تونس : صيف سياسي ساخن للأحزاب التونسية


تُقبل الساحة التونسية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة على صيفٍ ملتهب سياسياً على صعيد الأحزاب الفاعلة، بدأت مؤشراته تظهر منذ فترة، واشتدت مع اقتراب مواعيد حاسمة، قد تكون مصيرية في مسيرة بعض الأحزاب، وستكون لها ارتداداتها العميقة على المشهد التونسي ككل وعلى سير العمل الحكومي، وقد تقود أيضاً إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية برمّتها، وفق قواعد ومعطيات جديدة.

تشهد الأيام الآتية ولادة لاعب سياسي جديد، هو "شعب حراك المواطنين"، الذي أسسه الرئيس السابق منصف المرزوقي، ثم انعقاد الندوة الوطنية (المؤتمر العام) لـ"الجبهة الشعبية" اليسارية، مع اعادة تشكيلها بعد انتخاباتها الداخلية. وتعقد "حركة النهضة" مؤتمرها وكذلك "نداء تونس"، وربما يسبقهما أو يليهما، ولادة "ائتلاف الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية"، الذي يجمع عدداً من الأحزاب، على غرار "التكتل" لمصطفى بن جعفر، و"الجمهوري" لأحمد نجيب الشابي، و"حركة الشعب" التي يقودها زهري المغزاوي وغيرها، وقد تشهد انضمام حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الحزب السابق للمرزوقي.

وتكمن أهمية الانتخابات الداخلية لبعض الأحزاب، في مضامينها وأجنداتها السياسية وأسئلتها الكبرى، التي تأجلت أكثر مما ينبغي، فيما تطرح أحزاب أخرى أسئلة حول وجودها في الساحة السياسية التونسية. وتدخل "حركة النهضة" مؤتمرها العاشر بسؤال جوهري، أجّلته منذ المؤتمر السابق إلى ما بعد الانتخابات، وهي قضية "فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي". مع ما يعنيه ذلك من إعادة هيكلتها كلياً، وتحديد مهامها السياسية، وحسم مصير من ستُوكل إليه مهمة العمل الدعوي.



وعلى غرار "النهضة" يعقد "نداء تونس" مؤتمره، من دون معرفة شكل المؤتمر وإلى أين سيفضي، وما إذا كان سيحافظ على تماسك الحزب أم سيؤدي إلى انشقاقه نهائياً. ويبدو الإعداد لهذا المؤتمر عسيراً، في ظلّ اختلافات جذرية بين التيارات والشخصيات التي تتجاذبه، ووجود اختلافات عميقة حول إدارة الحزب، وتخوّف من الإعداد له بشكل قد يُقصي طرفاً ما من السباق. ويطرح المؤتمر بكل الأحوال سؤالاً مركزياً أيضاً حول خلافة مؤسسه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، بعد انتقاله إلى قصر قرطاج، ما فتح باب الطموحات الواسعة حول السيطرة على الحزب الحاكم.

في المقابل، يستعد المرزوقي للإعلان عن ولادة رسمية لـ"حراك شعب المواطنين" في 25 أبريل/نيسان، بعد تأجيل الحدث بسبب اعتداء متحف
باردو في مارس/آذار الماضي. وتترقّب الساحة السياسية التونسية بفضول ماهية المولود السياسي الجديد وقوته وحجمه، بعد المدّ الشعبي الكبير الذي شهدته حملة المرزوقي الرئاسية، والتي تجاوز فيها حجم حزبه الأصلي "المؤتمر من أجل الجمهورية"، كاسباً أعداداً من المصوّتين الشباب وجهاتٍ إضافية، فرضت عليه التفكير في بديل سياسي أرحب، يمكن أن يشملها.

وكانت أربعة أحزاب قد انسحبت من مبادرة "حراك شعب المواطنين"، التي دعا إليها المرزوقي، بسبب "استمرار الغموض في طبيعة هذه المبادرة وأفقها السياسي". وأشارت كل من "حركة وفاء" و"حزب الإصلاح والتنمية" و"الحركة الوطنية للعدالة والتنمية" و"جبهة 17 ديسمبر للتنمية"، في بيان مشترك، قبل حوالي شهر، إلى "عدم نضج الأطراف المشاركة في هذا الحوار، واستمرارها في تكرار أخطائها السابقة"، ولفت البيان إلى "محاولة البعض، ممن تحملوا مسؤولية التنسيق المؤقت للمبادرة، الدفع باتجاه منحى جمعياتي مدني لهذا الحراك، وفرضه كأمر واقع خلال المؤتمر المزمع تنظيمه في 20 مارس الحالي" (قبل أن يتم التأجيل بسبب اعتداء باردو). ودعمت هذه الأحزاب ترشح المرزوقي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أيدت مبادرة "حراك شعب المواطنين"، وشاركت في الحوار، للبحث عن "أفق تنظيمي" لهذا الحراك ومضامينه.

وانطلقت، أمس السبت، أعمال اللجان الجهوية لـ"الجبهة الشعبية" اليسارية، التي تطرح بدورها مهام جديدة في إطار تنظيمها السياسي خلال ندوتها الوطنية مطلع مايو/أيار المقبل. وستقود الانتخابات ربما إلى تشكيلة جديدة للقيادة، وإعادة ترتيب مهامها.

وتحاول مجموعة من الأحزاب منذ مدة الاتحاد في ائتلاف جديد، تحت مظلة الفكر الاجتماعي الديمقراطي، غير أن محاولاتها لم تتكلل بالنجاح حتى الآن، في ظلّ تزاحم شخصياتها، التي لم تفلح نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة في الحدّ منها، على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه بعضها، والذي كاد أن يؤدي بها إلى الاندثار التام من الساحة السياسية.

وتسعى كل هذه الأحزاب إلى طرح نفسها على الساحة السياسية كبديل، أو خيار ثالث، لما سُمّي "الاستقطاب الثنائي بين النهضة والنداء"، مراهنة على هشاشة تحالفها السياسي الحكومي، وربما على فشلها في إدارة البلاد في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي تعرفها تونس.

ويرى عدد من المتابعين أن "سقوط الائتلاف الحكومي بات قريباً، على الرغم من الأرضيّة السياسية العريضة التي قام عليها، والتي بدأت تتآكل مع صعود أصوات حزبية ناقدة من الائتلاف نفسه على التعيينات، وعدم التنسيق بينها أو استشارتها في بعض القرارات".




كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 19/04/2015
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com