فرنسا: جدل حول قانون يسمح بانتهاك الحريات لـ"محاربة الإرهاب


يناقش مجلس النواب الفرنسي في عدة جلسات، مشروع قانون جديد حول الاستخبارات لتعزيز القدرات الاستخباراتية الفرنسية في "مواجهة الإرهاب"، هدفه الأساسي إضفاء صبغة قانونية على إجراءات ووسائل سرية، تلجأ إليها عادة مختلف أجهزة الاستخبارات الفرنسية، في رصد المشتبه في تخطيطهم لـ"الأعمال الإرهابية" وتعقّب الشبكات والخلايا "النائمة" ومكافحة أشكال التجسس المختلفة. وقام رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بنفسه، بعرض هذا المشروع على النواب، وسيرافع عنه بدلاً من وزير الداخلية برنار كازنوف، في بادرة تعكس الأهمية القصوى التي توليها الحكومة لهذا المشروع منذ اعتداءات باريس في يناير/كانون الثاني الماضي. وسيتيح مشروع القانون هذا وسائل وأدوات جديدة للاستخبارات في رصدها وتحقيقها في مجال الإرهاب. وسيكون بإمكان الأجهزة الفرنسية استعمال آلات تكنولوجية متطورة، لرصد المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والإلكترونية للمشتبه فيهم ولعائلاتهم ومعارفهم من دون اللجوء إلى إذن خاص من القضاء. "سيتيح القانون إمكانية إجبار شركات مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث في شبكة الانترنت، بالكشف عن معطيات الزبائن ومعلوماتهم الشخصية " كما سيكون بإمكان الأجهزة الاستخباراتية رصد المعلومات الإلكترونية عبر الإنترنت في وقت قياسي وفوري، بما فيها المكالمات عبر وسائط التواصل الاجتماعي مثل "سكايب" و"تويتر" و"فايسبوك". وسيتيح القانون الجديد إمكانية إجبار شركات مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث في شبكة الانترنت، بالكشف عن معطيات الزبائن ومعلوماتهم الشخصية، في حال الاشتباه في سلوكهم وعمليات البحث التي يقومون بها عبر مواقع الشبكة. ويتيح القانون أيضاً إمكانية زرع صناديق سوداء في المنصات التي تستضيف المواقع الإلكترونية، يتم اللجوء إليها للتنصت على المعلومات. وتبقى النقطة الأهم في هذا القانون هو أنه يبيح للمحققين استخدام كل الوسائل المذكورة أعلاه لرصد العمليات الإرهابية المحتملة، واستباقها بحرية وبسرعة من دون أي طلب إداري أو قضائي من شأنه أن يؤخر أو يعرقل مجريات التحقيق. غير أن مشروع هذا القانون أثار جدلاً واسعاً منذ عدة أشهر، خصوصاً في أوساط الجمعيات المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان، والتي رأت فيه انتهاكاً صارخاً للحريات الفردية وتعميماً قانونياً لمراقبة الأفراد، سيفتح الباب واسعاً للتجاوزات والانتهاكات باسم محاربة الإرهاب. غير أن الوزير كازنوف سعى الأسبوع الماضي إلى طمأنة المحتجين، نافياً أي تأثير للقانون الجديد على الحريات الفردية. وأكد أن "التنصت ورصد المكالمات سيكون محصوراً بأشخاص محددين مشتبه بتخطيطهم للأعمال الإرهابية". كما بعث برسائل طمأنة إلى مسؤولي منصّات المعلومات، الذين أبدوا تخوّفهم من فقدان المصداقية لدى زبائنهم، تؤكد بأن استعمال الأجهزة الأمنية للصناديق السوداء سيكون تحت إشراف الحكومة وبأمر من رئيس الوزراء، ولن يؤثر على سرية وحميمية المعلومات الخاصة بالشركات والأفراد.اقرأ أيضاً: فرنسا مصدر الجهاديين الأوروبيين واستباقاً لمعارضة بعض النواب اليساريين من أقصى اليسار وأيضا نواب من الحزب الاشتراكي الحاكم و"الخضر"، عدّلت الحكومة بعض فصول مشروع القانون الجديد وضمّنته بشكل خاص، استحداث هيئة إدارية مستقلة، أُطلق عليها "اللجنة الوطنية لمراقبة الرصد الأمني"، ستكون مهمتها مراقبة طريقة استخدام أجهزة الاستخبارات للوسائل التكنولوجية في التحقيقات، والحرص على عدم تجاوزها للحدود القانونية المتعلقة بحرية الأفراد. كما أعلنت الحكومة أن بإمكان المواطنين الذين يشتبهون في خضوعهم للمراقبة والتنصّت، أن يقدموا شكاوى لهذه الهيئة أو إلى مجلس الدولة للبت في صلاحيتها. غير أن بعض معارضي هذا القانون اعتبروا هذه الضمانات غير كافية، لأن الحكومة ضمّنت نص المشروع حالة "استثنائية مطلقة" في حال "تهديد إرهابي وشيك"، تتيح لرئيس الوزراء أن يمنح الأجهزة كافة الصلاحيات واستعمال كل الوسائل المتاحة للتنصّت والرصد والتعقب. وهذا ما دفع بفالس للدفاع بقوة عن مشروع القانون الجديد في تصريحاته لوسائل الإعلام، مشدداً على أن تعزيز وسائل وآليات مكافحة الإرهاب، سيكون في إطار القانون واحترام الحريات الفردية. ونفى الاتهامات التي وجّهتها بعض الجمعيات الحقوقية إلى الحكومة، مشبّهة مشروع القانون الاستخباراتي الجديد بنسخة فرنسية من قانون "باتريوتيك آكت" الأميركي الذي أصدرته واشنطن في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011. -



كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 14/04/2015
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com