أفعى التشيع في جنوب الفلبين (1)


نعلم أن المسلمين عاشوا في الأندلس حياة رغدة ومنعمة,الأمر الذي أضعف همتهم وأرخى نفوسهم وأوهن من عزمهم فمالوا إلى الراحة وأضاعوا الجهاد،والأصل في المسلمون أنهم في جهاد دائم حتى يزول الظلم عن العالم كله وينتشر السلام والإسلام, والأمة المجاهدة لا تعرف إلا حياة الجد,فلما مال مسلمو الأندلس إلى الرفاهية تخاذلوا,وكانت أوروبا تتحين الفرص للإجهاز عليهم حتى تمكنت منهم في النهاية.

 
وبعد أن نقلت ساحة المعركة أكثر من مرة من المشرق إلى المغرب,شعرت أوروبا بنشوة النصر وانطلقت وراء المسلمين,وكان رأس حربتها الأسبان والبرتغاليون,وقد توجه الأسبان غرباً بعد أن اعتقدوا بإمكانية الوصول إلى شرقي بلاد المسلمين في سبيل حصار المسلمين من كل جهة والتضييق عليهم.
 
وقد اقتنع بهذه الفكرة الملاح البرتغالي ماجلان - الذي كان في حقيقة أمره كبيراً للمنصرين- فعرض فكرته على ملك أسبانيا, فشجعه بدوره للقيام بهذه المؤامرة الخبيثة, بل وقدم له كل ما يلزم لتسهيلها.
غادر ماجلان وسار بمراكبه على سواحل أمريكا الجنوبية الشرقية,ثم أبحر إلى المحيط الهادي,حتى وصل إلى تلك الجزر التي عرفت فيما بعد باسم "الفلبين" وكان ذلك عام 927هـ,ولقد استمرت رحلته عاماً وسبعة أشهر,واستسلم في نهايتها لليأس وظن أنه قد وصل إلى جزر التوابل,وهي جزر الملوك في إندونيسيا ولكنه سرعان ما تبين أن الأرض التي رست سفنه عل شواطئها ليست التي قصد.
 
قبل قدوم الأسبان إلى جزر الفلبين كان أهلها منقسمين إلى كيانات صغيرة على رأس كل منها حاكم,وعندما أتى ماجلان إليها اتفق مع حاكم جزيرة "سيبو" على أن يدخل في النصرانية الكاثوليكية مقابل أن يكون ملكاً على جميع الجزر تحت التاج الأسباني,وأخذ ماجلان يعمل على تمكين صديقه من السيطرة على بقية الجزر.
 
 ثم انتقل الأسبان إلى جزيرة أخرى بالقرب منها عليها سلطان مسلم يدعى "لابولابو" ولما علم الأسبان بإسلام حاكم الجزيرة طاردوا أهلها,وسطوا على طعام أهلها فقاومهم الأهالي, فأضرم الأسبان النار في أكواخ السكان وفروا هاربين.
إلا أن الحاكم المسلم "لابولابو" لم يستسلم وحرض سكان الجزر الأخرى على ماجلان,وأخيراً هجم بنفسه على ماجلان وقتله بيده وشتت شمل فرقته,ورفض تسليم جثته للأسبان,ولا يزال قبره شاهداً على ذلك هناك.
انسحب الأسبان من تلك الجزر بعد هزيمتهم ومقتل قائدهم,تابع "دل كانو" نائب ماجلان الطريق,فوصل إلى أسبانيا عام 928هـ.
 
هذا و تبلغ مسـاحة الفلبين ما يقرب من 300 ألف كم2 ,بينما تحتل مناطق مورو 116.895 كم2 أي تمثل ثلث المساحة الكلية للفلبين, ويبلغ عدد جزر الفلبين 7100 جزيرة،بل إن عدد هذه الجزر يزيد وينقص يومياً حسب المد والجزر وهذا ما يجعل عدداً كبيراً منها غير مأهول,وتتفاوت هذه الجزر في مساحتها تفاوتاً كبيراً.
 
