خيارات محدودة لليسار الفرنسي بعد الهزائم


على وقع الهزيمة القاسية للحزب الاشتراكي في انتخابات الأقاليم الفرنسية، يومي 22 و29 مارس/آذار الماضي، ألغى رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس زيارته إلى ألمانيا، رافضاً المشاركة في مجلس الوزراء الفرنسي الألماني المشترك، ولقاءه مسؤولي البنك الأوروبي.

وفضّل فالس، الذي جدّد رفضه الاستقالة من منصبه، "ما دام يحظى بثقة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند وثقة مواطنيه، الذين ينتظرون منه القيام بالإصلاحات الموعودة"، البقاء في العاصمة، كي يلتقي النواب الاشتراكيين في باريس، على أمل إطفاء الحرائق في البيت الاشتراكي، بعد الهزيمة التاريخية.

وتبدو مشكلة الاشتراكي كبيرة، إلى درجة تساؤل أكثر من مسؤول فيه حول ما إذا كان الحزب نفسه لا يزال على قيد الحياة. وهو ما دفع جوليان دراي، المقرّب من الرئيس الفرنسي، إلى المطالبة بـ"إعادة تأسيسه بشكل كامل". لكن الأمر لا يبدو سهلاً، خصوصاً أن الهزائم الانتخابية تتالت، وزادت الأوضاع احتقاناً.

لا شكّ في أن الخلافات داخل البيت الاشتراكي نفسه أدّت دوراً حاسماً في الهزيمة، إلى حدّ اعتبار رئيس المجموعة الاشتراكية في البرلمان الفرنسي برونو لوغو، أن "الاشتراكيين ارتكبوا حماقة سياسية أفضت إلى انقسام غير طبيعي". وفي كلام لوغو إشارة إلى "تمرّد" عدد من النواب الاشتراكيين، الذين رفضوا إصلاحات فالس ووزير اقتصاده إيمانويل ماكرون، وكيف أن الحكومة مررت الإصلاح بالقوة، غير عابئة بنواب الأغلبية وتعديلاتهم ومخاوفهم.


وذهب "المتمردون" بعيداً، ولم يتأخروا في نشر بيانٍ لهم يطالب أصحاب القرار السياسي بـ"إرساء سياسة حكومية جديدة، وتجميع كل القوى". كما لم يتردد إيمانويل موريل، زعيم الاتجاه اليساري في الحزب الاشتراكي، في دعوة الحكومة إلى "قبول الإنصات إلى الحزب والمناضلين، والعودة إلى عمل يتلاءم مع تاريخ وقيم الحزب الاشتراكي". وقد عبَّر الخضر عن نفس المطلب.

وفي السياق، كشف رئيس الحزب الاشتراكي جان كريستوف كومباديليس، عن رغبته في لقاء مختلف زعماء اليسار لـ"بحث صيغة ما للتقارب". وكان لقاؤه في هذا الصدد مع الخضر مفيداً، لناحية انشاء أربع مجموعات عمل، تختص الأولى بالوضع الاقتصادي، وتعمل الثانية على التواصل مع الخضر، وتختص الثالثة بمتابعة وضع "الجبهة الوطنية"، على أن تبحث المجموعة الرابعة "القضايا الانتخابية". رفض حزب اليسار، فكرة "اللقاء"، مُطالباً بتحالف جديد بين مكونات اليسار الأخرى، المُعارِضة لحكومة الحزب الاشتراكي، وهو ما ناقشه اجتماع تجمّع "يحيا اليسار".

ويسابق الحزب الاشتراكي الزمن، قبل انعقاد "المجلس الوطني" للحزب، في 11 أبريل/ نيسان، في ظلّ غموض مقترحات تياراته. وهو ما حدا بفالس إلى الاهتمام بالشقّ الحزبي على حساب أي شيء آخر. ويتمثّل الحلّ الوحيد "المؤقت" لتوحيد الحزب، في ادماج الشق اليساري المعارض، في حكومة
فالس، وأخذ هواجسها ومطالبها بعين الاعتبار. وهذا ما سيعود بالحزب الاشتراكي إلى تركيبته التقليدية، التي عرفها مع حكومة ليونيل جوسبان (1997 ـ 2002)، والتي سيحاول الحكمُ فيها إرضاء كل الأطراف المشاركة، وهو ما سيحدّ كثيراً من حركتها. لكن هولاند يدرك أن الحزب الاشتراكي لا يمكنه أن يصنع انتصارات انتخابية وحده، وأن من الضروري البحث عن تحالفات مع قوى اليسار الأخرى.

وكان الرئيس السابق فرانسوا ميتران قد أدرك الأمر في العام 1981، كما جوسبان، ولكن العائق أو التحدّي الأكبر للمصالحة الداخلية، ولوحدة اليسار المتعدد، يتمثل في الأيديولوجيا. إن كثراً من مناضلي أحزاب اليسار ومن ناخبي اليسار عموماً، لا يجدون أنفسهم مُمثلين في السياسة "الليبرالية" التي تنفّذُها الحكومة منذ العام 2012. وترى الكثير من الأصوات في هذه الهزيمة الانتخابية، هزيمةً شخصية لهولاند وفالس، مما يستدعي، في نظرها "إعادة توجيه عميقة لسياسات اليسار، بشكل فوري".

وبات بالتالي مشروع القانون الجديد، حول المقاولات المتوسطة والصغرى والاستثمارات، والذي يحاول ماكرون تقديمه للبرلمان قريباً، في انتظار "الحوار الاجتماعي الحقيقي"، الذي يهدف إلى الأخذ برأي اتجاه القيادية الاشتراكية مارتين أوبري، التي لم تتحدث كثيراً، وتنتظر لحظتها بفارغ الصبر.

وكل شيء سيظهر في مؤتمر الحزب الاشتراكي في 5 و6 و7 يونيو/حزيران المقبل في مدينة بواتييه، ويُخشى أن يتحوّل إلى حلبة صراع، إن لم يؤدّ إلى انشقاق الحزب، بين اتجاه فالس الإصلاحي وخصومه من يسار الحزب والمتمردين عليه.




كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 08/04/2015
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com