والله خلق كل دابة من مــاء ( 1 )


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله الذي حفظ لنا القرآن الكريم بحفظه إلى يوم الدين من التبديل والتحريف وأظهر فيه من الآيات على أنه كلام رب الأرض والسموات أنزله بعلمه على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله الرسول الأمين بواسطة الروح الأمين ليكون حجة على العالمين إلى يوم الدين .

أما بعــــــد

الذي يبحث في القرآن الكريم يعلم بأنه لا تنفض عجائبة ولاتنتهي معجزاته في كل المجالات ومن هذه المعجزات آيات الخلق بصفة عامة وخلق الحيوان بصفة خاصة . وقد جمعها الله سبحانه وتعالى في آية كريمة من سورة النور. قال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(( النور 45

الدلالات العلمية في تفسير الآية الكريمة

أولا: في قوله تعالى: ( والله خلق كل دابة من ماء ) .

( الدابة ) في اللغة هي كل ما يدب على الأرض أي يمشي عليها بخفه ، وجمعها ( دواب ) والفعل يستعمل للتعبير عن حركة الحيوان أكثر من استعماله للإنسان ، وأيضا منها أن خلق الماء سبق لخلق جميع الأحياء ، وهو ما أثبتته الدراسات الأرضية ، وإن كل صور الحياة

( الإنسية ، والحيوانية ، والنباتية ) لايمكن لها أن تقوم في غيبة الماء وكذلك جميع الأنشطة الحياتية وتفاعلاتها من تغذية إلى هضم ،وتمثيل غذائي، وإخراج وتخلص من سموم وفضلات وتنفس وتمثيل ضوئي وغير ذلك .

وأن الماء يشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد جميع الأحياء، فيكون 71% من جسم الإنسان البالغ، و 93% من جسم الجنين، و 80% من تركيب دم الإنسان وأكثر من 90% من تركيب أجساد العديد من النباتات والحيوانات .

ثانيا: في قوله تعالى : ( فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ، ومنهم من يمشي على أربع ) .

يوضح هذا النص الكريم أن طرائق تحرك الدواب هي وسيلة من وسائل تصنيفها الجيدة، وحركة الدابة هي انتقالها من مكان إلى آخر سعيا وراء طلب الطعام والشراب، أو للهرب من الأعداء، أو للارتحال عند تغير البيئية إلى مكان أنسب .

الطريقة الأولى: هي المشي على البطن كما تفعل الديدان وهي من اللافقاريات عديمة الأطراف التي تتبع قبائل عدة. وكذلك الزواحف التي زودها الله سبحانه وتعالى بجلد سميك خال من الغدد، ومغطى بالعديد من القشور والحراشف القرنية الجافة والصلة، والتي تحمي جسمها من المؤثرات الخارجية، والزواحف تضم حيوانات بطيئة الحركة بصفة عامة لأنها تزحف ببطنها على سطح الأرض ويعرف منها قرابة الستة ألاف نوع، والأرجل من الزواحف إما غائبة تماما أو ذات أثر ضعيف .

ومن الزواحف التي تمشي على بطنها:

رتبة الثعابين: ويعرف منها قرابة الثلاثة ألاف نوع، ولبعضها أجسام مفرطة في الطول وقد أعطاها الله سبحانه وتعالى القدرة على تسلق الجدران والأشجار، والقفز من فوق مسطح الأرض، ولف الجسم لفات عديدة متقاربة لتندفع بقوة العضلات الجسدية وتنقض على الفريسة أو تهرب من الخطر، وأيضا السحالي الثعبانية التي تعيش تحت الأرض بصورة مستديمة.

الطريقة الثانية : هي المشي على أربع أرجل وهي رتبة السحالي ( العظاءات ) وهذه الرتبة هي أكثر الزواحف انتشارا ويعرف منها أكثر من 2500 نوع من مختلف بيئات الأرضن ولكل منها أربع أرجل قوية نسبيا، كالمة التكوين، ومنه الحرابي والسحالي الطائرة والبرص ومنه ثلاثة عشر وعا، والضب ويعرف منه أحد عشر نوعا، ورتبة السلاحف : ومنهاما بالقرب من 250 نوعا ومن مميزات السلاحف وجود صندوق عظمي يحيط بجسمها على هيئة غطاءين ظهري وبطني، وهناك سلاحف ارضية وبحرية وسلاحف الماء العذب.

رتبة التماسيح: ويعرف منها واحد وعشرون نوعا تعيش كلها في الماء العذب ولا تخرج منه إلى اليابس، إلا نادرا لوضع البيض على الشواطئ الرملية للأنهار في مواسم التكاثر.

الطريقة الثالثة: ما تمشي على رجلين ومنها الزواحف العملاقة المندثرة، والطيور التي تضم 27 رتبة وأكثر من 8600 نوع، والثدييات مثل حيوان الكنغر وبعض القردة العليل، ومن الثدييات ما يطير في جو السماء مثل الخفافيش . ثم يأتي بعد ذلك من هذا النوع

 الإنسان: ذلك المخلوق المكرم في قمة ما خلق الله الذي أكرمه بانتصاب القامة، وبالسير على الساقين .

الطريقة الرابعة: ما تمشي على أربع ومنها الأنعام وسائر الحيوانات مثل الأبل والخيل والكلاب وغيرها مما خلقه الله بأربع يمشي ويدب عليها .

من أقوال المفسرين في الآية :

ذهب أهل التفسير إلى أن هذه الآية اراد الله عز وجل بها أن يبين قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه أنواع المخلوقات، على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد وهو ( ماء التناسل ) فمنها ما يمشي على بطنه كالحية وما شاكلها، ومنها ما يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنها ما يمشي على أربع كالأنعام وسائر الحيوانات . ولهذا قال سبحانه وتعالى ( يخلق الله ما يشاء ) أي بقدرته لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولهذا قال سبحانه وتعالى ( إن الله على كل شئ قدير) .

تخصيص وتكريم الإنسان :

 قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء 70

نعم لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر المخلوقات عندما خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأحسن صورته وهداه إلى إلى معرفه الله سبحانه وتعالى فأنزل إليه الكتب وأرسل إليه الرسل فعلمه وأحسن علمه وفهمه وأحسن معرفته وميزه بنعمه العقل والتكليف .

وقال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد) فصلت53 .

 

هذا. والله أعلم

والحمد لله رب العالمين

 

 



كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 27/01/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com