من أحكام الطــــلاق في الشريعة الغـــراء



قال الله تعالى : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " الطلاق : 1 الآية ، " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتمونه من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " الأحزاب : 49 ،
" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " البقرة : 228 إلى أن قال " الطلاق مرتان " البقرة : 229 إلى أن قال : " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " البقرة : 230 ،
" والائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " الطلاق : 4 ،
وقال : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " البقرة : 234 .
يستفاد من هذه الآيات أحكام كثيرة في الطلاق والرجعة والعدة . تقدم أن الله حث على إمساك النساء والصبر عليهن ، وأنه عسى أن يكون فيه خير كثير ، وهذا يدل على محبة الله للاتفاق بين الزوجين وكراهته للفراق ، وهذه الآيات دالة على إباحة الطلاق وهو من نعمه على عباده ، إذ فيه دفع ضرر ومشاق كثيرة عند الاحتياج إليه .
ومع ذلك فقد أمر عباده إذا أرادوا أن يطلقوا أن يلزموا الحدود الشرعية التي هي صلاح دينهم ودنياهم فيطلقونهن لعدتهن ، فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها تكون طاهرة من الحيض من غير جماع حصل بهذا الطهر ، فبهذا تكون مطلقة لعدتها وتعرف أنها شرعت فيها ، وكذلك إذا طلقت بعدما استبان حملها .
وهذا يدل على أن الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي حصل فيه وطء ، ولم يستبن حملها أنه حرام ، وكذلك لا يحل أن يطلقها أكثر من واحدة لقوله : " ولا تتخذوا آيات الله هزوا " البقرة : 231 ، ولذلك يذكر الله الألفاظ التي يحصل بها الطلاق ولم يعينها ، فدل على أن كل لفظ يفهم منه الطلاق بصريحه أو كنايته إذا تعينت بالنية أو القرينة ، فإنه يقع بها الطلاق .
ودل على أن الطلاق الذي تحصل به الرجعة طلقة أو طلقتان ، فإن طلقها الثالثة لم تحل له إلا من بعد زوج ينكحها نكاحا صحيحا ويطؤها ، ثم يطلقها وتعتد بعده .
وفي قوله : " حتى تنكح زوجا غيره " البقرة : 230
يدل على تحريم نكاح التحليل لأنه ليس بنكاح شرعي ولا يفيد الحل.
ودل قوله :" وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " البقرة: 228،
على أن رجعية زوجة حكمها حكم الزوجات في كل شيء ، إلا أنه لا قسم لها، وأنه له رجعتها رضيت أو كرهت لكونه أحق بها.

شروط الرجعة

أحدها: أن يكون في طلاق ، فإن كان في فسخ من الفسوخ، فلا رجعة فيها لقوله: " والمطلقات " البقرة: 228.
الثاني: أن يكون الطلاق واحدة أو اثنتين لأن قوله: " الطلاق مرتان " البقرة: 229، يعني الذي يحصل به الرجعة، ثم صرح بعد ذلك أنه إن طلقها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
الثالث: أن تكون في العدة لقوله: " أحق بردهن في ذلك " البقرة: 228،.
الرابع: أن لا يقصد برجعتها الإضرار بها، بل يقصد إرجاعها لزواجه الحقيقي.
الخامس: أن لا يقع الطلاق على عوض، فإن وقع على عوض فهو الخلع أو معناه، والله تعالى سمى الخلع فداء، فلو كان له عليها رجعة لم يحصل الفداء.
السادس: أن لا يكون الطلاق قبل الدخول لقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " الأحزاب: 49.

دلالة الآية 

على أن الطلاق لا يقع إلا بعد النكاح ، فلو علقه على نكاحه لها أو نجّزه لأجنبية لم يقع.
ودلت على أن المفارقة في الحياة لا عدة عليها، وأما بعد الدخول فإن كانت تحيض فعدتها ثلاثة أقراء كاملة، تبتدي بها بعد الطلاق. وظاهر الآية طالت مدتها أو قصرت، فإن كانت صغيرة أو لم تحض، أو كانت آيسة من الحيض فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملآ فعدتها بوضع الحمل كله، وإن أشكل أمرها فلم يُدرَ هل هي حامل أم لا، بعدما كانت تحيض ولم تيأس مكثت تسعة أشهر احتياطأ للحمل، ثم اعتدت بثلاثة أشهر.
وأما المتوفى عنها فعدتها إن كانت حاملأ بوضع الحمل، وإن لم تكن حاملأ فبأربعة أشهر وعشر احتياطأ عن الحمل.

