المطالبة بتطبيق الشريعة بين الصدق والادعاء


إن كثيرا من الذين يستحيون أن يقولوا نرفض تطبيق الشريعة الإسلامية لأنهم ببساطة سيكونون رافضين لدين الله وشريعته، فبالتالى سيحكم عليهم الناس وحتى البسطاء بالكفر لأنهم أعرضوا عن دين الله فلذا كانوا أشد دهاء، فقالوا نحن لا نرفض شرع الله ولكننا نرفض تسلط الإسلاميين علينا، ويلقنهم الشيطان الحجج قال الله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121].

إن الذين لا يريدون تطبيق الشريعة يريدون اتباع الهوى الذى يسمونه الحرية ويسمون أنفسهم ليبراليين أى أحرار ويؤمنون بحرية الآخرين ولا يستطيعون التفريق بين اتباع الهوى والحرية المطلقة وكما يقول الإمام الشاطبى فى كتاب الموافقات "مخالفة الهوى شاق، وقصد الشارع إخراج المكلف عن اتباع هواه، وذلك أن مخالفة ما تهوى الأنفس شاق عليها، وصعب خروجها عنه، وكفى شاهدا على ذلك حال المحبين، وحال من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين وأهل الكتاب، وغيرهم ممن صمم على ما هو عليه حتى رضوا بإهلاك النفوس والأموال، ولم يرضوا بمخالفة الهوى، حتى قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} [الجاثية: 23]. وقال: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} [النجم: 23].

وقال: { أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم} [محمد: 14].
ولكن الشارع إنما قصد بوضع الشريعة إخراج المكلف عن اتباع هواه، حتى يكون عبدا لله، فإذن مخالفة الهوى ليست من المشقات المعتبرة فى التكليف، وإن كانت شاقة فى مجارى العادات؛ إذ لو كانت معتبرة حتى يشرع التخفيف لأجل ذلك، لكان ذلك نقضا لما وضعت الشريعة له، وذلك باطل إنتهى كلامه قلت: فزعم الذين يرفضون الشريعة أنهم يرفضوا من سيطبقها زعم مردود عليهم إذ أن الله أنزل الشريعة ليطبقها البشر لا الملائكة ولا هو بنفسه وهو يعلم أنه قد يقع بعض الظلم من خلال التطبيق لبشرية من يقوم بذلك حتى ولو كان الحاكم هم الأنبياء فهم بشر فعن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلىّ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضى له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشىء من حق أخيه، فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار) متفق عليه وفى لفظ فأقضى له بذلك وأحسب أنه صادق.

فهذا الظلم الواقع إن كان عن قصد أو جهل ممن ليس أهلاً للقضاء فسيقطص المظلوم من الظالم يوم القيامة وامتثاله لتطبيق شرع الله حتى مع الخطأ كصبر من يبتلى فى الدنيا بمرض أو مصيبة ليس له فى الأصل حيلة إلا الاستلام لأحكام القضاء والقدر، فكذلك هنا.

لذا فإن الشارع حث وخوف من يتولى القضاء على التفقه والعلم والأمانة والإنصاف وعلى مدار التاريخ كان الفقهاء هم أفضل علماء الأمة حتى عصرنا الحديث، قبل أن يلغى عبد الناصر المحاكم الشرعية كان القضاء هم خيرة الأمة ليس فقط فى مصر بل فى كل أنحاء العالم العربى والإسلامى، فكان مثلاً فى السعودية الشيخ ابن باز قاضى ثم أصبح مفتى عام المملكة وهو من أعلم أهل زمانه؛ وفى مصر كان الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر إمام الدنيا فى عصره المحدث العلامة أستاذ كل من تكلم فى الحديث فى القرن العشرين. وغيرهما كثير فى كل البلدان وكان للقضاة الشرعيين وقفات فى وجوه السلاطين مشرفه.

ثم علما الخوف هل القضاة الحاليين لا يقع منهم الظلم ومنهم أمثال تهانى الجبالى وأحمد الزند الذى رآه أحد الأصدقاء يحضر عرس بنت أحد الأصدقاء ويصفق لسعد الصغير وهو يغنى مع الراقصة.

وأخيراً فأضرب لكم مثالا هاما لو أن رجلا كلف أبناءه بشراء خبز فاحتاروا أى نوع من الخبز فقام الأول بالاجتهاد، وقال إن أبى اراد الخبز للغداء لذا فهو يريد خبز بلدى (مفرود بلغة أهل الشام والخليج)؛ وقال الثانى ربما أراد أبى خبز فينو (صامولى بلغة أهل الشام والخليج) فكلاهما قام بالشراء فقد أدى ما كلف به وإن كان أحدهما أفضل من الآخر.

أما الثالث فقال حيث إن الكلام والأمر يحتمل أكثر من معنا (كما يزعمون القرآن حمال أوجه) لذا فلن أفعل شيئاً وسأعتبر الأمر كانه غير موجود وكأنى لم أسمع شيئاً.

فهذا حالنا جميعاً مع أوامر ربنا إما أن نجتهد فى تطبيقها ونختار أفضل وأعلم من يطبقها وإما أن نلقيها خلف ظهورنا فكيف نلقى ربنا يوم القيامة وكيف نقف بين يديه نحاسب عن تفريطنا، إذا أردنا الفلاح والنجاح والبركة وسعة الرزق فنحكم كتاب ربنا ونتحمل الصعاب والمشاق من أجل ذلك فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر كما قال صلى الله عليه وسلم اللهم بلغت اللهم فاشهد.



كاتب المقالة : أمجد غانم
تاريخ النشر : 03/12/2012
من موقع : موقع الشيخ محمد فرج الأصفر
رابط الموقع : www.mohammdfarag.com