وزير خارجية إيران حضر للقاهرة برسالة "تطمين" فعاد محملا بالمخاوف


"زيارة تبادل الرسائل" هذا هو التوصيف الأدق لزيارة وزير خارجية إيران على أكبر صالحى للقاهرة التى امتدت ليومين وانتهت أمس الأول الخميس، فصالحى حضر للقاهرة ومعه مجموعة من الرسائل منها التطمينية وأخرى تحذيرية، وغادرها محملا بطلبات مصرية للقيادة السياسية فى طهران، وهو ما يشير إلى أن العلاقات ستبقى كما هى دون جديد، على الأقل لحين اختيار رئيس جديد فى إيران فى 14 يونيو القادم، مع انتهاء الولاية الثانية لنجاد فى الحكم.

من أهم رسائل زيارة صالحى للقاهرة كانت موجهة لدول الخليج، خاصة الإمارات العربية المتحدة، فالزيارة جاءت فى وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة وأبوظبى توترا بسبب مخاوف إماراتية من امتداد أثار الثورة المصرية إليها، فضلا عن إلقاء القبض على ما أسمته بـ"خلية إخوانية"، لذلك فإن صالحى أراد أن يقول للخليج إن إيران مستعدة لملء الفراغ الخليجى فى مصر مستقبلا، خاصة الاستثمارات الإماراتية إذا ما زاد التوتر فى العلاقات بين مصر والإمارات عما هو عليه الآن، ولإيران فى هذا الأمر بالطبع منفعة كبرى، فهى تحتل ثلاث جزر إماراتية وتريد أن تتخلى مصر عن دعمها للإمارات فى هذه القضية.

أما الرسالة الثانية فكانت تتجه نحو تطوير العلاقات المصرية الإيرانية، إلى الحد الذى تأمله إيران، والمتمثل فى زيادة درجة التمثيل الدبلوماسى بين البلدين إلى درجة سفير، بدلا من الوضع الحالى الذى يبقى التمثيل على درجة مدير مكتب رعاية المصالح، فضلا عن فتح التأشيرات أمام المواطنين الإيرانيين الراغبين فى زيارة مصر، والأمر الثالث والأهم بالنسبة لإيران أن يتحول ملف علاقاتهم مع مصر من ملف أمنى تتولاه الأجهزة الأمنية المصرية إلى ملف سياسى تكون مسئولة عنه وزارة الخارجية.

أما الرسالة الثالثة فتتعلق بالوضع فى سوريا، ورغبة القيادة السياسية فى طهران فى استقطاب مصر تجاه محور الدفاع عن نظام بشار الأسد، بطريقة غير مباشرة من خلال الترويج للمبادرة الأخيرة التى أطلقها الأسد بدعوة المعارضة لحوار لوضع ميثاق وطنى وإجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة جديدة، وتعتمد إيران فى تحقيق هدفها بالتأكيد على أنها ترغب فى أن يكون حل الأزمة الإيرانية شأن سورى، وإلا يكون هناك أى تدخل خارجى، وأن يقتصر الأمر على الدول الإقليمية الفاعلة، خاصة الدول الأعضاء فى مبادرة مصر الرباعية "مصر والسعودية وتركيا وإيران"، وهى المبادرة التى ولدت ميتة، لكن طهران تحاول الآن إحياءها لتحقيق أهداف من ورائها، وهدفها هو الإبقاء على نظام الأسد أكبر قدر ممكن.

هذه هى الرسائل الثلاثة التى حضر من أجلها صالحى للقاهرة، بجانب مهام أخرى مثل دعوة الدكتور محمد مرسى، رئيس الجمهورية لزيارة طهران، وكذلك الأنبا تواضروس الثانى، لكنه غادر القاهرة مساء الخميس، وفى جعبته رسائل كان أهمها التى تلقاها من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذى كان أكثر صراحة عندما واجه وزير خارجية إيران بمخاوف مصر من التواصل الكامل مع إيران، وطالبه بثلاثة أمور واضحة وصريحة، الأول أن تصدر فتاوى من المرجعيات الكبرى فى قُم وشيراز وغيرهما بتحريم صريح حاسم لسب أم المؤمنين السيدة عائشة، والخلفاء الثلاثة والصحابة والإمام البخارى رضى الله عنهم، والثانى الحفاظ على الحقوق الأساسية لأهل السنة والجماعة فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ممن اشتكوا منه للأزهر من فقدانهم لبعض الحقوق الأساسية لهم كمواطنين إيرانيين لهم الحق فى ممارسة ثقافتهم وتقاليدهم الخاصة وفقههم الخاص، طبقا للحقوق المقررة للأقليات فى الشريعة الإسلامية.

