حلم المالكي بتحويل القبلة إلى كربلاء!!


لم تكن مطالبة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق وأحد الشخصيات العراقية النافذة، في تصريحات لراديو "سوا" الأمريكي مؤخرًا، بأن كربلاء يجب أن تكون قبلة العالم الإسلامي، لأن فيها الحسين، وأن زائري الإمام الحسين ليسوا فقط في المناسبات التي نحياها في العاشر من المحرم وفي الأربعين، وإنما في كل جمعة وفي كل يوم، لأنه قبلة، والقبلة نتجه إليها في كل يوم خمس مرات، وكذلك الحسين وهو ابن هذه القبلة التي أوصانا الله أن نتجه إليها .. لم تكن هذه التصريحات مجرد كلمات روتينية من سياسي اعتاد على التصريحات الإعلامية، وإنما هي ثقافة طائفية متطرفة يتشربها كل شيعي منذ طفولته، بأن كعبة العالم الإسلامي الحقيقية هي في كربلاء والنجف وليست في بيت الله الحرام في مكة المكرمة

ولهذا لم يكن غريبًا أن يندفع مئات الآلاف من الإيرانيين إلى تغيير وجهتهم صوب مرقد الإمام الحسين في كربلاء، بعد أن منعت السلطات الإيرانية الحج إلى مكة هذا العام، ووصل عدد الزوار إلى كربلاء إلى مليون شخص، 75% منهم إيرانيون.

وتجمع المصادر الشيعية على أن الزوار الشيعة يشعرون براحة أكثر في كربلاء مقارنة بمكة المكرمة، وهذه حقيقة لا يعرفها إلا من عاش في أوساط الشيعة فترات طويلة.

إذا جئنا إلى النواحي الفنية فإن السعودية (الدولة المشرفة والمنظمة لإجراءات الحج) تتبع إجراءات لدخول الحجاج من مختلف دول العالم، بدءًا من منحهم تأشيرة الدخول وتحديد أعدادهم، مرورًا بتسكينهم، ونقلهم لأداء المناسك ... الخ، وبدون هذه الإجراءات تصبح الأمور فوضى مما يؤدي إلى الهرج والمرج ومقتل مئات الحجاج، ولأن أعداد الحجاج بالملايين فإن الإجراءات تكون مشددة، وتخضع لها كل الدول (70 دولة)، وهي تبدأ قبل موسم الحج بشهور، وتوقع بذلك اتفاقيات بين المملكة العربية السعودية والدولة القادم منها الحجاج، والإجراءات روتينية لأنها تتكرر كل عام، لذلك فلا تثير أية دولة أية مشكلة وتمر الأمور في هدوء، باستثناء إيران فهي التي تثير المشاكل وتوجدها من العدم وتكبر من الأمور البسيطة لكي تدين المملكة بأية وسيلة.

وهذا العام رفضت إيران أن توقع مع المملكة اتفاق الحج لأنها أرادت مزايا خاصة لها، لو وفرتها الملكة لتسببت هذه المزايا في خلق فوضى.

لبت المملكة جميع احتياجات الإيرانيين بالكامل، لكن إيران رفضت التوقيع، وعللت رفضها توقيع المذكرة هذا العام بإجراءات طالبت بها حكومة طهران، تحول الحج إلى "شبه مظاهرات"، وهذا تسييس واضح وخروج صريح عن أداء الفريضة، التي يجب أن تؤدى في هدوء وأمان.

 ومن ضمن المطالب الإيرانية منح التأشيرات من داخل إيران، وبسبب عدم وجود سفارة في طهران تعذر ذلك، لكن السلطات السعودية تجاوزت هذه العقبة عن طريق منحهم تأشيرة الحج عن طريق الإنترنت.

المدقق في الأمر يلاحظ أن إيران كانت تسعى من البداية إلى المراوغة وإيجاد الحجج لعدم تمكين مواطنيها من أداء الفريضة، ثم استغلال ذلك لشن حملة على السعودية والادعاء بأنها عطلت الحجاج الإيرانيين عن أداء فريضة من فرائض الإسلام، وهذا إثم كبير.

إيران تستغل موسم الحج سنويًا لتحويله إلى مظاهرة تخدم شعارات وتوجهات وأفكار نظام الولي الفقيه، لكن في هذا العام بالتحديد، أراد نظام طهران تصعيد الوتيرة ضد السعودية، التي على المستوى السياسي أعلنت الوقوف في وجه التوسع الإيراني في المنطقة وإطفاء النار التي أشعلتها إيران في دول المنطقة، فالسعودية الآن هي رأس الحربة سواء في دول التحالف التي تقف ضد التمدد الحوثي في اليمن، أو التحركات العربية والإقليمية لمحاصرة التمدد الإيراني في العراق وسوريا.

