بعد كشف تفاصيل "الخطيئة النووية" بالجزائر.. فرنسا تعترف بالضحايا


اتفق رئيس الحكومة الجزائرة "عبدالمالك سلال" مع نظيره الفرنسي "مانويل فالس" على عقد مؤتمر في الجزائر مطلع العام المُقبل؛ لبحث آليات تعويض ضحايا الخطيئة النووية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي في الجزائر منذ 52 عامًا.

وذلك بعد أن اعترفت فرنسا بالتفجيرات التي أجرتها في الصحراء الجزائرية في فبراير عام 1960، وبأحقية ضحاياها في التعويضات.

وكانت فرنسا تقوم بتجارب نووية في الصحراء الجزائرية منذ عام 1956 واستمرت حتى عام 1967، إلى أن أخلت قواعدها في الجزائر وفقًا لاتفاق إيفيان الذي تم إبرامه بين البلدين.

وخلفت تجارب التفجيرات النووية آلاف الضحايا ممن تعرضوا لآثار الإشعاعات النووية التي ما زالت تدمّر مناطق حمودية ورقان وزعينا ينكر في ولاية أدرار جنوبي الجزائر.

واشترطت السلطات الفرنسية على الضحايا أو عائلاتهم، تقديم الإثباتات التي تؤكد أن تعرّضهم لأضرار صحية، هو نتيجة مباشرة للتفجيرات النووية أو بسبب آثارها التي ما زالت تحيط بالمنطقة.

وتتضارب الأرقام الرسمية حول عدد ضحايا هذه التفجيرات وآثارها الإشعاعية. فمن الأرقام الأولى التي نشرها مسؤول فرنسي يُدعى رينو باريلو كان شاهدًا على التفجيرات، أن عدد الضحايا بلغ 42 ألفًا من الجزائريين، بعضهم استُخدموا كفئران تجارب.

لكن وزارة الدفاع الفرنسية كشفت عن رقم رسمي يُقدَّر بـ27 ألف ضحية تشمل جميع قوات وموظفي الطاقة النووية الفرنسية وسكان المناطق المنكوبة في رقان وتمنراست جنوبي الجزائر.

غير أن الباحث في الفيزياء النووية كاظم العبودي، وهو أحد أبرز المهتمين بالملف، يعتبر أن التقديرات المبنية على وقائع وإحصاءات يجب أن تشمل الضحايا ممن كانوا في المناطق الصحراوية الممتدة حتى الحدود الجزائرية الليبية والحدود الجنوبية، وتتضمن الضحايا من الأبناء والأحفاد الذين ظهرت عليهم الكثير من الأمراض ذات الصلة بتأثير الإشعاع وإصابات كامنة سرطانية منها ووراثية.

ويرى العبودي أن الأخطر في الملف هو أن السلطات الفرنسية رفضت تقديم خرائط ومسوحات إشعاعية إلى الدولة الجزائرية أو إلى وحدات الهندسة العسكرية التي استلمت القواعد النووية، وهو ما زاد من عمق المعضلة النووية في قلب الصحراء الجزائرية.

ويوضح أن "هذه الخرائط كان يمكن أن تساعد على حصر المناطق الإشعاعية، ففي حال حدد الفرنسيون المواقع بدقة وبصراحة صار ممكنًا القيام بمسح إشعاعي شامل، والبدء بكشف مواقع النفايات النووية في المنطقة في رقان وعين اينكر في ولاية أدرار جنوبي الجزائر في قلب الصحراء، إضافة إلى المواد المشعة والنفايات المشعة السامة"، لافتًا إلى "استحالة إزالة التلوث بشكل كامل، بحسب تجربة الدول العظمى مع مواقع دفن النفايات النووية العادية، إضافة إلى صعوبة التخلّص من مخلّفات المفاعلات النووية، وهو عمل يحتاج إلى فترة زمنية طويلة وإمكانات مالية ضخمة، وفرق متخصصة عالية المستوى في كافة المجالات الجيولوجية والكيميائية والفيزيائية والبيولوجية والطبية والبيئية"، متسائلًا: "من سيتحمّل كل هذه التكاليف الباهظة؟".

ويؤكد العبودي أنه "من الصعب إعادة الحياة إلى منطقة حمودية في رقان ومحيطها، لأنها منطقة صحراوية مفتوحة ظلت فيها المواد المشعة تنتقل إلى مناطق واسعة من دون رقيب ومتابعة، وهي ستبقى مناطق محظورة على الحياة؛ إذ إن مكوّناتها الحيوية ظلت عرضة للتغيرات الوراثية وحتى الطفرات الوراثية".

كما يشير إلى أن المناطق التي شملتها التفجيرات "واسعة مما يجعل تحديدها صعبًا من دون تعاون دولي وخبرات وطنية، خصوصًا بعد أن تُركت المنطقة منسية لنصف قرن، ولا توجد أي مرجعية علمية ووثائق للمقارنة حول تغيّر مستويات الإشعاع خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة".

هذا الوضع تسبّب في ارتفاع حدة عدة أنواع من الأمراض، وخصوصًا السرطان الذي أصاب أكثر من جيل من أبناء وأحفاد الضحايا أيضًا، إضافة إلى الأمراض ذات الصلة بالتشوّهات الوراثية وبضعف الجهاز المناعي والتشوّهات الخلقية وانخفاض الخصوبة وحالات الإجهاض والولادات المبكرة والمشوهة.

ولم تقتصر الأضرار على الإنسان، بل شملت آلاف الحيوانات وخصوصًا الإبل، والثروة البيولوجية وخصوبة الأراضي والتنوع النباتي والمحاصيل وغابات النخيل، ما شكَّل دمارًا شاملًا للتنوع الحيوي برمته.




كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 08/12/2014
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com