 
يبلغ عدد سكان الفلبين حوالي 80 مليوناً، منهم حوالي 20 - 21 مليون نسمة من سكان جزر مورو أي يمثلون حوالي 25% من سكان الفلبين أغلبهم يتركز في جزر الجنوب مثل صولو وبالا ووان وميندناو-التي تعتبر قليلة السكان بالنسبة لمساحتها- بنسبة حوالي85%، والبقية من سكان الغابات اللادينيين والنصارى المهاجرين من جزر لوزون وفيسياس الشمالية.
الجنسيات:
ويتألف السكان من عناصر مختلفة ولكن العنصر الغالب هو العنصر الماليزي الذي جاء مهاجراً منذ آلاف السنين من ماليزيا وإندونيسيا, وفي العصور الحديثة جاء إلى البلاد الصينيون والأسبان والأمريكان، وتزاوج عدد منهم مع أهل البلاد فنشأ عنصر جديد مزيج, وتوجد كذلك مجموعة صغيرة من السود ولكنهم يعيشون في المناطق النائية في الجبال والغابات.
 
أما من ناحية العقيدة فقد استطاع الاستعمار الصليبي أن يقوم بدور فعال في نشر عقيدته وذلك بسبب انتشار الوثنية على نطاق واسع في المنطقة,ولم يكن قد مضى وقت طويل على انتشار الإسلام في تلك الجزر,لذا نجد أن ما يقرب من 85% من سكان الفلبين عموماً من النصارى الكاثوليك والبروتستانت,بينما يشكل المسلمون ما يقرب من 11% من السكان في المناطق الجنوبية في جزيرة ميندناو إلى جانب جزر أخرى,وهناك أيضاً أعداد من البوذيين وأخرى ممن يؤمنون بالأرواح يشكل كل منهم 2% من مجموع السكان.
 
ويتكلم السكان في الفلبين أكثر من 78 لغة محلية أهمها "التاجالوج" وتعد لغة وطنية, وهناك الأسبانية والإنجليزية –التي تعد اللغة الرسمية للحكومة-, بينما يتكلم المسلمون لغتين من اللغات السائدة في البلاد وهي "ثاوصو" وهي قريبة من الإندونيسية, ولغة "مراتاو" أو "إيرانون" وهي الغالبة في ميندناو وتضم ألفاظاً عربية كثيرة وتكتب بالخط العربي.
 
تعتبر "دافاو" -التي نحن بصدد الحديث عنها- في الجنوب هي المركز المدني وعاصمة الجنوب,وتقع على الخليج الذي يحمل اسمها في جنوب ميندناو,إلى جانب مدينتي "كوتاباتو" و"زمبوانجا".
 
وصل الإسلام إلى دافاو كما وصل إلى غيرها من جزر الفلبين,فقد كانت المراكب تقطع الطريق البحرية في خمسة أشهر كاملة، يتعرض فيها الدعاة للأخطار, ويتجشمون المصاعب بصبر وشجاعة في سبيل غايتهم السامية وهدفهم النبيل وهو نشر الإسلام, فمكَّن الله لهم تحقيق تلك الغاية بصدق نيتهم وإخلاصهم لدعوتهم، وانتشر الإسلام على أيديهم وحكموا تلك الأرجاء وامتد نفوذهم إلى أرخبيل صولو وجزيرة ميندناو وكان ذلك عام 270هـ.
 
وفي عام 310هـ هاجر إلى الدعوة هناك ثلاثة رجال من العراق هم " محمد بن يحي, وأحمد بن عبد الله, ومحمد بن جعفر" واستشهد هؤلاء الثلاثة عام 313هـ. وفي عام 317هـ وصل إلى تلك الجزر أحفاد أحمد بن عيسى الذي ينتهي نسبه إلى الإمام جعفر الصادق, وقد لقب أحمد هذا "بالمهاجر" إذ انتقل من العراق إلى اليمن وانتقل أحفاده منها إلى الهند, ومنها إلى جنوب شرقي آسيا واستقروا أخيراً في جزر الفلبين.
وهناك قائل بأن أحد الفقهاء يدعى الشريف كارم المخدوم قد حل بأرخبيل صولو عام 679هـ فـأسس أول مسجد هناك فكان هذا المسجد حجر الأساس في انتشار الإسلام.
 
