ( فتوى 8/203 )
(إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان ، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة ، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا. أو كان الخروج يُسبّب شراً أكثر فليس لهم الخروج ؛ رعايةً للمصالح العامة . والقاعدة الشرعية المُجمع عليها أنه ( لا يجوز إزالة الشرّ بما هو أشرّ منه ) ؛ بل يجب درء الشرّ بما يزيله أو يُخفّفه . أما درء الشرّ بشرٍّ أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين . فإذا كانت هذه الطائفة - التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً - عندها قدرة تزيله بها وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشرّ أعظم من شرّ هذا السلطان فلا بأس ، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحقّ الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم ، فهذا لا يجوز) انتهى .
ثالثا:
الواجب على العلماء الربانيين في هذه الأحداث أن يخرجوا على الناس من أجل إعلان كلمة الحق والنصيحة إلى ولي الأمر فعن أبى أمامة قال: (أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرمى الجمرة ,فقال يا رسول الله أى الجهاد أحب إلى الله ؟فسكت عنه حتى إذا رمى الثانية عرض له فقال: يا رسول الله,اى الجهاد أحب إلى الله؟قال :فسكت عنه ,ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا اعترض الجمرة الثالثة عرض له ,فقال: يا رسول الله ,اى الجهاداحب إلى الله ؟قال كلمة حق تقال لإمام جائر) .
وكذلك بيان حكم الشرع للعامة في هذه المظاهرات حتى لا تكبر الفتنة وتزيد المحنة ويعم البلاء والفوضى وإراقة الدماء أكثر من هذا ويترك المجال لمن حسبوا على أهل العلم زورا وبهتانا باللغط فيه.
ونسأل الله أن يرفع هذا البلاء عن بلاد الإسلام
ويحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن
ويجمع كلمتهم على كلمة سواء.
هذا والله أعلم
وصلي وسلم على النبي محمد
صلى الله عليه وسلم


كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 06/02/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com