تعلم إيران جيدًا أن السعودية تشكل مع تركيا وقطر مثلثًا لا يستهان به في الأزمة السورية، ولولا مساعدات هذا المثلث للمعارضة السورية المعتدلة لكان نظام بشار قد أنهى الأمر لصالحه. ولا يعجب الشيعة عمومًا الموقف الحازم لسفير المملكة في بغداد تامر السبهان ويطالبون بضرورة تغييره.

وإذا كانت إيران قد أرادت بمنعها تأدية فريضة الحج هذا العام عزل السعودية وتشويه صورتها في العالم الإسلامي، فإن الإجماع الإسلامي في قمة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول، على إدانة النظام الإيراني مثّل إجماع الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ضد النظام الإيراني الذي ارتكب الكثير من الجرائم بحق هذه الأمة، من مجازر وحروب وإرهاب وتطرف.

إيران تريد استغلال وجود ملايين الحجاج في مكان واحد للترويج لباطلها وإرهابها وللترويج للحروب التي تقوم بها في البلاد العربية التي قتل فيها مئات الآلاف من المسلمين في سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي غيرها من البلاد، وإلى نشر مذهبها وأفكارها بين الحجاج.

وعلماء الأمة الثقات مجمعون على أن النظام الإيراني هو الذي يتحمل وزر وإثم عدم تأدية عشرات الآلاف من أبناء الشعب الإيراني لفريضة الحج هذا العام.

وهؤلاء العلماء الثقات مجمعون أيضًا على أنه حتى في الفقه الاثنى عشري فإنه بالنسبة لمراسم الحج لا تختلف عما يعمله المسلمون كافة من الإحرام والطواف والرمي والسعي والتقصير والذبح وما إلى ذلك، ولا توجد فيه مظاهرات البراءة.

والعالم الإسلامي يعلم الآن علم اليقين أن مظاهرات البراءة الإيرانية في الحج إنما هي توجيه سياسي مكشوف، فإذا كانت المظاهرات تلعن أمريكا وتتبرأ منها، فمن المقطوع به أن إيران هي التي تحالفت مع أمريكا في الدخول إلى أفغانستان، وهي التي ساعدت الأمريكان في احتلال العراق وتقاسمت معهم الغنائم هناك، وهي تفعل نفس الشيء الآن في سوريا واليمن، وإيران هي التي وقعت الاتفاق النووي مع أمريكا والدول الأوروبية.

إيران حانقة على السعودية وتشن ضدها الحملات الإعلامية، لأن النظام الإيراني مبني على تصدير الإرهاب والحروب والتدخل في مختلف دول العالم العربي، وهو ينظر إلى الحج ولحضور عناصره في أيام الحج كميقات للتواصل مع من تبقى منهم من المسلمين الذين لديهم جاهزية الاستقطاب للفكر الإيراني الشيعي المتطرف، ولذلك فإن قضية البراءة من المشركين تأخذ طابعا محوريا للنظام الإيراني، بحيث لا يستطيع التنازل عنها، ومن هنا جاء الحنق على السعودية.

شعارات البراءة التي يطلقها الحجاج الإيرانيون ظاهرها المناداة بالبراءة من أعداء الدين والملة من الصليبيين والصهاينة، ولكن باطنها الذي يدل عليه توقيتها ومكانها، على أن البراءة ليست من أمريكا وإسرائيل، وإنما هي حقيقة وأساسا من أعداء آخرين لا تتورع مصادر الشيعة عن التصريح بأسمائهم وصفاتهم، وهم أهل السنة.

ونحن نسأل: لماذا تنادي إيران بإظهار هذه البراءة فقط في مكة والمدينة، ولم تأمر زوار النجف وكربلاء في العراق (وهم بالملايين) بإظهار هذه البراءة في دولة عانت من الاحتلال الأمريكي الصليبي لأكثر من 8 سنوات، ولاتزال قواعده جاثمة في بلاد الرّافدين؟ ولماذا لم يُظهر الشيعة هذه البراءة في سوريا واليمن؟



كاتب المقالة : السيد أبو داود
تاريخ النشر : 22/09/2016
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com