ما هو حكم انتحار نساء حلب خوفاً من الاغتصاب ؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً:

وردت النصوص على تحريم قتل الإنسان لنفسه بأي وسيلة من الوسائل أو قتل غيره، ويعد كبيرة من الكبائر بعد الشرك بالله تعالى.

وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة

أما دليل الكتاب:

قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الإسراء: 33


وقال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء :29

وقال تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) الفرقان : 68

وقال تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)الاسراء : 33

وقال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء: 93

وهذه الآية من أشد وأغلظ أنواع الوعيد في كتاب الله تعالي فقد جمعت الخلود في النار والغضب واللعنة من الجبار والعذاب العظيم.

أما دليل السنة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا فِيهَا أَبَدا. وَمَنْ شَرِبَ سَمّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا مُخَلَّدا فِيهَا أَبَدا. وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا مُخَلَّدا فِيهَا أَبَدا ». متفق عليه.

هذا هو حكم من يقدم على الانتحار ويقتل نفسه بأي وسيلة كانت ، كإطلاق الرصاص على نفسه ، أو بشربه السمّ ، أو إحراق نفسه أو إلقائها في الماء ليغرق ، أو بترك الطعام والشراب حتى يموت ، أو يتردى من جبل أو بناية فكل هذا وأمثاله حرام بالاتفاق.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات.قالوا : يا رسول الله وما هن ؟.قال : الشرك بالله ، والسحر ،وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ؛وأكل الربا وأكل مال اليتيم ،والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)رواه البخاري ومسلم

أما عن قتل الغير فقد ورد التغليظ على حرمة دم المسلم وماله وعرضه.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟»، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ ، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟»، قَالُوا : بَلَدٌ حَرَامٌ ، قَالَ: «فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟»، قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ "، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) رواه البخاري

وعن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق). رواه النسائي وابن ماجه . ورواه البيهقي وزاد فيه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ ، وَأَهْلَ أَرْضِهِ ، اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَدْخَلَهُمُ اللَّهُ النَّارَ) وروي بلفظ : لهدم الكعبة حجراً حجرا أهون من قتل مسلم

عَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : (كل ذَنْب عَسى الله أَن يغفره إِلَّا الرجل يَمُوت كَافِرًا أَو الرجل يقتل مُؤمنا مُتَعَمدًا). رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم

وعَنِ ابن عمر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا " رواه البخاري

وعَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ : رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بِالْكَعْبَةِ وَيَقُول :(مَا أطيبَكِ وَمَا أطيبَ رِيحَكِ ، ومَا أعظمَكِ وَمَا أعظمَ حُرْمَتَكِ !، وَالَّذِي نفسُ مُحَمَّد بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤمنِ عِنْد الله أعظمُ من حُرْمَتَكِ ، مَاله وَدَمه) رواه ابن ماجه

ثانياً:

إنَ اقدام النساء على رمي أنفسهن من أعلى المباني خوفاً من الاغتصاب ، فالاغتصاب أمر يحتمل وقوعه أو عدم وقوعه

والقاعدة الأصولية تفيد بأنَ "ما تطرق اليه الاحتمال سقط به الاستدلال "

أي: أن الدليل يسقط بمجرد تطرق الاحتمال إليه و بمجرد إيراد الإشكال على الدليل يعني إبطاله. وهذه القاعدة لا تأخذ على الاطلاق حتى لا تبطل بعد الأصول .

فاحتمال وقوع الاغتصاب على بعض النساء لا يصح فيه التعميم على سائر النساء في حلب.

ثالثاً:

إنَ وقوع الاغتصاب لا قدر الله مفسدته أقل من مفسدة قتل النفس والانتحار وهذا من منطلق القاعدة الأصولية " إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما ".

 أي: يدفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما . ومن المعلوم بأن قتل النفس أعظم وأكبر عند الله كما دلت عليه النصوص سالفة الذكر.

رابعاً:

الأصل بأن على المسلم دفع الصائل الذي يعتدي عليه أو يتعرض لنفسه أو ماله أو عرضه، وأن يدفعه بقدر استطاعته وإن مات دون ذلك فله منزلة الشهداء

فعن سعيد بن زيد مطولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد)  أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وأحمد وصححه .

وفي رواية من مات دون أرضه فهو شهيد، وفي رواية من قتل دون مظلمته فهو شهيد.

وعن أبي هريرة: « أن رجلا قال : يا رسول الله أرأيت رجلا يريد أن يأخذ مالي ؟ قال : « قاتله ، قال : فإن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد ، قال : فإن قتلته ؟ قال : فهو في النار » وفي لفظة : « قال : أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : قاتله ، قال : فإن قتلني ؟ فأنت شهيد ، قال : فإن قتلته ؟ قال: فهو في النار » فبين أنه قال : قاتله ودافعه ،و في لفظة قال : أمره بأن ينشده الله وأن يطلب مثلا دفع شره أو ينشد أهل الإسلام لدفع شره ؛ حتى يتوقف فإذا توقف شره انتهى الأمر

وعليه :

فلا يجوز لنساء سوريا إن ينتحرن للأدلة السابقة، كما على من أفتى لهم بذلك أن يستغفر الله تعالى، ويرجع في فتواه ولا يفتي بغير علم.

ونسأل الله عز وجل أن يحفظ أعراض المسلمين وينتقم من الظالمين.

إنه ولي ذلك والقادر عليه

هذا. والله أعلى وأعلم




كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 17/12/2016
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com