الحكومة التونسية في امتحان المائة يوم


تسعى الحكومة التونسية الجديدة، مع نيلها ثقة النواب، إلى المباشرة فوراً بمعالجة التحديات التي تواجه المواطن التونسي، وهذا ما بدا في كلام رئيسها الحبيب الصيد، الذي أكد أمام مجلس النواب خلال جلسة نيل الثقة، أن حكومته حدّدت جملة من الأولويات التي سيعمل على تنفيذها خلال المائة يوم الأولى من عمر حكومته، داعياً النواب إلى تقييم عمله على أساسها. وقال إنه طلب من كل وزرائه زيارة كل المحافظات وتحديد خمس أولويات مستعجلة يتم الشروع في تنفيذها فوراً.

وبالفعل انطلق الوزراء الجدد في العمل على ضبط هذه الأولويات وتحديد الملفات العاجلة، ويبدو أن الجميع عدّل عقارب ساعاته على المائة يوم المقبلة ليكونوا في صراع مع الزمن. ومنذ اليوم الأول سارع كثيرون إلى تجاوز بروتوكول التسليم مع نظرائهم في الحكومة السابقة بتسلّم الملفات والاستماع إلى الموظفين لتحسّس الأجواء وأخذ فكرة عن الوزارات التي سيتولون إدارتها.

وفي تقليد جديد، أعدّ رئيس الحكومة السابقة مهدي جمعة تقريراً شاملاً عن الوضع في تونس سلّمه لنظيره الجديد، وبالتوازي أعدّ كل وزير تقريراً عن وزارته سلّمه لخلفه.

وتبدو المرحلة المقبلة شديدة الأهمية على مستوى رسم بناء المسار الديمقراطي من خلال استكمال تأسيس المؤسسات الدستورية التي نصّ عليها دستور الجمهورية الثانية.

وفي هذا السياق، يعتبر وزير العدل الجديد، محمد صالح بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الأولوية بالنسبة إليه يجب أن تكون لمشاريع القوانين الجديدة، خصوصاً تلك التي ستُحال إلى مجلس النواب، لافتاً إلى أنّ من أهم الملفات التي سيعمل عليها هي إرساء المجلس الأعلى للقضاء والتي هي "عملية معقدة وتتطلب تقديم الترشيحات ثم المرور إلى الانتخابات".

كذلك يشير إلى أنّ مشروع قانون المحكمة الدستورية هام جداً ويجب أن يُمرّر إلى مجلس النواب للمصادقة عليه، كاشفاً أن أولوية الأولويات ستكون قانون الإرهاب والذي يجب استكمال نصوصه وإحالته إلى مجلس النواب. ويرى بن عيسى أنه سيتم النظر في مختلف هذه المسائل خلال الأيام القليلة المقبلة، ملاحظاً أن هناك برامج أخرى ستنجز على المديين المتوسط والطويل.

وتبدو الأولويات جميعها مرتبطة بالوضع الأمني في تونس، وخصوصاً مع الحملات الأخيرة التي شنّتها قوات الأمن على عدد من الخلايا النائمة التي كانت تستهدف مناطق حساسة في تونس العاصمة والحمامات، وملاحقة عدد من المتشددين الخطرين في محافظة قفصة.

ويوضح كاتب الدولة للأمن رفيق الشلّي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أهم ملف سيكون مقاومة الإرهاب والقضاء على هذه الآفة، مؤكداً أنّ هناك برنامجاً كبيراً لمقاومة الجريمة المنظمة، مضيفاً أنّ الوضع في ليبيا مقلق في ظلّ انتشار الفوضى والتقاتل بين الفرقاء السياسيين. ويشدّد على أهمية معالجة ظاهرة استقطاب العناصر الشبابية التونسية ضمن المجموعات القتالية والنظر في ملف العناصر التونسية العائدة من ساحات القتال كسورية.

ويعلن الشلّي أن "مقاومة الإرهاب ستكون بتضييق الخناق على المجموعات المتحصنة في الجبال وخصوصاً في الشعانبي، التي تجد في التسلل إلى ليبيا المتنفس الوحيد للهروب، وبالتالي يجب إغلاق المنافذ وتضييق الخناق عليها، وتوقيف الدعم الذي سيسهّل القضاء على هذه العناصر".

ويؤكد أن من ضمن أولويات وزارة الداخلية تحسين التجهيزات والمعدات للأجهزة الأمنية والجيش وتوفير مزيد من الأمن للمواطنين، ومقاومة الجريمة المنظمة بمختلف أنواعها من تهريب سلاح ومخدرات، داعياً إلى تكاتف الجهود لمقاومة مختلف هذه الظواهر المتطرفة.

وتُتداول في تونس هذه الأيام جملة من الآراء المتباينة حول الوضع المالي والاقتصادي، خصوصاً مع اختلاف الآراء حول قرض المليار دولار الذي حصلت عليه تونس منذ أسبوع، ويقول وزير المالية الجديد سليم شاكر لـ"العربي الجديد" إنّه سيهتم بقانون المالية التكميلي لسنة 2015 كما سيتم العمل على ميزانية 2016، موضحاً أن الميزانية الجديدة تتطلب ما بين 6 و8 أشهر على الأقل لإعدادها وضبط فصولها ثم تمريرها إلى النواب.

