قوات الأسد وحلفائه في يبرود.. والمعارضة تعلن استمرار المعركة


استعادت القوات النظامية السورية، مدعومة بمقاتلين من حزب الله اللبناني، أمس، السيطرة على كامل أحياء مدينة يبرود، معقل المعارضة السورية الأخير في منطقة القلمون الحدودية مع لبنان، بريف دمشق الشمالي، بموازاة توسيع رقعة قصفها للمعارضين في مناطق راس المعرة ورنكوس وجرود فليطا المحيطة بيبرود.

وأعلنت دمشق سيطرتها بالكامل على المدينة الاستراتيجية الواقعة على بعد 75 كيلومترا شمال دمشق، بعد معركة استمرت 48 ساعة. ونقلت قنوات تلفزيونية مؤيدة لدمشق، بينها التلفزيون الرسمي السوري وقناة «الميادين» الفضائية والقناة التابعة لحزب الله «المنار»، مشاهد من وسط المدينة وإحدى ساحاتها الرئيسة، وأظهرت عناصر من القوات النظامية موجودين فيها، وظهر الناس وهم يمشون ويتحدثون في أمان. وأنزل جنود علم الانتفاضة السورية ورفعوا مكانه العلم السوري.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مقاتلين من حزب الله يسيطرون الآن بالكامل على أجزاء كبيرة من يبرود.

وقالت مصادر المعارضة في القلمون إن القوات النظامية ومقاتلي حزب الله اقتحموا بداية يبرود من جهة حي الصالحية باتجاه السوق الرئيسة، ومن جهة المزارع خلف مشفى الأمل، مشيرة إلى أن المعركة انتهت بعد السيطرة على السوق الرئيسة وسهلة رويس وحي القامعية. ولفتت المصادر إلى وقوع اشتباكات عنيفة جدا على أطراف المدينة الغربية، بينما استهدفت الطائرات الحربية السورية الطرق الواصلة بين القلمون والحدود اللبنانية.

وأعلن الجيش النظامي السوري، في بيان، أنه «بعد سلسلة من العمليات النوعية أعادت صباح اليوم (أمس) وحدات من الجيش العربي السوري بالتعاون مع الدفاع الوطني، الأمن والاستقرار إلى مدينة يبرود ومحيطها في الريف الشمالي لمدينة دمشق بعد أن قضت على أعداد كبيرة من الإرهابيين المرتزقة الذين تحصنوا في المدينة واتخذوا منها معبرا لإدخال السلاح والإرهابيين إلى الداخل السوري». وأضاف الجيش أن «هذا الإنجاز الجديد.. يشكل حلقة مهمة في تأمين المناطق الحدودية مع لبنان وقطع طرق الإمداد وتضييق الخناق على البؤر الإرهابية المتبقية في ريف دمشق».

وتشكل السيطرة على يبرود ضربة قوية بالنسبة للمعارضة السورية، لكون المدينة تعد أهم معقل لها في القلمون. ولم تشهد يبرود اشتباكات عسكرية بين المعارضة والنظام، منذ سيطرة المعارضة عليها في خريف عام 2012، مما ساهم في تعزيز نفوذ المعارضة فيها حتى تحولت إلى أكبر تجمع معارض بالقلمون، ونشطت فيها سوق بيع السلاح.

وبدأت القوات النظامية حملة عسكرية عنيفة على المدينة منتصف فبراير (شباط) الماضي، تخللها قصف عنيف بسلاح الجو والمدفعية والصواريخ، وأسفرت عن استعادة السيطرة على التلال الاستراتيجية المحيطة بالمدينة. ونفت مصادر معارضة سورية في القلمون لـ«الشرق الأوسط» فرار المقاتلين المعارضين منها، مؤكدة أنهم «انسحبوا تحت وابل القذائف والقصف العنيف لأحياء المدينة، باتجاه مناطق أخرى في القلمون بينها رنكوس»، مشيرة إلى أن القصف العنيف بالصواريخ «دفع المقاتلين للانسحاب بهدف حماية المدينة من التدمير، لكون النظام كان يستخدم سياسة الأرض المحروقة قبل دخوله إلى المدينة». وقالت إن الاشتباكات تواصلت على مداخل المدينة الجنوبية «حتى عصر اليوم (أمس)»، قبل أن ينسحب كامل المقاتلين.

وقال مصدر سوري لوكالة الصحافة الفرنسية أمس: «حققنا السيطرة التامة على المدينة عند الساعة العاشرة من هذا الصباح (أمس)»، موضحا أنها «كانت المعركة الأكثر صعوبة التي شنها الجيش السوري لأن المسلحين كانوا موجودين في الجبال المطلة على المدينة وفي المباني داخل يبرود، وقد تعين في البداية التركيز على التلال ثم دخل الجيش المدينة السبت (أول من أمس) من مدخلها الشرقي وحسم المعركة الأحد (أمس)».