أما الطلب الثالث من شيخ الأزهر للقيادة السياسية فى إيران فهو أعلامهم رفض الأزهر التام للتدخل فى شئون مملكة البحرين الشقيقة.

الرسالة الأخرى كانت من القيادة السياسية فى مصر وتتعلق بالوضعين فى الخليج وسوريا، ففيما يتعلق بالخليج كان إصرار القاهرة للتأكيد على أن أمن الخليج خط أحمر، وأن مصر لن تتنازل عن حمايته باعتباره امتدادا للأمن القومى المصرى، حتى وأن شهدت العلاقات بين بين القاهرة وعواصم خليجية توترا فى بعض الأوقات، أما الوضع فى سوريا فإن مصر على موقفها برفض أى تدخل عسكرى فى سوريا مع ضرورة تنحى الأسد الآن قبل غد.

أهم رسالة تلقاها صالحى كانت غير مباشرة، فأثناء تواجده فى القاهرة عقدت مجموعة من الأحزاب الإسلامية مؤتمرا لـ"نصرة الشعب العربى الأحوازى"، شارك فيه الدكتور عماد عبد الغفور، مساعد رئيس الجمهورية ومؤسس حزب الوطن.

وبخلاف هذه الرسائل المتبادلة والتى حملها صالحى، فإن هناك جدلا سياسيا حول إمكانية رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى بين البلدين، فهناك من يرى أن القرار حان وقته، ومن هؤلاء السفير محمود فرج، مدير مكتب رعاية المصالح الإيرانية السابق بطهران الذى قال إن "مصر بعد الثورة وبعد صعود تيار سياسى جديد للحكم لابد من رسم خريطة جديدة للعلاقات الخارجية، ولابد عودة العلاقات بين مصر وإيران، وإن كان هذا سيستغرق مجهودا كبيرا"، موضحا أن على مصر توطيد علاقاتها مع إيران قبل تركيا، حيث إن أنقرة مرتبطة أكثر بأوروبا والحلف الأطلسى وتعمل لمصلحتها بالدرجة الأولى ،كما أن المشاعر التاريخية التركية المصرية ليست إيجابية بالنسبة للعرب.

وأشار السفير فرج إلى أنه من الطبيعى عودة العلاقات بكامل أشكالها مع إيران سواء السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، منوها فى نفس الوقت إلى أن هناك ملفات لابد من حسمها قبل التفاوض على عودة العلاقات بين البلدين وأهم هذه الملفات (الملفات الأمنية، ومشاكل إيران مع الدول العربية".

لكن الدكتور أحمد لاشين، أستاذ الدراسات الإيرانية، يرى أنه ليس بالضرورى تفسير زيارة صالحى لمصر والتقاؤه بالقادة المصريين على أنها تعنى عودة التمثيل السياسى والدبلوماسى بين البلدين فهذا الأمر يحمل مقولات كثيرة والحديث عن عودة العلاقات بين القاهرة وطهران سابق لأوانه، مشيرا إلى أن هذه الزيارة يمكن وصفها كخطوة فى إطار تحسين العلاقات بين البلدين، أما عودة التمثيل السياسى والدبلوماسى بعيد تماما خلال هذه الفترة.

النقطة المهمة فى الزيارة كما يقول لاشين هى لقاء صالحى مع الدكتور أحمد الطيب فى مشيخة الأزهر، مؤكدا على أن هذا اللقاء بمثابة إقرار من إيران للجانب الدينى الرسمى لمصر وليس السياسى فقط



كاتب المقالة :
تاريخ النشر : 12/01/2013
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com