وهناك رواية تقليدية يأخذ بها العامة في جزر أرخبيل صولو تقول: "إن الإسلام قد وصل إلى هناك عن طريق سبعة إخوة من العرب الذين قدموا من الجزيرة العربية, وأن السكان هناك كانوا وثنيين, ويعتقد أن هؤلاء لم يكونوا إخوة في النسب وإنما في الإسلام, ويقال أن هناك أضرحة باقية حتى اليوم يدَّعون أنها لأولئك الدعاة السبعة, وهي مزارات يؤمها الناس من أهل تلك البلاد, ويدعي كثير من الناس أنهم ينحدرون من أصلاب أولئك الأخوة السبعة, ويحتفظون بشجرات نسب تؤيد ادعائهم, وكذلك يقولون أنهم من أصل عربي تبركاً وحباً للعرب الذين حملوا الدعوة إليهم.
ويظهر أن هؤلاء السبعة هم أهم الدعاة الذين عرفتهم تلك الجزر,وقد يكون وقت وصولهم ليس واحداً,ولكن مع الأيام أصبحوا إخوة سبعة,ويبدو أن هؤلاء الدعاة الأوائل قد جاءوا من مراكز تجارية موجودة في جنوبي الصين,حيث كان للمسلمين هناك محطات لقوافلهم التجارية البحرية.
 
وهناك قول آخر وهو أنه قد وصل عن طريق إندونيسيا وماليزيا في القرن التاسع الهجري, فكان قوة ودعماً للمسلمين الذين وصلوا عن طريق الصين,وقامت اتصالات في القرن العاشر بين المسلمين في "جزر سيليبس" و"المولوك" و"صولو" و"مندناو", وكان من نتائجها قيام تحالف عسكري كرد فعل ضد قدوم الأسبان والبرتغاليين إلى تلك المنطقة.
 
كما يروى أيضاً أن الإسلام قد دخل في أواسط القرن الخامس الهجري مع التجار المسلمين من الملايو,ويعتقد أن للحضارمة دوراً كبيراً في هذا الشأن,كما يعتقد بعض الباحثين أن الإسلام قد دخل قبل ذلك بمدة طويلة,وقد بنوا اعتقادهم على أن الإسلام كان لابد له من وقت طويل يحتاجه ليصل إلى المرتبة التي كان عليها خلال القرن الخامس الهجري.
 
والشائع أن أول من دخلها من المسلمين تاجر يدعى الشريف مخدوم ويكنى أبا بكر,وفي الوقت نفسه نزل شريف من الملايو اسمه "محمد علوي" ساهم أيضاً في دخول الإسلام إلى تلك الجزر,ومع أن المسلمين لم يكونوا كثرة عددية إلا أنهم سرعان ما انتشروا وأصبحوا العنصر الغالب,والفئة الحاكمة لكونهم أكثر مدنية وأكثر نشاطاً, إلى جانب رفضهم الخضوع لمن لا يدين بدين الحق.
 
هذا وكانت البلاد تتكون من عدة سلطنات مستقلة,وكانت منطقة مانيلا العاصمة الحالية للفلبين إمارة إسلامية مستقلة رغم قلة عدد المسلمين في تلك الجهات.
أما في الجنوب فكان الحكام المحليون من المسلمين أيضاً،ويتبعون سلطنة صولو,ثم تبع ذلك أفواج من تجار العرب الذين انتشروا في مختلف الجزر,وبدأوا بنشر الإسلام حتى القرن العاشر حين نزل الأسبان,وحالوا دون قدوم موجات أخرى من المسلمين,كما حالوا بين المسلمين هناك وبين إخوانهم في بقية جهات العالم,وهكذا توقف انتشار الإسلام في تلك البقعة,كما توقفت العلاقات الخارجية بعد أن كانت أكثر نشاطاً مع العالم الخارجي خلال القرنين السابع والثامن الهجري عندما بدأ الدين الإسلامي ينتشر في جميع أنحاء الجزر.
 
وأياً كان العنصر الغالب من الروايات السابقة؛ فإنه مما لا شك فيه أن المسلمين حملوا معهم الإسلام خلال القرن التاسع الهجري أو في وقت مبكراً عن ذلك إلى هذه البلاد وفتحوا بحسن أخلاقهم وحسن معاملتهم قلوب أهلها للإسلام,ودعموا ذلك بالزواج من بنات هذه البلاد,وأعقب ذلك دخول حكام الولايات المختلفة في الإسلام الحنيف.
 
إلى هنا نتوقف مع وعد بمواصلة المسير في الحلقة القادمة إن شاء الله لنتحدث عن الكيفية التي وصلت بها أفعى التشيع لجزيرة دافاو,و غيرها من جزر الفلبين فإلى الملتقى.


كاتب المقالة : المفكرة
تاريخ النشر : 16/06/2014
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com