وأفادت تقارير لبنانية بأن القوات النظامية السورية «لاحقت المقاتلين المعارضين إلى جرود بلدة عرسال الحدودية في شرق لبنان»، مشيرة إلى أن سلاح الجو السوري النظامي «نفذ غارات في مناطق حدودية، ومناطق قريبة من الأراضي اللبنانية، بينها جرود بلدة فليطا السورية التي تبعد خمسة كيلومترات عن الأراضي اللبنانية».

وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام»، الرسمية في لبنان، أن الطيران السوري شن غارات عدة على جرود عرسال، «مستهدفا المسلحين الفارين من محور العقبة ورنكوس باتجاه عرسال، مما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات بين قتيل وجريح»، في حين ذكرت قناة «الميادين» أن عددا من الجرحى نقلوا إلى مستشفى ميداني في عرسال، سبعة منهم بحالة خطيرة.

وتستضيف عرسال، وفق بلديتها، 100 ألف لاجئ سوري نزحوا من القلمون والقصير باتجاهها. وتتهم المدينة المؤيدة للمعارضة السورية، بأن جرودها تخبئ معارضين سوريين، كما تتهم بأنها ممر للسيارات المفخخة من يبرود باتجاه الداخل اللبناني. وأفادت الوكالة الرسمية اللبنانية أن «الجيش اللبناني أوقف في منطقة عرسال مجموعة من السوريين في حوزتهم أسلحة حربية وذخائر وأحيلوا إلى القضاء المختص»، وذلك بعدما ذكرت أن وحدات الجيش اللبناني أطلقت النار على سيارة من نوع «بيك أب» في وادي الرعيان بجرود عرسال، وأصابها بطلقات عدة، بعدما لم يمتثل من في داخلها لأوامر الحاجز.

وبينما غادر مسلحو المعارضة باتجاه المناطق الجنوبية في القلمون، قالت مصادرها لـ«الشرق الأوسط» إن استعادة السيطرة على المدينة «لا تعني نهاية المعركة»، مشيرة إلى أن القوات النظامية «تحتاج إلى معارك طويلة لاستعادة السيطرة على القلمون، بعد بسط سيطرتها على مسافة 10 كيلومترات محاذية لطريق دمشق – حمص الدولي»، لافتا إلى أن مناطق نفوذ المعارضة في القلمون «تمتد الآن على أكثر من 90 كيلومترا وصولا إلى وادي بردي».

وأطلق الجيش النظامي معركة السيطرة على القلمون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين بدأ عملياته في منطقة قارة في أقصى شمال ريف دمشق المحاذي لريف القصير، وبدأ بالتقدم باتجاه النبك ودير عطية وصولا إلى يبرود أمس. وتقود المؤشرات الميدانية إلى أن القوات النظامية ستوسع معركتها باتجاه فليطا وراس المعرة الحدوديتين مع لبنان، وصولا إلى رنكوس، ثاني أكبر معاقل المعارضة في القلمون بعد يبرود.

وأفاد ناشطون بتعرض رنكوس ومزارعها لقصف عنيف من الفوج 67 والفوج 65 وثكنة دير الشيروبيم، مستهدفا بلدات القلمون ومزارع رنكوس وحلبون، بالتزامن مع تحليق للطيران المروحي والحربي فوق سماء حفير باتجاه مزارع رنكوس. وقتل خمسة أشخاص في غارة جوية نفذتها القوات النظامية على منطقة راس المعرة الحدودية مع لبنان، جنوب غربي يبرود، في حين تواصل القصف في وادي بردي، أقصى جنوب يبرود، والقريب من نقطة المصنع الحدودية مع لبنان.

وستتيح السيطرة على يبرود منع أي تسلل لمقاتلي المعارضة إلى لبنان، وهذا أمر حيوي بالنسبة إلى حزب الله الذي يقول إن السيارات المفخخة التي استخدمت في الهجمات الدامية التي طالت مناطق نفوذه في بيروت والهرمل في الأشهر الأخيرة كان مصدرها هذه المدينة.

وأوضح الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش أن «يبرود تقع على بعد أقل من 10 كلم من طريق دمشق - حمص، وهي تمثل تهديدا لأمن هذا المحور». وأضاف أن مقاتلي المعارضة كانوا يشنون من هذه المدينة «هجمات على القرى» الموالية للنظام وصولا إلى تهديد دمشق من جهة الشمال.

وتابع الخبير: «باستعادة السيطرة على يبرود، يستعد الجيش السوري لإغلاق الحدود اللبنانية بشكل كامل بحيث ينعدم أي دور لبلدة عرسال، وهذا الأمر يريح حزب الله». وعد أن النظام «يستطيع بذلك التركيز على الدفاع في جنوب دمشق المهدد على الدوام بهجمات» المعارضين.

وفي غضون ذلك، جابت شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، مسيرات ابتهاج عبر الدراجات النارية لمناصري حزب الله احتفالا بسيطرة الجيش النظامي مدعوما من قوات حزب الله على مدينة يبرود. ورفع الشبان الذين جالوا في الشوارع رايات حزب الله الصفراء في حين ترددت في بيروت أصوات إطلاق الرصاص ابتهاجا بالتقدم النظامي.



كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 17/03/2014
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com