أوروبا تخشى تعويم الأسد.. واستيراد الحرب الطائفية


لم يُقابل الاندفاع والإسراع الأميركيان في تنفيذ استراتيجية استئصال خطر "داعش" وأخواته، وترجمته بانطلاق الحملة في العراق وسورية، بذات الحماسة والاندفاع من قبل حلفاء أميركا في أوروبا. وتباين منسوب تفاعل هذه الدول مع الرؤية الأميركية، بين ألمانيا التي اختارت "النأي بالنفس"، وبريطانيا التي لا تزال في طور النقاش السياسي والبحث عن غطاء برلماني، وبينهما فرنسا التي انخرطت طائراتها فعلا في العمليات الجوية ضد مواقع وتجمعات "داعش" في العراق.ومع أن معظم التحليلات التي تعرضت لتفسير تردد أو فتور الموقف الأوروبي، أو بالأحرى المواقف الأوروبية، ركزت على هواجس الدول الأوروبية ومخاوفها من خطر التعرض لهجمات انتقامية، قد يكون رأس الحربة فيها "الجهاديون" الأوروبيون، سواء أو من تسميهم الأجهزة الأمنية الأوروبية بـ"الخلايا النائمة" في أوروبا، والمرتبطة عقائدياً، إن لم يكن تنظيميا عضويا، مع التنظيمات "الجهادية" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أن المراقبين الأمنيين والسياسيين العارفين بخفايا الأمور، ومعهم الإعلاميون والباحثون في مراكز الدراسات الغربية، يعللون المواقف الأوروبية المترددة، من خلال المقارنة مع الموقف الأميركي الذي حسم أمره بأسباب أخرى.المسألة الأولى تتعلق بما يمكن تسميته "معادلة الأسد الصعبة"، فالدول الأوروبية وخاصة منها فرنسا وبريطانيا، التي كانت قبل عام تسعى إلى حشد تحالف دولي مدعوم بقرار من مجلس الأمن الدولي لتوجيه ضربات عسكرية قاصمة للنظام السوري، تجد نفسها اليوم وكأنها مجبرة على الالتحاق بحلف دولي سيساعد نظام الأسد – بقصد أو بغيره – في التخلص من أعتى وأشد خصومه، أي "داعش" و"جبهة النصرة". ويكتب الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، في صحيفة "ذا إندبندنت"، قائلا إنه "في اللحظة التي وسع فيها الرئيس باراك أوباما العمليات العسكرية ضد قواعد داعش إلى داخل الأراضي السورية، ربح الرئيس السوري ونظامه المزيد من الدعم السياسي والعسكري". هذه المعادلة المعقدة، جعلت القيادات السياسية الأوروبية، وخاصة في بريطانيا، تجد في المسألة حرجا سياسيا وأخلاقيا يصعب تفسيره للجمهور، إلا على قاعدة أن "خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة على أوروبا هو أشد من أي خطر قد يمثله بقاء نظام الأسد"، الذي لم يشكل في يوم من الأيام خطرا حقيقيا على أوروبا.الأمر الآخر أن الدول الأوروبية تخشى أن ينجح "داعش" والتنظيمات الإسلامية الأخرى، بما تملكه من ماكينة دعائية هائلة، في تعبئة الرأي العام الإسلامي وتحشيده ضد "الحملة الصليبية الجديدة" على حد تعبير صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية. وفي هذا المستوى، لا تخشى أوروبا من "تثوير" الرأي العام في الدول الإسلامية فحسب، بل الأهم أنها تخشى أن يصل تأثير الدعائية "الداعشية" إلى أوساط المسلمين في أوروبا والذين تقدر أعدادهم بنحو 45 مليون مسلم، منهم 12 مليوناً في فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وهذه المسألة بالذات تفسر إصرار الولايات المتحدة وأوروبا على ضرورة انخراط دول إسلامية في العمليات العسكرية ضد "داعش" في العراق وسورية، لتكون هذه المشاركة بمثابة التبرير الغربي الذي يبدد أي دعاية تحاول تصوير الحملة العسكرية العالمية على أنها "حملة صليبية جديدة" ضد الإسلام والمسلمين.ويخشى الكثير من الدوائر السياسية الأوروبية، أن يرى "السنة" في منطقة الشرق الأوسط ، وكأن الحرب على "داعش" وغيرها من التنظيمات الإسلامية "السنية" هي حرب عليهم جميعا، في مقابل تحالف غربي مع إيران "الشيعية" وحلفائها. من هنا، تجد الدول الغربية نفسها وقد غرقت في "طين" حرب طائفية شاملة في الشرق الأوسط، لا يمكن التنبؤ بمداها الجغرافي أو الزمني، بل وقد يصل شررها أيضا الى أوساط الجالية المسلمة في أوروبا والتي تضم الملايين من أتباع المذهبين السني والشيعي.كما يمكن تفسير التردد الأوروبي من الانخراط في العمليات العسكرية ضد "داعش"، في عدم وجود معلومات أكيدة عن إمكانية هزيمة "داعش" من الجو، أو بالاعتماد على قوات محلية أو إقليمية، خاصة وأنه لا يوجد إجماع بين حلفاء واشنطن أو حتى داخل الإدارة الأميركية حول كيفية هزيمة "داعش"، على حد تعبير سالم لون، المتحدث السابق باسم الأمم المتحدة في العراق، الذي كتب في صحيفة "الغارديان" أن الحملة العسكرية "غير مضمونة النتائج، ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا، وقد تثير صراعا مفتوحا وعصرا جديدا من عدم الاستقرار العالمي".وقد اتفقت آراء أكثر من كاتب ومحلل سياسي في الصحف البريطانية، مع رؤية سالم لون، ورأت أن الاستراتيجية التي أعلن عنها أوباما وباشر في تطبيقها هي "وصفة لصراع بلا نهاية وتوسيع لدائرة التطرف في الشرق الأوسط".أخيراً، ترى الأوساط الإعلامية الأوروبية، أن التردد الغربي من الانخراط في استراتيجية واشنطن، نابع من هشاشة المسوغات التي يمكن الاعتماد عليها لترويج "صوابية وسلامة" قرار المشاركة في العمليات العسكرية لدى الرأي العام الغربي، وخصوصاً أن أي مسوغات نظرية قد لا تصمد أمام حقائق فشل التجارب السابقة في أفغانستان والعراق وليبيا، وحتى فشل تجربة الرهان على بناء وتسليح المعارضة المعتدلة في سورية



كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 26/09/2014
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com