وفي قوله: " فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن " البقرة: 240،
فيها تنبيه على

الإحداد: على المتوفى عنها زوجها، وأنها تترك في وقت عدتها كلما يدعو إلى نكاحها من ثياب الجمال والحلي والطيب والكحل والحنا ونحوها، كما وردت مفصلة في السنة.
وقوله تعالى: " ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء " البقرة: 235، الآية.
التعريض الذي نفى الله الحرج فيه في خطبة البائن بوفاة أو ثلاث أو فسخ. فالتصريح لا يحل والتعريض الذي يحتمل الخطبة ويحتمل غيرها لا بأس به،
وأما الرجعية: فلا تحل خطبتها لا تصريحا ولا تعريضا لأنها في حكم الزوجات،
وفي هذه الآية تحريم العقد على المعتدة، لأنه إذا حرمت خطبتها، فمن باب أولى نفس العقد فهو حرام غير منعقد.
وأما نفقة: المطلقة ما دامت في العدة، فإن كانت رجعية فلها النفقة، لأن الله جعلها زوجة وزوجها أحق بها، فلها ما للزوجات من النفقة والكسوة والمسكن.
وأما البائن: فإن كانت حاملأ فلها النفقة لأجل حملها لقوله تعالى: " وإن كن أولات أحمال فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " الطلاق:6، فإن لم تكن حاملا، فليس لها نفقة واجبة ولا كسوة.
وأما نفقة الرضاع: فهي على الأب؛ فإن كانت أمه في حبال أبيه فنفقة الزوجة تندرج فيها نفقة الرضاع لقوله: " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن " البقرة: 233، فلم يوجب غيرها
وإن لم تكن في حباله، فعليه لها أجرة الرضاع لقوله: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " الطلاق : 6 ،
وأمر تعالى أن " لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده " البقرة: 233، وهذا شامل لكل ضرر.
وقوله: " وعلى الوارث مثل ذلك " البقرة: 233
استدل بها على نفقة القريب المحتاج إذا كان وارثه غنيا وارثا له، وهذا الشرط الأخير في غير الأصول والفروع، فالغني منهم عليه نفقة الفقير وارثا كان أو غير وارث.
وقوله: " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " البقرة: 229،
فيه جواز الخلع عند خوف أن لا يقيما حدود الله ، وأنه يجوز بالقليل والكثير، وأنه فدية لا يحسب من الطلاق، وليس فيه رجعة.
قوله: " وللمطلقات متاع بالمعروف " البقرة: 241،
يشمل كل مطلقة فينبغي لمن طلق زوجته أن يمتعها بالمتيسر من المال، وذلك من أفضل الإحسان، ومن مكارم الأخلاق لانها في هذه الحال منكسر خاطرها، قليل في الغالب ما في يدها، ولا تجب إلا إذا طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا.
وقد أرشد الله الزوج إلى أن يمسك زوجته بمعروف أو يفارقها بمعروف، وذلك للسلامة من التبعة ولراحة الطرفين وبقاء الألفة بين الأصهار، وحصول الحياة الطيبة المانعة من الأكدار، فهل أحسن من هذا الحكم لقوم يوقنون.
واستدل بقوله تعالى: " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " البقرة: 233، مع قوله: " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " الأحقاف: 15، أن أقل مدة يمكن حياة الحمل فيها ستة أشهر، لانك إذا ألقيت الحولين من الثلاثين شهرأ بقي ستة أشهر للحمل.
قوله تعالى: " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم " البقرة : 226 - 227 .
فيها حكم الإيلاء وهو حلف الزوج على ترك وطء زوجته أبدا، أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فإذا طلبت الزوجة حقها من الوطء وامتنع لإيلائه ضربت له مدة أربعة أشهر، ثم إما أن يطأ ويكفّر عن يمينه، وإما أن تلزمه بالطلاق. ويؤخذ من معنى الآية أن الزوج إذا امتنع مما يجب عليه من فراش، أو وطء، أو نفقة، أو كسوة، أو مسكن، أو نحوها من الواجبات التي لا عذر له في تركها، والحّت في طلبها حقها أن لها الفسخ.
قوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم " النور: 6  ،
لما ذكر تعالى أن من قذف غيره بالزنا، فعليه حد القذف ثمانون جلدة إن لم يأت بأربعة شهداء. استثنى من رمى زوجته بالزنا وأنكرت، فإن له أن يلاعنها بأن يشهد أربع شهادات إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا، ويزيد في الخامسة وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقابله فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا، وتزيد في الخامسة وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فإذا تم اللعان بينهما ترتب عليه سقوط حد القذف عنه وسقوط العذاب عنها وهو حد الزنا أو الحبس، وانتفى الولد المنفي بهذا اللعان وحصلت الفرقة المؤبدة بينهما.
قوله تعالى: " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها " المجادلة: ا .
ذكر الله حكم الظهار، وأنه منكر من القول وزور، وأنه إذا أراد أن يعود لوطئها بعد هذا التحريم بأن يحرمها صريحأ أو يقول: هي علي كظهر أمي أعتق رقبة مؤمنة من قبل أن يتماسا فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينآ.

والله اعلم



كاتب المقالة : الشيخ / محمد فرج الأصفر
تاريخ النشر : 07/01/2011
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com