ويؤكد أن الوزراء الجدد تلقوا تعليمات بتحديد 5 أولويات عاجلة في غضون أسبوع، ولذلك بدأ أغلب الوزراء يعدّون العدة لضبط هذه الأولويات وتحديد الملفات العاجلة.

ويشير شاكر إلى أنه توجه مباشرة بعد أدائه القسَم أمام رئيس الجمهورية، إلى وزارة المالية واجتمع مع وزير المالية السابق حكيم بن حمودة للاطلاع على أهم الملفات، ولمعرفة ما إذا كانت هناك توصيات أو أعمال عالقة تحتاج إلى النظر فيها. ويلفت إلى أنّ من أهم الملفات التي سيتم التركيز عليها ملفات البنوك العامة والإصلاحات الضرائبية والتي يجب أن تتوفر لخلق مداخيل لتمويل ميزانية الدولة المقبلة.

على صعيد آخر، شهدت تونس منذ حوالي ثلاثة أسابيع حالة من الاحتقان الشعبي الكبير بسبب إضراب قطاع النقل، مع ما يشهده هذا القطاع من تردٍّ واضح وإفلاس أغلب شركاته العامة. ويبدو وزير النقل الجديد محمود بن رمضان في مهمة صعبة خصوصاً مع التحركات النقابية الكبيرة التي يعرفها القطاع.

يقول بن رمضان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ أهم ملف في نظره هو إشعار المواطن بوجود إصلاحات في مجال النقل العام، موضحاً أنّ الإصلاحات المزمع القيام بها هدفها الأساسي تأمين حياة أفضل. ويشير إلى أنّ الملف الثاني الذي يجب التركيز عليه هو الموانئ التونسية والمطارات، مؤكداً أنه يجب القيام بعدة تسهيلات وأن تكون الخدمات أسرع وأكثر جودة.

ويعلن بن رمضان أنه حدّد الخطوط العريضة لعمل وزارته وأنه سيتم التطرق إلى تفاصيلها مع موظفي الوزارة، وكذلك مع الشركات المعنية والنقابات والاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة وجميع الأطراف التي لها علاقة بمجال النقل، مؤكداً أنه سيتم الاستماع إليهم والنظر في مطالبهم ومقترحاتهم، ومشدداً على وجوب إشراك مختلف الأطراف للحد من الإضرابات.

ويضيف بن رمضان: "سأستمع إليهم وسنعمل معاً على بناء تونس الجديدة بعيداً عن التجاذبات والإضرابات".

ويبقى القطاع السياحي من أهم القطاعات الاستراتيجية في الاقتصاد التونسي، ومن أكثرها حساسية وتأثراً بالوضع الداخلي والأمني خصوصاً، ويشهد هذا القطاع تراجعاً مستمراً منذ سنوات وجملة من المشاكل الجوهرية التي لم تجد طريقاً إلى الحل.

وفي هذا الصدد، تؤكد وزيرة السياحة الجديدة، سلمى اللومي الرقيق، لـ"العربي الجديد" أنّها ستنطلق من الاستماع إلى الموظفين في الوزارة وإلى المهنيين في القطاع السياحي لتحديد الأولويات الخمس الضرورية مع أهل القطاع وربما تعديلها في ضوء المقترحات التي ستُقدّم إليها وذلك قبل عرضها على رئيس الحكومة خلال الأسبوع المقبل.

وتلفت إلى أنّ المرحلة المقبلة صعبة، موضحة أن هناك صعوبات خصوصاً في السياحة والاقتصاد، وبالتالي يجب تضافر جميع الجهود وكل القوى لتحقيق الإضافة، مبينة أن لديها فكرة أولية عن القطاع السياحي وأنها ستطّلع أكثر على الملفات.

أما وزير تكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي الجديد نعمان الفهري، فيعلن لـ"العربي الجديد" أنّه محظوظ بتولي حقيبة الاتصال والاقتصاد الرقمي، معتبراً أن أهم الملفات ستتبلور أكثر خلال الأسبوع المقبل، لافتاً إلى أن تجربته السابقة كنائب وكمختص في القطاع ومساهمته في إعداد استراتيجية حول تونس الرقمية في أفق 2018 أمور ستساعده كثيراً في عمله.

ويوضح الفهري أن هذه الاستراتيجية تقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مشدّداً على أن الأولوية بالنسبة إليه خلال المائة يوم المقبلة ستكون تنفيذ هذه الاستراتيجية.

من جهته، يعلن وزير البيئة والتهيئة الترابية نجيب درويش لـ"العربي الجديد" أنّ القرارات العاجلة لن تكون جاهزة بل ستصدر عن المختصين في المجال البيئي ومع مديري الوزارة، موضحاً أنه من المنتظر أن تتبلور المقترحات أكثر في بداية الأسبوع المقبل. ويشير درويش إلى أن لديه فكرة واضحة عن وزارة البيئة وعن المناطق التي توجد فيها مشاكل بيئية مثل جربة وقابس وصفاقس، معلناً أنه سيزورها.




كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 08/02/2015
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com