مركزيات لا تليق بك


ما زالت رحلتنا مستمرة مع الأمور التي يتخذ منها الإنسان مركزًا له ولحياته، وتبين أن ما سبق لا يصلح أن يكون مركزًا لحياة الإنسان الذي جعله الله خليفة في الأرض، وقد تحدثنا من قبل عن: المال، العائلة، والعمل، والممتلكات .. وفي هذا المقال نستأنف الحديث عن بعض الأمور التي يتخذها بعض الناس مركزًا لحياتهم..

أولًا: المتعة:

يكرس بعض الناس حياتهم من أجل إرضاء شهواتهم، ولاشك أن الإنسان زين له حب الشهوات كما أخبر الله تبارك وتعالى، فقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]، ولكن الإنسان لابد وأن يحسن التعامل مع هذه الشهوات والمتع، فلا يصرفها فيما يغضب الله تبارك وتعالى.

وعلى الجانب الآخر، قد يقضي الإنسان جزءًا  كبيرًا من حياته في السعي وراء الترفيه المباح والمبالغة في ذلك بغير ضوابط أو تقنين، ويضيع حياته في هذا المضمار.

 ولكن المتعة في حد ذاتها لا تصلح لأن تكون مركزًا في حياة الانسان (لأن المتعة في جوهرها لا تقدم رخاء عميقًا، ولذا فإن الشخص الذي يتمركز حول لذة المتعة يشعر سريعًا بالملل من كل مستويات المرح) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفين كوفي، ص (160)].

وهذا شاب في الرابعة والعشرين من  عمره يرى أن (السعادة تنبع من السعي وراء المتع الشخصية، وأن العالم مدين له بحياة رغدة، ووالداه أغنياء، ومن ثم فهو معتاد على الاستمتاع بماديات الحياة، ولذا فإنه يخرج شهريًا وينفق ما يريد من المال على الأماكن الترفيهية، والملابس والرحلات.

وفي كل شهر ينفق ما يربو على ضعف راتبه، ولذا فهو يزيد من حدود سحبه على المكشوف، وعدد البطاقات الائتمانية التي يحملها.

وبعد فترة بدأ الدائنون يطالبون بأموالهم، ووصل به الأمر أن صار يخشى وصول البريد في الصباح الباكر، وأصبح متوترًا ومكتئبًا.

وما كان من هذا الشاب إلا أن زاد في إنفاقه على سبيل الترويح عن نفسه، حتى نفدت كل حدوده الائتمان.

وأخيرًا، لجأ إلى والديه الأثرياء طلبًا للمساعدة، وبالفعل وافق والده على مساعدته على مضض على سداد الديون على أن يتعلم من هذا الدرس العظيم.

وبعد عام واحد وقع هذا الشاب في نفس المشكلة مرة أخرى، ويبقى السؤال: لما لم يتغير سلوكه؟ والجواب ببساطة لأن اعتقاده بأن ينبغي أن ينعم بكل متع الحياة لم يتغير قط) [كتاب السعادة، هيثر سامرز وآن واتسون، ص(119-120)]، فحياته متمركزة حول المتعة.

        فلاينبغي للمؤمن الفعال الذي ينشد المعالي، أن يمضي حياته كلها في الجري وراء المتع الزائفة والشهوات الزائلة.

ثانيًا، وثالثًا: الصداقة والعداوة:

يتأثر البشر ـ خاصة الشباب ـ بأصدقائهم تأثرًا كبيرًا، وهذا ما أقره نبينا صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، فقال صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) [رواه الترمذي وحسنه الألباني]، (والشباب على وجه الخصوص يميلون إلى مركزية الصداقة، ويكتسب انضمامهم لمجموعة خاصة من الأصدقاء وقبولهم بها أمرًا هامًا بالنسبة لهم) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفين كوفي، ص(160)].

ولكن ماذا لو اتخذ الشخص من صديقه مركزًا لحياته؟! ستجد يتخذ قراراته بما ينسجم ويتوافق مع أهواء صديقه.

 وتراه يتبعه في كل صغيرة وكبيرة، في الحق أو في الباطل، فكم من مدمن للمخدرات كان سبب إدمانه هو صديقه ورفيق عمره.

فالصديق قد يأخذ بصاحبه إلى طريق الحق والخير، وقد يقود صاحبه إلى الهلاك والضياع، لذا بيَّن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة) [متفق عليه].    

(وعلى النقيض من ذلك، قد يتخذ بعض الناس من أعدائهم مركزًا لحياتهم، وخاصة هؤلاء الأشخاص الذين تعرضوا لمعاملة غير عادلة من قبل أشخاص معينين، فتراهم يتخذون موقفًا مضادًّا تجاه من ظلموهم.

فيعيشون تحت سيطرة الرغبة في الانتقام أو نذر النفس للعدواة الأبدية، تنصب عليها اهتماماتهم وسلوكياتهم....

ولاشك أن الفرد الذي تمركز حياته حول صديق أو عدو تجده لا يتمتع بالأمان، كما إن مشاعره دائمًا ما تكون متقلبة بحسب الحالة العاطفية) [الرؤية الملهمة، د.محمد العطار].

رابعًا: الذات:

(إن المتأمل يجد أن كثيرًا من الناس يتمركزون حول ذواتهم، أو بمعنى آخر لا يرى العالم من حوله إلا من منظور نفسه، فمحور اهتماماته أن يرضي ذاته فقط.

ولن يستطيع هذا الإنسان المتحمور حول نفسه أن يتآلف مع الآخرين، وبالتالي تجده دائمًا شاذًا منبوذًا عن المجموع، لا يطيق أحد التعامل معه، وما له من خليل ولا صديق حميم.

ولذا يأتي  التوجيه النبوي ليخرج الإنسان من شرنقة الذات، والتمحور حول إرضائها فيقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [رواه البخاري]، فلن يكتمل إيمانك حتى تحب لغيرك ما تحبه لنفسك، إنه البعد عن الأنانية والتمحور حول الذات، والنظر إلى الحياة من منظور ضيق، كما يجري على ألسنة بعض الناس: مصلحتي أنا فقط، أنا ومن ورائي الطوفان؟) [الرؤية الملهمة، د.محمد العطار، بتصرف].

وبهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن أبرز الأشياء التي يتخذها الناس مركزًا لحياتهم وهي لا تغني عن الإنسان شيئًا، بل لا يليق بالإنسان المكرم الذي هو خليفة الله في الأرض أن يستبدل بمركزية الله مركزية... وهذا ما نتحدث عنه في مقال قادم بإذن الله.



كاتب المقالة : محمد السيد عبد الرازق
تاريخ النشر : 19/06/2014
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com