الطلاق بالجزائر.. أرقام تثير المخاوف


حذر خبراء وقانونيون جزائريون من التأثيرات السلبية لبعض الإجراءات القانونية الميسرة للطلاق في قانون الأسرة الجزائري الصادر عام 2005، واعتبروا تلك الإجراءات السبب الأبرز في تنامي حالات الطلاق التي فاقت 65 ألفا في عام واحد.

يأتي هذا في الوقت الذي سجل فيه المرصد الجزائري للمرأة ارتفاع حالات الطلاق خلال العام الجاري، حيث توقع أن يتجاوز عدد الحالات في 2016 حدود السبعين ألفا، بعد أن بلغت نحو 65 ألف حالة في 2015.

وذكر المرصد أن عدد القضايا المسجلة يوميا تجاوزت 191 قضية، وأشار إلى أن الرقم يتزايد بوتيرة سريعة حيث انتقلت من 29 ألف حالة عام 2010 إلى 65 ألف حالة نهاية عام 2015.

واعتبر المرصد على لسان رئيسته شائعة جعفري أن جلسات الصلح التي تنظم بين الزوجين في المحاكم تعد إحدى الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حالات الطلاق، ذلك لأن الاستماع للزوجين يتطلب أشهرا حسب ما يتضمنه القانون، إلا أن العديد من الحالات يفصل فيها خلال الجلسة الواحدة بإعلان وتثبيت الطلاق.

ويعتقد خبراء في القانون أن انفجار ظاهرة الطلاق بدأت بعد 2005، حينما تم تعديل قانون الأسرة الجزائري الصادر عام 1984، بأن انتقل المشرع من مبدأ العصمة الزوجية بيد الزوج وحده باعتباره رب الأسرة، إلى مبدأ قانوني جديد هو "الكل يطلق".

وجرى بمقتضى هذا المبدأ تسهيل إجراءات الطلاق بأن أصبح الرجل والمرأة والقاضي كلهم ينطقون بالطلاق، وأصبح هذا الطلاق لا يحتمل حتى الرجوع عنه أو الطعن فيه.

جلسات الصلح
المحامي حسان براهمي أكد ما سبق، مشيرا إلى موجة عارمة من قضايا الخلع  أمام المحاكم، طمعا في الامتيازات التي تستفيد منها المرأة المطلقة بأولاد من نفقة شهرية، وأعباء تأجير سكن كلها على عاتق الزوج المخلوع، حتى وإن كانت الزوجة ميسورة وذات مداخيل مادية معتبرة.

ومن خلال تجربته الميدانية عبر المحاكم، قال براهمي للجزيرة نت إن "سبب انفجار قضايا الطلاق هو سبب قانوني بحت يرجع لتيسير إجراءات الطلاق".

ويضيف "يمكن لزوجة ما أن تخلع زوجها نهائيا بمجرد تسجيلها لعريضة دعوى قضائية أمام المحكمة، ثم تحجز موعد جلسة للتوقيع على محضر صلح، ليصدر الحكم في أجل أقصاه ثلاثة أشهر، دون الحاجة لحضور الزوج أو الاستماع لتصريحاته، وبمجرد صدور حكم الخلع يصبح غير قابل لأي طعن من طرف الزوج، ولو كان غائبا عن القضية".

وأمام تراكم عشرات القضايا في جدول القاضي، يضطر حسب حديثه إلى "التخلي عن دوره في محاولة التوفيق بين الطرفين وإقناع طالب أو طالبة الطلاق بالعدول عن ذلك، وتحول الجلسات إلى مجرد إجراء روتيني يتمثل في إمضاء محضر التمسك بالطلاق".

ورغم أن المادة 56 من قانون الأسرة يفرض اللجوء قبل جلسات الصلح إلى إجراء التحكيم العائلي باختيار حكم من أهلها وحكم من أهله يؤدون مهمتهم لمدة شهرين كاملين، لكنها بقيت دون تطبيق، والسبب مجهول حسب براهمي.

أسباب اجتماعية
من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر يوسف حنطابلي أن ظاهرة الطلاق لا يمكن إلا أن تكون اجتماعية، على اعتبار أن المتغيرات التي تدخل في انفصال الزوجين تتجلى في الوسط العائلي والاجتماعي الذي ينتميان له.

ويضيف أن "الحديث عن ظاهرة الطلاق في مجتمع معاصر، في إطار ثقافة ما زالت تقليدية في رؤيتها للزواج والطلاق، لكنها عرفت ظروفا اجتماعية تجلت في غياب الوازع الاجتماعي والعائلي الذي كان يرى في الطلاق تهديد للروابط العائلية".

وبناء على ذلك، يؤكد حنطابلي أن "الطلاق بات تهديدا للمجتمع ككل وبالتالي خلق لنفسه أي المجتمع آليات تجعل عملية الطلاق نادرة الوقوع، وهذا نجده في ثقافة النساء اللائي يعتبرن أن البقاء في بيت الزوجية أهم مع وجود خلافات ومشاكل من الرجوع إلى بيت الأهل".

واستنتج الخبير الاجتماعي أن ظاهرة الطلاق في الجزائر هي نتيجة غياب الأطر الاجتماعية التي كانت كابحا لانفصال ممكن بين الرجل والمرأة، إضافة إلى كون العلاقة الزوجية لم تبن منذ البداية بحضورهما وعلمهما إلا في المراسيم البروتوكولية، حيث يحضر الأهل للاحتفال لا غير.

ويرصد حنطابلي مستوى آخر لتفسير ظاهرة الطلاق، وهي "غياب معنى الزواج في تصور المرأة والرجل، حيث تحول لمؤسسة اقتصادية أكثر منه مؤسسة أخلاقية، وطغت عليه الحسابات المتعلقة بالجانب المادي والمصلحي والآني".



كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 31/10/2016
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com